وفا- شدد محللون
ودبلوماسيون مطلعون على تفاصيل العمل الدبلوماسي الفلسطيني في الأمم المتحدة، على
أن الفلسطينيين نجحوا في اختراق مجموعات دولية ودفعها للتصويت لصالح فلسطين، ما
وجد مؤخرا في التصويت بمجلس الأمن والجمعية العامة ضد إعلان الرئيس الأميركي
دونالد ترمب الاعتراف في القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وشددوا على أن المنظمة
الدولية انتصرت لنفسها قبل أن تنتصر لفلسطين بتصويتها لصالح فلسطين في مجلس الأمن
بأغلبية 14 صوتا رفضا لإعلان ترمب مقابل الفيتو الأميركي، وبتصويت قرابة 129 دولة
رفضا لذات القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي تفاصيل ما جرى خلال
الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة، قال مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض
منصور، إن الدبلوماسية الفلسطينية خاضت معاركة شرسة مع دولة الاحتلال ومع أميركا
بأشكال مختلفة.
فالتصويت لصالح دولة
فلسطين لتصبح عضوا مراقبا في الأمم المتحدة عام 2012 كان دعما لفلسطين نفسها، بحسب
منصور الذي يضيف انه في حين أن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام
كان ضد الولايات المتحدة، وانتصارا للقانون الدولية ولحماية مؤسسة الأمم المتحدة
ذاتها.
وقال إن من بين التسعة
أصوات التي صوتت لصالح الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال 4 دول محسوبة على الدوام
على أميركا إضافة إلى أميركا وإسرائيل، ما يعني فشلا للدبلوماسية الإسرائيلية-
الأميركية في الأمم المتحدة.
وقال منصور إن مسألة
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تحظى بدعم كبير من دول العالم، حيث يؤيد انهاء
الاحتلال قرابة 184 دولة من مجموعة دول الأمم المتحدة.
فيما يتعلق بالدول التي
امتنعت أو تغيبت عن التصويت في الجمعية العامة نهاية الأسبوع الماضي، قال منصور
إنها "لم تغير موقفها من القدس، وبذلك أميركا لم تحصل إلا على 7 أصوات فقط
إضافة لصوتها وصوت إسرائيل، والـ184 دولة من صوتت معنا، ومن تغيب أو امتنع كان لا
يريد الدخول في معارك مع الولايات المتحدة الأميركية".
وقال إن معركة التصويت
في الأمم المتحدة كانت تستهدف رموز هذه المؤسسة الدولية، وكانت تستهدف قرارات مجلس
الأمن القانون الدولي، وهذا يتجلى في وقوف أوروبا الغربية صفا واحدا ضد أميركا
بالتصويت ضد إعلان ترمب.
وتابع قائلا: إن من صوت
بطريقة مختلفة هي دول أوروبا الشرقية، إما امتنعت أو لم تشارك في التصويت، ولكن من
أصل 28 دولة في الاتحاد الأوروبي صوت لصالح القرار 22 دولة و6 إما امتنعوا أو
تغيبوا.
وأوضح منصور أنه خلال
سنوات طويلة خلقت بعثة فلسطين في الأمم المتحدة تراثا يقوم على التعامل مع
المجموعات الدولية، أبرز قواعده أن المجموعة العربية تصوت لصالح كل القرارات
الداعمة لفلسطين، في حين أن المجموعة الإسلامية والبالغ عددها 57 دولة، صوتت 50
دولة منها لصالح القرار، فيما عارضته دولة توغو، وثلاث دول امتنعت عن التصويت
وثلاث أخرى تغيبت.
وأشار منصور إلى أن
الاختراق الأكبر في التصويت الأخير كان في حديقة الولايات المتحدة الخلفية، في
أميركا الجنوبية والكاريبي حيث صوت ضد الولايات المتحدة 17 دولة، فيما عارض القرار
دولتان فقط هما غواتيمالا وهندوراس، والباقي وعددهم 15، امتنع 8 منهم عن التصويت
وتغيب 7 عن الحضور.
من المفاجئات الإيجابية
في التصويت الأخير في الأمم المتحدة، قال منصور إن "كندا امتنعت عن التصويت
لصالح اعتبار القدس عاصمة للاحتلال، وقيمة امتناع كندا عن التصويت كبيرة، ويعكس
خلافا مع أميركا حول موضوع القدس. حيث أعلنت الأخيرة أنها لن تنقل سفارتها إلى
القدس، وكذلك استراليا امتنعت وموقفها لم يتغير من نقل السفارة فهي مع إبقاء
سفارتها في تل أبيب".
وبين منصور، أن
الدبلوماسية الفلسطينية تعطي حاليا وقتا كبيرا للعمل مع المجموعة الأوروبية في
الأمم المتحدة، وتركز على لغة تم إقرارها مع المجموعة الأوروبية التي تلتزم بما
تعهدت به ولا تتراجع عنه، وقال: "نحن نتفاوض بمنتهى الصبر مع المجموعة
الأوروبية للوصول إلى صيغ مشتركة للقرارات الداعمة لفلسطين".
