Adbox

الغد العربي - عمان- تقف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن، في واجهة المشهد المالي المأزوم الذي تعيشه وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، نتيجة تخفيض المساعدات الأميركية المقدمة إليها، وتراجع مسار الدعم الدولي غير المسبوق راهناً، بما يضيف أعباءً وضغوطاً مرهقة على المملكة، بصفتها أكبر مانح ومضيف لنحو 42 % من إجمالي زهاء خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
ويتحمل الأردن، الذي يستضيف في أراضيه 13 مخيماً تضم بين 350 و400 ألف لاجئ فلسطيني، الكلف الاقتصادية والاجتماعية الأثقل حجماً، والتي تتجاوز ميزانية "الأونروا" ضمن مساحته "بأضعاف"، وفق دائرة الشؤون الفلسطينية، مما دفعه دوماً للمطالبة بزيادتها على حجمها الحالي، المقدر بنحو 145 مليون دولار للميزانية العامة، خلافاً للمشاريع المتغيرة بحسب المتطلبات المستجدة.
وتشكو "الأونروا" تكراراً من عدم تناسب دعم المجتمع الدولي لاحتياجات اللاجئين الفلسطينيين الحقيقية المتزايدة ونموهم الطبيعي المرتفع، بما خلق فجوة استحالت مع تقادم السنوات إلى "كبوة" إزاء عجز مالي تراكمي بلغ 146 مليون دولار، مقابل عجز متوقع في ميزانية الطوارئ بنحو 200 مليون دولار، ما لم تستجب القنوات المغذية لضخ الإسناد المطلوب في ميزانية الوكالة العامة.
ويؤدي أي تراجع في حجم تبرعات الدول المانحة لـ"الأونروا"، إلى اضطرار الأخيرة "للتقشف" وتقليص منسوب الخدمات، التعليمية والصحية والإغاثة الاجتماعية، المقدمة للاجئين الفلسطينيين، بينما تتكبد الحكومة الأردنية مسؤولية سداد النقص القائم بالإنفاق والخدمات، في ظل انعكاس الوجه القاتم للأزمة في ساحات المخيمات، الأكثر انكشافاً وهشاشة للظروف غير المحمودة.
ومن شأن ضعف الالتزام الدولي لـ"الأونروا"، أن يحدث الخلل؛ حيث تقدر قيمة ما يتم إنفاقه سنوياً من قبل الدولة، بحسب الدائرة، "بأكثر من مليار و200 مليون دينار، في مختلف القطاعات الحياتية، على اللاجئين الفلسطينيين، سواء كانوا المقيمين منهم داخل المخيمات، أم خارج المخيمات"، بإجمالي زهاء مليوني لاجئ.
ومن جانبه، قال الوزير السابق، وجيه العزايزة "إن الأردن يتحمل العبء الأكبر من ضغوط تراجع مسار الدعم الدولي لـ"الأونروا"، أو تخفيض حجم المساعدات المقدمة إليها؛ حيث إن أكثر من 42 % من اللاجئين الفلسطينيين مقيمون بالمملكة، 92 % منهم هم مواطنون أردنيون".
وأضاف العزايزة، لـ"الغد": "أي نقص في تمويل المانحين للميزانية العامة لـ"الأونروا"، يكبد الحكومة تحمل أعباء نفقات إضافية"، مفيداً أن الأردن يتأثر بأي تخفيض في دعم ميزانية الوكالة العامة، بعيداً عن برامج الطوارئ الخاصة بقطاع غزة وسورية، ومن هنا فإن الأردن حريص على بقاء منسوب التمويل واستمراريته وعدم المساس بالخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين".
وأكد موقف الأردن الثابت "برفض المساس بالخدمات التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين، مقابل ضرورة استمرار الدعم الدولي لـ"الأونروا" حتى تتمكن من الاستمرار في عملها وأداء مهامها المنوطة بها أممياً"، مع أهمية "تأمين الميزانية العامة للوكالة وتأمين احتياجاتها الأساسية".
وقال "إن "الأونروا" تمثل واجهة سياسية في إطار خدمي؛ حيث تعبر عن مدى التزام المجتمع الدولي بقضية اللاجئين الفلسطينيين، إلى حين حل قضيتهم وفق القرار الدولي 194، مثلما تشكل عامل استقرار رئيسياً في المنطقة".
ونوه إلى "رفض الأردن لأي تقليص في الخدمات أو التمويل، في ظل الجهود الأردنية الحثيثة المبذولة في مختلف المحافل والمنابر الدولية لتأكيد ضرورة استمرار عمل الوكالة وعدم المساس بخدماتها".
