Adbox

الحياة الجديدة- اشتهرت مدينة القدس بالحرف والصناعات اليدوية منذ آلاف السنين، لكن للأسف رويداً رويداً بدأت الحرف تتلاشى نتيجة الأوضاع الصعبة التي تمر بها المدينة.
وتعدّ صناعة النحاس من الحرف التي مازال البعض يحافظ عليها ويمارسها كإرث تاريخي والتي تعتبر من الصناعات العريقة التي كانت تتميز بها المدينة.
انتشرت صناعة النحاس في العهد العثماني وأبدع سكان مدينة القدس فيها حيث قاموا بصناعة الأواني والأباريق والمزهريات والأطباق والملاعق، والأشكال الهندسية الاسلامية المنقوشة على الأواني.
في سوق الخواجات وهو أحد الأسواق الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس يطلق عليه "السوق الثلاثي" الذي يشمل سوق اللحامين، وسوق العطارين، وسوق الخواجات. هنا يشتهر السوق بالمحلات التي تحيك الملابس التراثية القديمة مثل القمباز والعابيات، ليصبح في حاضرنا الحالي 4 محلات لبيع الملابس التراثية، ومطعم شعبي، ومحل "الانتيكا النحاسي" وتصليح "البوابير".
يقول المقدسي محمد عبد الجواد صاحب محل "النحاس وتصليح البابور" (48 عاماً)، ورثت المهنة من والدي بعد أن ورثها من والده وجده رحمهما الله، كتجميع الأواني والصواني والطناجر لتنظيفها وتبييضها، منوها إلى أن ربات البيوت في القدم كن يستخدمن الآواني المنزلية المصنوعة من النحاس.
يضيف عبد الجواد لـ" الحياة الجديدة"، قمتُ بإعادة فتح المحل عام 2000 في سوق الخواجه داخل أسواق البلدة القديمة بالقدس المحتلة للحفاظ على مهنة صناعة النحاس حيث عملت في السابق في محل صنع الحديد والنجاره ولكن دون فائدة.
وأشار إلى أن أسواق البلدة القديمة كانت تشتهر بالصناعات اليدوية ولكن عاما بعد عام بدأت تلك الصناعات بالاندثار، نتيجة للأوضاع الراهنة في مدينة القدس اضافة للوضع الاقتصادي وفرض للضرائب الباهظة، وايضا لوفاة أصحابها دون استكمال المهنة من جيل لآخر وهذا ما أثر سلباً على اختفاء هذه الصناعات والحرف في مدينة القدس، بالإضافة إلى الاعتماد على المستورد لسهولة تنظيفه.
تابع حديثه" عندما أعدت افتتاح المحل وعرضت الأدوات القديمة النحاسية لاقى ذلك اهتماما من قبلا لسياح الأجانب القادمين إلى القدس وتسارعوا على شرائها، كما لاقى ذلك إقبالا من قبل بعض العائلات المقدسية التي تهتم في الحفاظ على التراث ليبقى في ذاكرة الأجيال".
بعد الانتفاضة الثانية بدأت الظروف تشتدّ على كافة نواحي الحياة في أسواق البلدة القديمة وعلى أحياء المدينة وعزلها ببناء جدار الفصل العنصري، حيث تراجعت الحركة السياحية وخاصة مع انتشار المرشدين اليهود وتحديدا في باب الخليل بالإضافة إلى العنصرية الممارسة بحق التجار العرب بعدم الشراء من محلاتهم، اضافة للإغلاقات المتكررة خلال السنوات والاشهر الماضية داخل أحياء البلدة القديمة ونشر الحواجز الحديدية لعدم اقتراب الزوار الاجانب من اصحاب المحلات، ما أدى إلى تدهور الحال اقتصاديا على التجار.
يقول عبد الجواد " مع تطور التكنلوجيا وسرعة التواصل عبر صفحات الفيس بوك بدأت بعرض التحف القديمة من (النحاس) كما بدأت بإعادة تدوير النحاس (الأصفر والأحمر) والنقش على الصفائح بآيات قرانيه، اضافة لصنع الهلال بأحجام مختلفة للمساجد في مدينة القدس، مؤكدا ان بيع "الانتيكا النحاسية" لا تطعم عيش ولكن مهنة يجب الحفاظ عليها.
ونوه إلى أنه يوجد في المحل مئات من القطع القديمة من صنع النحاس منها: ابريق الشاي والقهوة، والطناجر، والصواني، والفناجين، والمزهريات القديمة، وأكواب المياه من النحاس، التي أصبحت حديثا تستخدم كزينة أثرية في المنزل، لافتا إلى أنه شارك في عدة معارض دولية بهدف الحفاظ على الهوية التراثية وهذه الصناعة الآخذة في الاندثار.
يعتبر النحاس من  أكثر المعادن استخداما، وهناك أربع طرق تقنية لصنع الأوعية النحاسية  وهي: الطرق، والصب، والسحب، والكبس.
ومع حلول فصل الشتاء يبدأ عبد الجواد عمله كمصلح "البابور" ليحافظ على مهنة الآباء والأجداد كتراث فلسطيني يتم استخدامه بديلا عن المكيفات وخاصة مع انقطاع الكهرباء.
بعض احياء مدينة القدس ما زالت تتبع عادة الشتاء باستخدام "البابور" للتدفئة مثل: منطقة صور باهر، والطور، والعيساوية.
يتوافدون الى المحل في ساعات الصباح وينتظرون من أجل تصليحه ونكشه (بإبرة خاصة) نتيجة استخدام الكاز وضخه عدة مرات ووضع جلده من أجل استعماله مدة أطول، بينما المكيفات والتدفئة الكهربائية في حال تعطلت يتم اتلافها وشراء جهاز جديد وخاصة بأن كافة الادوات الحديثة مستوردة من الخارج.
يعتبر عبد الجواد صوت "البابور" موسيقى عائلية مليئه بالدفء وخاصة مع تعليق إبريق الشاي والقهوة في ساعات الصباح والمساء وتحميص الكستناء والخبز واعداد السحلب والمهلبية، إذ يلتف أفراد العائلة حوله للاستماع لحديث الآباء عن ذكرياتهم الطفولية ومغامراتهم.

أحدث أقدم