Adbox
بقلم: دانئيل بالتمان
جريدة الأيام، العدد 7982، صفحة12، بانوراما الصحافة "ترجمة"– هآرتس/ عمليتا قتل الحاخام رزيئيل شيفاح من «حفات جلعاد» والحاخام إيتمار بن غال من مستوطنة «هار براخا»، أعادتا إلى الجدول، الصراع بين «الإرهاب» الفلسطيني والمستوطنين. تدل الحالتان على أنماط عنيفة للواقع الاستعماري: مجموعة من المستوطنين، الذين يطمعون بالأراضي والمناطق التي يعيش فيها شعب آخر، وبمساعدة الدولة، يشنون حرباً لسلب السكان المحليين. ويرد السكان المحليون، من جانبهم، بـ»الإرهاب» القاتل ضد المدنيين الذين يتماثلون مع أولئك الذين يسلبونهم أرضهم.
عاش شيفاح وبن غال في اثنتين من أكثر المستوطنات تطرفا في «المناطق». وتعتبر «حفات جلعاد»، وهي بؤرة استيطانية غير قانونية، إحدى المستوطنات العنيفة في الضفة الغربية، التي يجري فيها تنمية الفكرة التي يطلق عليها «جباية الثمن». وقد دافع مؤسس البؤرة، إيتاي زار، علنا عن «شبيبة التلال»، ولديه تاريخ من العنف ضد الفلسطينيين. زار ورفاقه في البؤرة الاستيطانية غير القانونية هم مجموعة خطيرة وبلطجية، كان يجب على دولة متحضرة الاهتمام بزجهم وراء القضبان. خلال محاولة لإجلائهم، العام 2002، أصيب العشرات من الجنود وأفراد الشرطة بجراح. وكان رزيئيل شيفاح حاخام هذه المجموعة.
أما مستوطنة «هار براخا» فهي معروفة بمدرستها الدينية، التي يترأسها الحاخام إليعزر ملاميد، أحد أكثر الحاخامات المتطرفين في «المناطق». لقد أيد ملاميد رفض تنفيذ الأوامر خلال فك الارتباط عن غزة، وكتب تصريحات صريحة تدعم «شبيبة التلال»: «يجب أن نثني على شبيبة التلال الأعزاء، الذين يضحون بأنفسهم من أجل توطين البلاد وتنمية البرية». وبالإضافة إلى مستوطنة «يتسهار» و»حفات جلعاد»، تتماثل «هار براخا» مع النواة العنصرية والمتطرفة للمستوطنين في «السامرة». اختار إيتمار بن غال العيش مع عائلته في هذا المكان، والعمل فيه كمربٍ.
هذه أرض العنف، التي لا يخشى فيها أحد الزعماء «الروحيين»، حاخام «يتسهار» ديفيد دودكيفيتش، من المطالبة بإبادة الشعب الفلسطيني. فقد قال دودكيفيتش خلال جنازة إيتمار بن غال: «نحن أصحاب البيت هنا، وهذا ليس محمدا واحدا، هذه أمة تعيش على سيفها أمام أمة تضيف الخير للعالم ... هم ليسوا شركاء في هذه الأرض، بل هم غرباء تماما. نحن عدنا إلى البيت بالعدل والرحمة. من الحري بنا أن نجتث هذه الأمة القاتلة». هذه مقولات صريحة تحرض على الإبادة الجماعية لشعب، وفقا لما حددته اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها للعام 1948.
في دراسة مدوية حول التبشيرية الاستيطانية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وحتى الوقت الحاضر أظهرت الباحثة البروفيسور نعيمة بارزل، أن شرعية طرد الفلسطينيين وقتلهم في الأراضي المحتلة في حرب «الأيام الستة» كانت قائمة منذ البداية. ووفقا لدراستها التي نشرت، مؤخراً، في كتاب «المستوطنون في القلوب» (إصدار الكيبوتس الموحد)، فقد أطلق أيديولوجيون في حركة الاستيطان الصهيونية الدينية و»غوش ايمونيم»، بما في ذلك الحاخام تسفي يهودا كوك، تصريحات (بشكل عام ذات طابع ديني) تقول، لا ينبغي منح الحقوق المدنية للعرب، ويجب تشجيع هجرتهم، ومن المشروع قتلهم دون تمييز أثناء النزاع العسكري.
في البداية، دار هذا الخطاب في الغرف المغلقة في المدارس الدينية والمجموعات الدينية. أما معظم الجمهور الإسرائيلي، الذي كان مفتونا بروح الريادة الجديدة لأصحاب الغرة الجميلة والقلنسوة المحبوكة، فإنه لم ينتبه إلى ذلك بتاتا. واليوم، يجري هذا الخطاب علنا، بل ينظر إليه على أنه مشروع. ولذلك، لا عجب أنه يتم طرح مقترحات بإيجاد «حل نهائي» للمشكلة الفلسطينية، بدءاً من ضم الأراضي، مرورا بخطة المراحل التي طرحها النائب بتسلئيل سموطريتش (البيت اليهودي) وحتى التطهير العرقي والإبادة الجماعية، كما يقترح دودكيفيتش بشكل صريح.