"هشاشة" غير محمودة
وتجد الأجواء غير المحمودة لضعف استجابة المجتمع الدولي لنداءات "الأونروا" المتكررة بالدعم، بصماتها القاتمة في الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها المخيمات، المتوزعة في أنحاء متفرقة من المملكة، في ظل تضرر الخدمات التي تقدمها الوكالة، بأزمتها المالية الخانقة.
وسرعان ما كشفت الأزمة الأخيرة الغطاء عن هشاشة الواقع الخدماتي المتواضع في المخيمات، حينما امتلأت ساحاتها الضيقة والمكتظة سكانياً بالنفايات المكدّسة بعد قرار الوكالة إنهاء خدمات أكثر من 100 موظف يعمل لديها، ضمن نظام المياومة، وهم بدلاء الدرجة الثانية، (عمال النظافة وآذنو المدارس والعيادات)، باعتبارها تدابير لتوفير التكلفة وضبط النفقات.
وأمام نطاق المساحات المحدودة، فإن تبعات تلك المشكلة تتعاظم في المخيمات، مما دفع بشبان من اللاجئين الفلسطينيين لاستلام دفة المسؤولية، عبر تشكيل حلقات مساعدة "لتنظيف المخيمات من المكاره والأوبئة الصحية"، وفق قول الشاب جميل اشحادة (22 عاماً)، لـ"الغد"، من مخيم الوحدات الذي يعد أحد أكبر مخيمات المملكة وأكثرها ازدحاماً، منذ تأسيسه العام 1955، بعد "نكبة فلسطين" بفعل العدوان الإسرائيلي العام 1948، فوق مساحة من الأرض تبلغ 0.48 كم2 إلى الجنوب الشرقي من عمان.
بيد أن التجربة لم يقيّض لها الاستمرار أو التعميم؛ حيث ما لبثت النفايات والأتربة أن شغلت مكانها المريح في "ساحة إحدى مدارس المخيم وبين أزقته ووحداته السكنية الصغيرة، مما تسبب في انتشار الحشرات والأوبئة الضارة على قاطنيه"، بحسب محمد يوسف (34 عاماً)، إزاء قساوة الظروف المعيشية.
وطبقاً لمعطيات "الأونروا"؛ فإن نحو 46 % من مساكن اللاجئين تحوي 3 أفراد أو أكثر في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 15 متراً مربعاً مقامة على قطعة أرض لا تزيد مساحتها على 80-90 متراً مربعاً. وتعد مشكلة الاكتظاظ السكاني أحد أبرز التحديات التي تواجه أوضاع المخيمات التي بنيت على مساحات أراض محدودة غير قابلة للتوسع أفقياً، فيما تضاعف أعداد اللاجئين خلال الفترة نفسها أكثر من أربع مرات، ما دفع بأغلبية أهالي المخيم إلى التوسع عمودياً ببناء طابقين إلى ثلاثة طوابق فوق الوحدة السكنية الواحدة، ما أدى إلى تفاقم حدة الازدحام السكاني وخنق المساحات العامة والمناطق الخضراء داخله لتصل إلى أقل من 10 % من مجمل المساحة الكلية للمخيمات في الأردن.
وقد تركت إشكالية إنهاء خدمات موظفين بالوكالة وتعليق التعيينات فيها تأثيراتها المقلقة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين، في ظل المعيشة الصعبة وارتفاع نسبتيّ الفقر والبطالة، التي قد تولد المظاهر المجتمعية السلبية، وفق أمين جابر (48 عاماً)، من مخيم الوحدات، الذي اعتبر مع أقران آخرين، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءاً، في ظل تخفيض الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين.
ويقدر معدل البطالة بين اللاجئين 13 % وبين اللاجئات 10 %، فيما تبلغ نسبتها لدى الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و29 سنة، حوالي 33 % تقريباً، وفق دراسة المسح الشامل المشتركة التي أعدتها، مؤخراً، دائرة الشؤون الفلسطينية والمؤسسة النرويجية للأبحاث "الفاو".
وتقع نسبة البطالة الأعلى في مخيم عزمي المفتي، بنسبة 11 %، يليه مخيمات البقعة والسخنة وسوف ثم مخيم جرش، بنسبة 10 %، مقابل وجود النسبة الأقل في مخيم حي الأمير حسن، بنسبة 11 %، ومخيم الحسين بنسبة 12 %.
بيد أن التحديات تجد أوجهاً سلبية عند المخيم الأكبر حجماً والأكثر عديداً بالمملكة؛ حيث يقيم نحو 104 آلاف لاجئ في مخيم البقعة، الذي تأسس بعد العدوان الإسرائيلي في العام 1967، عبر تغلغل "مستويات الفقر والبطالة بين صفوفه، وتهالك المستوى التعليمي فيه، وتهلهل سوية مساكنه"، وفق "الأونروا".
