Adbox
بتسيلم - تقع مدرسة زياد حمودة جابر الابتدائية، بنون - في حيّ وادي النصارى في الخليل، على بُعد نحو خمسين مترًا من الشارع المؤدّي إلى مستوطنة كريات أربع. يرتاد هذه المدرسة نحو 300 طالب. لأجل الوصول إلى المدرسة، على الطلّاب والمعلّمين عبور بوّابة حديديّة نُصبت على بُعد نحو ثلاثين مترًا من المدرسة، وتفصل بين حيّ وادي النصارى وحيّ جابر، في شارع يسمّى "طريق المصلّين" يصل مستوطنة كريات أربع بالحرم الإبراهيمي. لا يُسمح بعبور السيارات من البوّابة المذكورة، ولكن يُسمح للمشاة بالعبور منها. من حين لآخر، على نحوٍ غير منتظم، يقف هناك جنود ويفتّشون المارّة الذين ينتقونهم عشوائيًّا. عملية اعتقال بعض الفتية واحتجازهم في الحاجز وثّقهما بالفيديو كلّ من جمال أبو سعيفان وعماد أبو شمسية، من سكّان الخليل.
منذ عام 2002، يعاني سكّان الحيّ قيودًا على الحركة والتنقّل، تؤثر أيضًا على طلّاب المدرسة ومعلّميهم. منذ عام 2015، اعتُقل واحتُجز نحو ثلاثين من الطلّاب وهم في طريقهم إلى المدرسة أو في طريق عودتهم منها، بادّعاء أنّهم رشقوا الحجارة
خلال شهرَي تشرين الثاني وكانون الأول 2017 وثّقت بتسيلم أربع حالات تنكيل جنود بطلّاب أثناء عبورهم البوّابة. في 16.10.17، عند الساعة 12:30 تقريبًا، أنهى جزء من الطلّاب دوامهم المدرسيّ وخرجوا متّجهين إلى منازلهم. بعد مضيّ بضع دقائق، عاد بعضهم راكضًا إلى المدرسة وحدّث المعلّمين أنّ جنديّين ومستوطنًا يركضون خلفهم ويصوّرونهم.
في إفادته التي أدلى بها في 23.10.17 أمام الباحثة الميدانية من بتسيلم، منال الجعبري، وصف أ.ج. (12 عامًا، طالب في الصف السابع) ما حدث كما يلي:
في لحظة عبورنا بوّابة الحديد رأينا نحو ستّة جنود، وبجانبهم مستوطن. أخذ هذا يصوّرنا بواسطة هاتفه النقّال. قلت له: "لماذا تصوّرنا؟"، وفجأة هجم عليّ جندي. كان عصبيًّا وأمسك في يده زجاجة لا أعرف ماذا احتوت داخلها، قد يكون عصير أو شيء من هذا القبيل. لطمني على مؤخّرة رقبتي، وعندها تدخّل جنديّ آخر ودفعني تجاه الحائط. بعد ذلك، تدخّل جنديّ ثالث، أبعدهم عنّي وسمح لي بمغادرة المكان. رأيت المعلّم مهند يتقدم نحوي، ولكن اعترضه جنديّ وأخذ يتحدّث معه باللغة العبرية. أنا واصلت السير في طريقي. لا أعرف ماذا حصل مع المعلّم بعد أن غادرت المكان. وأنا في طريقي، رأيت جنودًا آخرين يصوّرينني من داخل جيب كان يقف في مكان قريب. منذ ذلك الحين أخاف الذهاب إلى المدرسة وحدي. أحيانًا ترافقني والدتي إلى الحاجز، وأحيانًا أضطرّ لعبوره وحيدًا. أيضًا بقيّة الطلّاب يخافون مغادرة المدرسة عند الظهر، بسبب تنكيل الجنود [...]
أحيانًا يعترضني الجنود الذين يقفون عند البوّابة، أو يعترضون أولادًا آخرين من طلّاب المدرسة، ويجرون تفتيشًا في حقائبنا. يحدث هذا في طريقنا إلى المدرسة وأيضًا في طريق عودتنا. ويحدث أيضًا أن يدخل الجند أحيانًا إلى المدرسة، حتّى أنّهم في إحدى المرّات تجوّلوا بين الصفوف وبحثوا عن أولاد رشقوا حجارة؛ فتّشوا أيدينا ليفحصوا على علق عليها غبار. أحيانًا هم يطلقون الغاز المسيل للدموع قرب المدرسة.

مهنّد الزعتري والجنود يحتجزونه، تصوير: منال الجعبري، بتسيلم، 23.10.2017.