وفقا لعالم الاجتماع ماكس فيبر، في الدولة الحديثة، يمكن للحكام المحليين في فترة ما قبل الحداثة، والذين وجدوا أنفسهم محرومين من السلطة التي كانوا يتمتعون بها في الماضي، أن يتحدوا صلاحيات الدولة. في الواقع الاستعماري في أوائل القرن العشرين، واصل بارونات المستعمرات التصرف بشكل مختلف عما أملته الدولة الأوروبية الحديثة.
كما تصرف المستوطنون البيض في أفريقيا وأميركا الوسطى كما لو أن استمرار وجود الوطن والإمبراطورية يعتمد عليهم، ولهذا السبب اعتقدوا انه يحق لهم تجنيد الدولة لكل نزواتهم. حتى بعد حظر الاسترقاق بشكل قانوني في أوروبا، واصل المستوطنون الألمان والفرنسيون معاملة الزنوج في ناميبيا أو غينيا كعبيد من جميع النواحي، حتى وإن لم يتاجروا بهم.
لقد كان الإذلال والسلب والاستغلال الاقتصادي من نصيب السكان الأصليين. وعندما بلغ السيل الزبى وردوا بالعنف، طلب المستعمرون مساعدة من الجيش الذي رد بالعنف وقتل عشرات الآلاف من الناس. ولا ينقص في إسرائيل سياسيون يدعمون المستوطنين ويدفعون البلاد إلى مسار مماثل.
لا جدال في أن «الإرهاب» الفلسطيني قاسٍ وعنيف، وأنه يجب محاربة قتل المدنيين، ولكن يجب دراسة العنف الفلسطيني بشكل أبعد من المسألة الأخلاقية. في الواقع الاستعماري، يصبح العنف سلاحا لا مفر منه.
لقد شدد الفيلسوف فرانز فانون على تفرد العنف الناجم عن القمع. العنف المناهض للاستعمار هو عمل يطهّر به مجتمع السكان الأصليين التعفن والفساد الداخلي الذي يفرضه عليه المستوطنون. ووفقا لفانون فإن النضال العنيف هو علاج ضروري للمرض الذي تسبب في الاسترقاق الاستعماري. إن التحرر الحقيقي واستعادة الكرامة المتضررة لا يمكن تحقيقهما إلا عندما يرد الاستعمار بالعنف على إيذائه، ويقدم السكان الأصليون ضحاياهم في هذا الكفاح.
الفلسطينيون في غزة والأراضي المحتلة يعيشون في هذا الواقع. انهم يتعرضون للاحتقار والسلب أو يسجنون في غيتو مزدحم، تعتبر ظروف العيش فيه من الأسوأ في العالم، وتذكر بظروف الغيتو في بولندا خلال الاحتلال النازي. في بعض الأحيان يطلق الجنود النار عليهم مثل الكلاب السائبة، يقتحمون منازلهم ليلا ويروعون أطفالهم. مشاعر الاضطهاد الدوني تلاحقهم، ومجتمعهم يتدهور، وهم في حالة من الاعتماد الكلي على إسرائيل، ولكن أيضا على العالم العربي والغرب، وهؤلاء جميعا يتخلون عنهم في مواجهة مصيرهم. العنف، المأساوي مهما كان يبدو، ينطوي في هذه الحالة على عامل محرر.
الاسترقاق الاستعماري هو شكل من أشكال الرق الحديث، والاستسلام له يعني فقدان الإيمان بالحرية الإنسانية الأساسية ويأسا من الأمل في التحرير. ولا يمكن لأمة في مثل هذه الحالة دون الإنسانية أن تتحرر منه إلا في الصراع العنيف. عبد الكريم عادل عاصي، الذي قتل الحاخام بن غال، هو شخصية نمطية تقريبا للمأساة الفلسطينية: شاب ممزق الهوية، بين والدته ذات الجنسية الإسرائيلية، ووالده الفلسطيني، ابن أمة محطمة بين الاحتلال الاستعماري وحياة الأقلية التي تعاني التمييز في دولة يهودية. فتى بدون أسرة، يتجول بين الهويات والمؤسسات العلاجية، تستهلكه مشاعر الحرمان والضيق والإهمال.

كما أن ضحيته، الحاخام إيتمار بن غال، هو صورة نمطية للرؤية الاستعمارية التبشيرية، نتاج حرب العام 1967، مأساة إسرائيلية تقودها نحو التحطم. طالما تواصل التمسك بنهج التضحية لدى أبناء الشعبين اللذين يعيشان هنا، ضد بعضهما، فإن هذه المأساة لن تنتهي.
أحدث أقدم