Adbox
بقلم: جنيفر بينج

جريدة الأيام- العدد 7899 – صفحة 12/ تخيَّلْ أنك طفل يتراوح عمرك بين الثانية عشرة، والسابعة عشرة. يأتي الجيش إلى منزلك في منتصف الليل، يوقظك، ويجعلك تنهض من فراشك، فيعصِب عينيك، ثم يكبّل يديك بقيود بلاستيكية.
توسّلات والديْك لا توقف الجنود عن انتزاعك بقسوة، وإلقائك في سيارة الجيب العسكرية، من دون أن يخبروك، أو يخبروا والديْك بما أنت متهم به، أو بالوجهة التي تساق إليْها.
تصل زنزانة احتجاز في إحدى المستوطنات الإسرائيلية، حيث يجري استجوابك من دون وجود محامٍ، أو فرْد من الأسرة، ويُضغط عليك لتعترف - كيْ تتمكن من العودة إلى أسرتك - بأنك قمت بقذف الحجارة. وما إن توقّع على الاعتراف المكتوب بلغة لا تستطيع قراءتها، حتى تواجه جلسة استماع في محكمة عسكرية، فيَحكم عليك قاضٍ عسكري بالسجن ثلاثة أشهر، في مركز احتجاز في إسرائيل، حيث لا يكون أفراد عائلتك قادرين على زيارتك على الأرجح.
في هذا الأسبوع، قامت عضو الكونجرس، بيتي ماكولوم، وتسعة أعضاء آخرين، بتقديم مشروع قانون لضمان عدم ذهاب أموال دافع الضرائب الأميركي إلى مثل هذه الأنواع من التجاوزات التي تعتبر أمراً شائعاً بالنسبة إلى الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.
على مدى عقد من الزمن، تضمنت التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأميركية عن ممارسات دول العالم في مجال حقوق الإنسان، في الجزء الذي يتعلق بإسرائيل و«المناطق» الفلسطينية المحتلة، توثيقاً لهذه الظروف التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون، ومع ذلك، لم يقم أحدٌ في الكونجرس، أو البيت الأبيض باتخاذ إجراء لوقف هذه الممارسات، أو مساءلة المسؤولين الإسرائيليين. بل زادت الحكومة الأميركية، في واقع الأمر، مساعداتها العسكرية ل«إسرائيل» إلى مستويات قياسية بلغت 3.8 مليار دولار سنوياً.
وتُظهر خمسة وعشرون عاماً من التوثيق من قِبل منظمة «الدفاع عن الأطفال في العالم- فرع فلسطين»، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، ومجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بِتسيلِم) ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، أن سوء المعاملة «يُمارس على نطاق واسع، ومنهجي، ومؤسَّسي»، كما خلصت منظمة «يونيسيف» في تقرير لها، العام 2013. ومع ذلك، لا يزال هذا العدوان على الأطفال غير مرئيٍّ من قِبل الجمهور الأميركي ذاته، الذي تدفع دولاراتُ ضرائبه تكاليفَ هذا العدوان.
فما الذي يجعل أعضاء الكونجرس في نهاية المطاف، يعترفون بهذه الانتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان، ويتخذون إجراء إزاءها؟
قبل ثلاث سنوات، اكتشفتْ المجموعة الصغيرة من المنظمين الذين يعملون من منطلقات دينية في شيكاغو، وأنا جزء منهم، الطبيعة المنهجية والمنتشرة على نطاق واسع، لاحتجاز الأطفال الفلسطينيين والعدوان عليهم في المعتقلات الإسرائيلية. وقرّرنا أن نفعل شيئاً. وبالشراكة مع «منظمة الدفاع عن الأطفال في العالم - فرع فلسطين»، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركيين التابعة لمجموعة الكويكرز- حيث أعمل - ومنظمين آخرين يعملون من منطلق ديني.. وآخرين من خلفيات إسلامية ويهودية وعلمانية.. أطلقنا حملة تحت شعار «الاحتجاز العسكري الإسرائيلي: ليس سبيلاً صحيحاً أبداً للتعامل مع الأطفال». وكان هدفنا توعية وتعبئة الناس ذوي الضمير الحيّ، في أنحاء الولايات المتحدة لمناصرة السياسات التي تعزز المساواة وحقوق الإنسان للأطفال الفلسطينيين. وطلبنا من مسؤولينا المنتخبين مساءلة حكومة إسرائيل عن سوء معاملتها للأطفال الفلسطينيين.
وعلى مدى ثلاث سنوات بنينا قاعدة من المؤيدين، الذين نظموا محاضرات عامة، ومؤتمرات، وعروضاً سينمائية، واستضافات جماعية لتوعية الناس حول هذه القضية. وشجعنا الناس على تبادل معارفهم مع المسؤولين المنتخبين، والمطالبة بقيام المسؤولين الإسرائيليين بإنهاء الممارسة الروتينية باعتقال واحتجاز الأطفال في نظام ظالم، وغير مُنصف وعنيف. وتضمنت جهودنا تقديم عرائض التماس، وجعل مشرّعين يوقعون على رسائل يطلبون فيها من زملائهم تأييد آرائهم في واشنطن، لإبراز هذه القضية لمسؤولينا المنتخبين.
وقبل ثلاث سنوات، كان قيام الكونجرس باتخاذ إجراء حول هذه الانتهاكات ضرباً من الأحلام البعيدة المنال. ولكنه الآن أصبح واقعاً.
ويتطلب مشروع القانون الذي تم تقديمه في الكونجرس، هذا الأسبوع، من وزير الخارجية، التحقق من أن أيّاً من الأموال الأميركية لم تُستخدَم من قِبل حكومة إسرائيل لدعم الاعتقال العسكري، والاستجواب والاعتداء وسوء المعاملة للأطفال الفلسطينيين.
كما يحث مشروع القرار دولة «إسرائيل» على إنشاء نظام قضائي للأحداث، لا يمارس التمييز في معاملة الأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين، ويلتزم بمعايير حقوق الإنسان المعترف بها دولياً. وإذا استمرت ممارسات احتجاز الأطفال الحالية، فإن الحكومة تقوّض أي جهد أميركي لتحقيق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لا يجوز انتزاع أي أطفال من فراشهم في منتصف الليل وتعريضهم لإساءات وتعسف نظام المحاكم العسكرية. ومراعاة المساواة، وحقوق الإنسان وكرامته، هي السبيل إلى معاملة الأطفال وجميع الناس. إن مشروع القانون الذي قدّمه الكونجرس، هذا الأسبوع، خطوة مهمة إلى الأمام، بالنسبة إلى جميع مَن يرغبون في خلق تواؤم بين قِيمنا وبين أفعال حكومتنا، وأموال المساعدات التي تقدّمها.

والآن، نحن في حاجة إلى أن تقوم بقية الكونغرس بالتصرف، بالإقرار سريعاً لهذا التشريع، الذي يشكل اختراقاً. وأنا إذ أنظر اليوم إلى ما تمّ إنجازه، منذ ذلك اليوم الذي جلستْ فيه مجموعة صغيرة منّا، حول مائدة المطبخ في منزلي قبل ثلاث سنوات، مفكّرين مهْمومين بحثاً عن طريقة لإنهاء هذه الإساءات، أعرف أن هذا التغيير الحيوي ممكن.
أحدث أقدم