يوم 23.10.2017، استمعت الباحثة الميدانية من بتسيلم، منال الجعبري، إلى إفادة مهنّد الزعتري (35 عامًا، متزوّج وأب لأربعة) أحد المعلّمين في المدرسة. يقول:
قبض الجندي على يدي وسحبني نحو جيب كان يقف في المنطقة، وأبلغني أنّي معتقل. طلب بطاقة هويّتي فناولته إيّاها. تحدّث معي باللّغة العبريّة، وقلت له إنني لا أفهم العبريّة.
بعد مرور بضعة دقائق، وصلت إلى المكان سيارة شرطة ونزل منها شرطي يتحدّث العربيّة. المعلّم الذي كان معي، عبد العليم، حاول تصوير ما يجري ولكنّ الجنود كانوا عصبيّين - دفعوه ومنعوه من التصوير. تقدّم الشرطي منّي وسألني أسئلة تتعلّق بالمدرسة. وعندما أجبته قال لي إنّه سوف يساعدني على الخروج من هذه الورطة إذا جلبت له اثنين من الأولاد الذين يرشقون الحجار. ضحكت، وعندها تقدّم الجندي منّي - وكان عصبيًّا جدًّا - وقال لي باللغة العربية إنّه جندي مجنون، وإنّه "سوف يقلب المدرسة على رأسنا". قال إنّه سوف يغلق المدرسة، وسوف يعتقلني، وأنّني مسؤول عن كلّ حجر يُرشق نحو سيارة للمستوطنين.
عاد الشرطي ليتحدّث معي، وقال لي إنّني معتقل وأنّه سوف يقتادني إلى محطة الشرطة للتحقيق معي. في هذه الأثناء وصلت إلى المكان سيارة للصليب الأحمر. يبدو أنّهم أجروا اتّصالات مع عدّة أشخاص في الجيش، وبعد نصف ساعة أخلى الشرطي سبيلي وقال لي إنّه سوف يدعوني للتحقيق، وإذا لم آتِ فسوف يعتقلني. هدّدني قائلاً، إذا عاد رشق الحجارة فسوف يغلقون المدرسة. وأيضًا قال لي إنّه يريد أن يراني كلّ يوم عند الحاجز حين وصول الطلّاب إلى المدرسة وحين مغادرتهم المدرسة [...]
في السنوات الأخيرة، دخل الجنود إلى المدرسة مرّات كثيرة. إنّهم يبعثون الخوف والهلع في قلوب الطلّاب، وهذا يؤثّر على تحصيلهم الدراسي وحالتهم النفسية. وفي أحيان كثيرة يجري تفتيش حقائب الطلّاب، بل واعتقالهم. نحن أيضًا، الهيئة التدريسيّة، نعاني إجراءات التفتيش، وحصل في الماضي عدّة مرّات أن جرى احتجازنا حين وصولنا إلى البوّابة المؤدّية للمدرسة. هذا كلّه له آثار أيضًا على عدد المتسجّلين للمدرسة، لأنّ الأسَر تفضّل أن تجنّب أولادها كلّ هذا.
في حالتين أخريين وثقتهما بتسيلم، حدثتنا بعد ذلك بأيّام معدودة، طارد جنود طلّاب المدرسة وهم عائدين إلى بيوتهم في نهاية الدوام المدرسي. في الحالتين احتجز الجنود معلّمًا كان يرافق الطلّاب، وفي إحداهما احتجزوه طيلة ساعة كاملة، ومنعوا السكّان من عبور البوّابة.
في 9.11.2017 كان يُفترض أنّ تقيم المدرسة - خلال الحصّة الأولى - نشاطًا لمناسبة ذكرى وفاة ياسر عرفات. عندما قاربت الساعة 7:45، وحيث كان الطلّاب والمعلّمون في طريقهم إلى المدرسة، لاحظوا وجود أكثر من 150 جنديًّا قرب المدرسة، ومستوطنًا من كريات أربع. إلى أن سُمح أخيرًا للطلّاب والمعلمين بالعبور، كانت المدرسة قد قرّرت إلغاء النشاط الذي خطّطته لذلك اليوم.
نحو الساعة 12:00 في اليوم نفسه، قرّر المعلّم مهنّد الزعتري مرافقة الطلّاب الذين أنهوا دوامهم المدرسي، إلى أن يعبروا البوّابة. عبر جزء من الطلّاب دون أيّة مشكلة، لكنّ الجنود احتجزوا الزعتري مجدّدًا. في أعقاب ذلك تجمّع عدد من معلّمي المدرسة وبعض الطلّاب ورفعوا أعلام فلسطين. ردًّا على ذلك، أخذ الجنود في دفع الحاضرين والصراخ عليهم لكي يغادروا المكان.


إبراهيم زاهدة. الصورة قدّمها الشاهد مشكورًا.