وقد حملت هذه الظروف الصعبة ببعض الأسر إلى إخراج أبنائها من مقاعد الدراسة للالتحاق المبكر في سوق العمل ورفد العائلة بمصدر دخل يساعدها على مجابهة متطلبات الحياة، أسوة بما فعله معاذ سليم (33 عاماً)، من مخيم الحسين، الذي تأسس العام 1952، فوق مساحة من الأرض تبلغ 0.42 كم2، شمال غرب عمان، بينما يضم اليوم زهاء 29 ألف لاجئ فلسطيني، في ظل مساحة ضيقة تنوء بالاكتظاظ السكاني الحاد.
"تحديات تخفيض الخدمات"
وتشكل عمالة الأطفال أحد الإشكاليات البارزة التي تسعى "الأونروا" إلى معالجتها، في ضوء معطيات تشير إلى أن نحو 6.9 % من أطفال المخيمات من عمر 15 عاماً فما فوق يعملون في مهن بسيطة مقابل 30 % منهم يعملون في أعمال مهنية وتصنيعية حرفية متعددة.
بينما تفسح هشاشة المنظومة المجتمعية في المخيمات المجال أمام لاجئيها من الشباب إما إلى التوجه مبكراً إلى سوق العمل بعد ترك مقاعد الدراسة، أو الانضمام إلى قائمة العاطلين عن العمل، أو التفكير في الهجرة.
وتسجل فئة الشباب من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى (الأونروا) في الأردن نسبة تزيد على 19.30 % بما يقارب 354 ألف لاجئ، من بين عموم اللاجئين.
وقد سبق لـ"الأونروا" أن حذرت في دراسة أجرتها حديثاً من "تبعات الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الشباب اللاجئ بسبب نسب الفقر والبطالة المرتفعة ووضعهم الصحي المتردي".
فيما تنعكس الوضعية المجتمعية الهشة للمخيمات سلبياً على المرأة اللاجئة، عبر نسب الفقر والبطالة؛ إذ تجد البطالة نسبتها المرتفعة بين صفوف اللاجئات في المخيمات "بقرابة 23 % مقابل 11 % للذكور من أصل 18 %، بينما تصل نسبتهن إلى 33 % مقابل 17 % للذكور من أصل 25 % إجمالي معدلها بين صفوف اللاجئين"، بحسب تقديرات غير رسمية تابعة لمراكز بحثية.
وتعول النساء اللاجئات قرابة 14 % من مجموع الأسر المعيشية من السكان اللاجئين، بينما تصل النسبة إلى 46 % في حالات العسر الشديد، عبر عمل غالبيتهن في مشاغل يدوية كمهن الخياطة والتطريز والرسم على الزجاج أو طرق باب إعداد الأطعمة وتسويقها، مقابل الالتحاق في مراكز نسائية تابعة لـ"الأونروا".
"التعليم" الحلقة الأضعف
يهدد تراجع مسار دعم الدول المانحة لـ"الأونروا" منسوب الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين؛ حيث يعد قطاع التعليم "الأكثر تضرراً باعتباره الحلقة الأضعف في دائرة خدمات الوكالة؛ حيث يستحوذ على النصيب الأوفر عددياً من الموظفين العاملين بالوكالة بنحو 5 آلاف، ما بين معلم ومدير، من إجمالي 7 آلاف موظف بالأردن"، وفق مصادر مطلعة في "الأونروا".
فيما تضحى معايير حجم الكادر التعليمي والإداري والمنشآت التابعة للقطاع التعليمي والتحصيل العلمي للطلبة، ضمن 172 مدرسة، تضم أكثر من 120 ألف طالب وطالبة، وجامعة وكليتي مجتمع ومركز تدريب مهني، عرضة للتهديد عند ضعف استجابة المانحين لنداءات "الأونروا" المتكررة بزيادة الدعم.
وبحسب المصادر؛ فإن "مصير كلية "العلوم التربوية والآداب" الجامعية قد يتأثر أيضاً عند الدفع باتجاه تقليص الخدمات، أو لدى الحديث عن مسار التطوير التربوي والتأهيل وإعادة الهيكلة"، دائم البحث منذ تأسيسها في العام 1993.
وكانت الولايات المتحدة قدمت للوكالة نحو 60 مليون دولار فقط، من إجمالي تبرعات وصلت مقدارها 350 مليون دولار في العام 2017.


أحدث أقدم