Adbox
هآرتس - بقلم: عودة بشارات
هذا هو ثمن جر الوضع القائم. العملية في باحات المسجد الاقصى كان يمكن أن تتطور الى عملية استراتيجية. هذا ما جاء في افتتاحية "هآرتس" أمس (الاول). والنتيجة: صراع ومواجهة مع العالم الاسلامي، ومواجهة مع السلطة الفلسطينية، وإلحاق الضرر بالنسيج المدني الهش في اسرائيل، والاصوات مخنوقة هنا داخل المجتمع العربي، مع خمسة قتلى من الطائفة الاسلامية والطائفة الدرزية. وفقط في القيادة هناك سعداء جدا من اجل جر الصراع، الى أن وصلنا الى حالة سير اللاعبين مع أعين معصوبة، احيانا يصطدمون بالجدران، وفي العادة يصطدمون ببعضهم البعض.

بالنسبة للسيطرة على الاماكن المقدسة، فإن موشيه ديان نفسه لم يرغب في وجع الرأس هذا. وعندما قام أحد ما برفع العلم الاسرائيلي على المسجد الاقصى طلب انزاله على الفور. الاشخاص العقلانيون أدركوا أن هذه السيطرة ستتسبب بالمشكلات، ولهذا قرروا ابقاء الوضع الراهن على حاله. ولكن كما هو معروف فان الاشياء تتحرك، وفي هذه المرة نحو التدين، ومن أراد الحفاظ على الوضع الراهن لم يتخيل أن الوضع الراهن يمر بحالة تدين. فها هو إبن تومي لبيد، رمز العلمانية، يصبح أكثر تدينا. وكذلك الحال بالنسبة للمنطقة كلها، بما في ذلك العرب واليهود في اسرائيل.

في هذه الاثناء مطلوب ممن لهم تأثير في الرأي العام في المجتمع العربي في دولة اسرائيل، مواجهة الاصوات التي تدعو الى الانقسام الطائفي. هذه الاصوات تلاشت بسرعة، لكنها ذكرتنا بأنه لا يوجد أمر أخطر من الانقسام الطائفي في المجتمع الذي يتعرض للقمع. واضافة الى ذلك، الاغلبية الساحقة من المؤثرين في الرأي العام، استنكروا العملية بشكل حاسم، ليس من اجل الحصول على رضا السلطات – اليمين في اسرائيل أصلا يحب التصريحات النارية – بل لأن التصريحات النارية تخدم هدف اليمين، وهو وسم العرب بتأييد الارهاب.

الموقف الحاسم ضد التطرف، القومي أو الديني، يعبر عن رسالة هامة للشباب العرب، تقول إنه من خلال النضال المدني الديمقراطي فقط، وبالتعاون مع الديمقراطيين اليهود، يمكن محاربة العنصرية وتحقيق المساواة والاسهام في النضال الفلسطيني من اجل اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. القائد العربي الذي لا يتخذ موقفا واضحا في هذا الشأن، بذريعة أنه غير مستعد لترديد ما يريده اليمين، يقوم بالرقص على أنغام اليمين.

مطلوب من كل شخص، ليس القائد فقط، أن يسأل نفسه أولا: ما الذي تحتاجه مصلحة شعبه، بغض النظر عما يقوله الآخرون. محظور أن يحدد الآخرون له مواقفه، وعلى فرض أن اليمين العنصري يقول إن الشمس تشرق من الشرق، فهل يجب أن نقول إن الشمس تشرق من الشمال فقط من اجل التميز عنه؟.

أنا على قناعة أن مستقبل السكان العرب هو العيش في دولة اسرائيل مع المساواة في الحقوق، وأنهم سيكونون شركاء في بلورة صورة الدولة ورموزها. وفي نفس الوقت الحفاظ على الهوية القومية والثقافية الخاصة بهم. في الوضع الطبيعي، هذا لا يناقض الحفاظ على الحياة المدنية، العربي واليهودي، بالضبط مثلما أن الحفاظ على الواقع والهوية القومية والثقافية اليهودي لا يناقض هذا الواقع المدني.

الواقع الآن هو أن العرب في اسرائيل، ولا سيما الجيل الشاب، يتصرفون بالضبط حسب هذا الموقف في جميع مجالات الحياة، في الاكاديميا والاقتصاد والهاي تيك والفنون والأدب. وقد تقدم المجتمع العربي عدة خطوات الى الأمام، والقيادة التي تريد الحفاظ على مكانتها يجب عليها التسليم بالطريقة التي قام الشباب ببنائها.


اذا عدنا الى البداية: جر الوضع القائم من قبل بنيامين نتنياهو يشبه جر التحقيقات ضده. ويبدو أن الجر الاول يغذي الجر الثاني، الوضع القائم المتفجر يعمل على اطالة حياة التحقيق. فعندما تكون "العملية الاستراتيجية" على الابواب، يمكن للسيجار والشمبانيا أن ينتظرا.
أحدث أقدم