في 12.11.2017 استمعت باحثة بتسيلم الميدانية، منال الجعبري، إلى إفادة ابراهيم زاهدة أحد المعلّمين في المدرسة (31 عامًا، متزوّج وأب لاثنين). يقول:
بعد أن تفرّق معظم الأولاد، بقينا نحن المعلّون فقط. أخذ الجنود يصرخون علينا ويأمروننا بمغادرة المكان. فعلوا ذلك بطريقة همجيّة ومستفزّة. قلنا لهم إنّنا لن نغادر قبل أن يطلقوا سراح زميلنا، مهنّد، ويعيدوا إليه بطاقة هويّته وهاتفه.
أخذ الجنود في دفعنا وإبعادنا بالقوّة. تراجعنا بضعة خطوات، وفي هذه الأثناء قام أحد الجنود بدفعي، فدفعته أنا بدوري، وعندها طلب منّي بطاقة هويّتي وأمرني بالوقوف ووجهي إلى الحائط. في البداية رفضت، ثمّ وقفت كما قال لي. أخذ هذا الجندي في إبعاد بقيّة المعلّمين، واحتجز معلّمًا آخر.
طيلة هذا الوقت، كان شرطيّ بزيّ أزرق يجلس في سيّارة تابعة لحرس الحدود، على بُعد بضعة مترات من مكان الحادثة، ويراقب ما يجري. تدخّل فقط بعد مضيّ عشرين دقيقة من عُنف الجنود الموجّه نحونا. كان يتحدّث بلغة عربية طليقة. سأل ما الذي يجري، وفي أثناء حديثنا معه ألقى أحد الجنود قنبلة صوت نحو مجموعة كانت تقف جانبًا - معلّمون، طلّاب، ناشطون أجانب، وأشخاص من منظّمات حقوق الإنسان. إضافة، كان هناك شخص من سكّان الحيّ يقف مع ابنته الطفلة؛ وقد ارتعبت من صوت انفجار القنبلة. عندها، تصادم والدها مع الجندي، فأخذ هذا يدفعه.
أبلغني الشرطي أنّني ومعلّم آخر اسمه رشاد موقوفان، وأنّهم سوف يقتادوننا للتحقيق في محطّة شرطة كريات أربع. أدخلوني إلى سيّارة شرطة وأجلسوني في المقعد الخلفيّ بين جنديّين؛ واقتادوا المعلّم رشاد في جيب عسكري. وصلت قبل رشاد ببضعة دقائق، ولمّا وصل رأيت يديه مكبّلتين إلى أمام بأصفاد من البلاستيك، وعينيه معصوبتين. عندما بدأ يمشي دفعه الجنود بشكل عدوانيّ. بعد ذلك أزالوا العصبة عن عينيه، وحاولوا قطع الأصفاد بواسطة شفرة؛ وعندما لم ينجحوا في ذلك جلبوا مقصًّا وقطعوا الأصفاد. أجرى الجنود تفتيشًا على جسد كلّ منّا بصورة عدوانيّة، وبعد ذلك جلسنا في الساحة وانتظرنا.
جرى احتجاز المعلّمين الاثنين طيلة ساعة، ثمّ أخلي سبيلهما دون قيد أو شرط.
تُظهر هذه الأحداث كم من السهل على الجنود تهديد وترهيب العشرات من طلّاب المدرسة وبعضًا من معلّميها، وتشويش مجرى التعليم: يمسّ وجود الجنود بقدرة الطلّاب على التعلّم، يؤثّر على تحصيلهم الدراسي ويمنع أيّة إمكانية لإدارة مجرى دراسيّ معقول في المدرسة. مثل هذه الأحداث تمسّ أيضًا بأهالي الطلّاب، حيث لا يستطيعون التأثير على ما يحدث لأولادهم في طريقهم إلى المدرسة ولدى عودتهم منها.

ليست هذه أحداثًا شاذّة أو استثنائية، وإنّما هي جزء لا يتجزّأ من روتين الحياة في الخليل، حيث أقامت إسرائيل بضعة نقاط استيطانيّة في قلب المناطق السكنيّة الفلسطينية. تطبّق إسرائيل في المدينة سياسة فصل معلنة، وفي هذا السياق منع الجنود الفلسطينيين من عبور شوارع رئيسية في المدينة وأغلق مئات المحالّ التجارية. هذه القيود، التي يوازيها تنكيل متواصل يعانيه سكّان المدينة الفلسطينيون على يد قوّات الأمن والمستوطنين، تمنع أيّة إمكانية لإدارة مجرى حياة معقول، وتحوّل حياة السكّان إلى جحيم لا يُطاق. أدّت هذه السياسة إلى نزوح فلسطينيّ مكثّف وإلى انهيار اقتصاد وسط البلد. رغم هذه النتائج، تواصل السلطات تطبيق هذه السياسة، ساعية من وراء ذلك إلى تنفيذ "ترانفسير هادئ" يلغي الوجود الفلسطيني في منطقة وسط البلد.

أحدث أقدم