وتابع:
"الدبلوماسية الفلسطينية لا تتصرف بالطريقة غير المؤدبة التي يتصرف بها
المندوب الإسرائيلي بالحديث أن الدول هي لعبة بيد فلسطين، وهذا زاد احترام الدول
لنا واحتقارهم لإسرائيل، وتهديد الولايات المتحدة للدول والابتزاز بالمال هي طريقة
رخيصة في العمل الدبلوماسي والسياسي، وهي أيضا وصفة لاستفزاز مشاعر الدول، والموقف
الأميركي من القدس أثار استفزازا هائلا للدول التي هددت بقطع المعونات، وعندما
تدخل الولايات المتحدة في معركة من هذا النوع ولا تحصل سوى على 7 أصوات يؤكد أنها
فشلت فشلا ذريعا".
من جانبه، قال د. محمد
شلالدة أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس "أبو ديس" إن قرار الرئيس
الأميركي ترمب حول الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة من تل
أبيب إلى مدينة القدس يعتبر انتهاكا لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني
ولميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بشأن مدينة القدس ومركزها
القانوني، والقرار جاء مستندا لقرار الكونغرس حول تنفيذ هذا القرار، وبناء على ذلك
تم بطلب مصري دعوة مجلس الأمن للانعقاد لإبطال هذا القرار، وتم التصويت في مجلس
الأمن حيث صوت لصالح القرار 14 دولة واستخدمت أميركا الفيتو، وكأن القرار جرد من
قيمته القانونية بسبب الفيتو.
وأضاف انه بعد فشل مجلس
الأمن في الغاء هذا القرار وابطاله تم اللجوء من قبل منظمة التعاون الإسلامي بطلب
تركي ومن المجموعة العربية بطلب يمني لعقد الجمعية العامة للتصويت على القرار من
جديد، ونجح القرار بأغلبية ساحقة.
وقال إن التصويت
بالجمعية العامة قرار قانوني ويترتب عليه آثار قانونية هامة وعلى الدول الأعضاء
الالتزام بأحكام هذا القرار، والجمعية العامة تصدر قرارات تحوي قواعد قانونية تلزم
الدول، فأي إجراءات تهدف لتغيير طابع المدينة أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافية
هو لاغٍ، فالجمعية العامة أكدت أن القرار الأميركي باطل، وقد دعت الدول إلى عدم
انشاء بعثات دبلوماسية في القدس.
وأضاف ان هذه الخطوة
الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس انتقلت من الدبلوماسية السلمية
إلى الدبلوماسية الهجومية، وهذا انتصار ليس لفلسطين بل لحركات التحرر في العالم
ولمبادئ وقواعد القانون الدولي وحق تقرير المصير للشعوب، وهذا القرار يتمتع بقيمة
قانونية كبيرة.
وأوضح أن القرار يتمتع
بقيمة قانونية ملزمة لجميع الدول بعد الاعتراف بالقرار الأميركي وعدم نقل البعثات
الدبلوماسية للقدس، وهو بقيمته القانونية مساوٍ لنفس القرار الصادر عن مجلس الأمن
وهو ملزم للدول التي صوتت والدول التي لم تصوت.
وأشار إلى أنه على دولة
فلسطين في الفترة القادمة أن تنتقل للبحث عن الآليات القانونية لتحميل إسرائيل
المسؤولية القانونية والقضائية عن جرائهما بتفعيل ملف المحكمة الجنائية الدولية.
وبين أن الولايات
المتحدة الأميركية تتحمل المسؤولية القانونية بسنها تشريعات ومشاريع قوانين مخالفة
لمواثيق الأمم المتحدة وهنا تظهر المسؤولية الدولية، فلا يجوز للبرلمانات أن تسن
تشريعات تخالف القانون الدولي وقرار الكونغرس بشأن القدس مختلف للقانون الدولي،
وعلينا كدولة فلسطين أن نفعل هذا القرار من خلال الضغط على البرلمانات العالية
لمنع كل من يحاول نقل سفارته للقدس.
وأضاف: ان ما تقوم به
الولايات المتحدة بالدفع للأمم المتحدة مرتبط بالدخل الذي تحصل عليه الولايات
المتحدة، فلا يمكن مقايضة الأمم المتحدة بالمال، وما قامت به الولايات المتحدة هو
هزيمة نكراء ونصر للشعب الفلسطيني.
وقال إن الدبلوماسية
الفلسطينية "نجحت في تحقيق اختراقات في مختلف آراء العالم ودفعته للالتفاف
حول القرارات الفلسطينية، وحتى امتناع استراليا وكندا هو انتصار للشعب الفلسطيني
وهذه الانتصارات سيتبها اعترافات أخرى بفلسطين، ما ينقل دولة فلسطين من دولة غير
عضو في الأمم المتحدة إلى الحصول على دولة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، ما يرسخ
سيادة الدولة تحت الاحتلال".