Adbox

وفا- تكشف مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف المخضبة بالدم، والتي وقعت فجر يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شباط من العام 1994، بعد مباغتة المستوطن باروخ غولدشتاين، المسلح بالتطرف والكراهية، للمصلين وإطلاق النار عليهم قبل أن يتمكن الناجون منهم من قتله، تكشف المستوى الهابط للحياة الآمنة في البلدة القديمة من مدينة الخليل، حيث يعيش آلاف المواطنين وكأنهم في سجن.
هناك، يبتهل الآباء والأمهات إلى الله كل صباح بأن ينجي أبناءهم الذاهبين إلى مدارسهم من شرور المستوطنين عبر الطرق المحفوفة بالمخاطر والمغلقة منذ 24 عاما بذريعة 'ضمان تنقل آمن' للمستوطنين بين الأنوية الاستيطانية و'كريات أربع'، والحرم الإبراهيمي.
منذ المذبحة التي قضى فيها 29 مصليا وهم سجود، والتي يمكن القول إنها لا تزال مستمرة، وحتى اليوم، يظل كل مواطن في الخليل هدفا محتملا لعنف وإرهاب مليشيات المستوطنين المسلحين بالبارود والعنصرية، وفيها يحدث 'تطهير عرقي' ضد الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة ومحيطها، إنها مدينة في القبضة المنفلتة لإرهاب جيش الاحتلال والمستوطنين.
'إن حقيقة كل نشاط عسكري ميداني يزاوله جيش الاحتلال في المدينة إنما يتم بذريعة أمنية تتعلق بتواجد نحو 500 مستوطن، وبتطوير المشروع الاستيطاني في قلب الخليل' يقول خبراء ومهتمون في متابعة الشؤون الاستيطانية.
ويضيف: 'إن حملة المستوطنين المستمرة من أجل توسيع المستوطنات القائمة، تسير جنبا إلى جنب مع قرارات وأوامر المصادرة العسكرية الإسرائيلية، ومحاولات وضع اليد على مبان وعقارات مملوكة لمواطني المدينة'.
الحرم الابراهيمي صاحب "المذبحة الشهيرة" لمن لا يعرفه، يتكون من عدة حضرات وحجرات، من أهمها: الحضرة الاسحاقية: وهي المصلى الرئيسي والتي ارتكبت بها المجزرة وتضم مقام سيدنا اسحاق، وزوجته رفقة وتبلغ مساحته ما يقارب 750 مترا مربعا، والحضرة الابراهيمية التي يحتوي على مقام سيدنا ابراهيم، وزوجته سارة، وعلى يمينها مصلى المالكية المطل مباشرة على مقام ابراهيم عليه السلام، وهو الطريق الذي سلكه المجرم غولدشتاين لتنفيذ مذبحته بحق المصلين.
ومن بين حواضر الحرم الشريف، الحضرة اليعقوبية: وهي مقام سيدنا يعقوب عليه السلام وزوجته لائقة، ومن ثم غرفة السدنة وغرفة الحراسات والمكتبة، وبالاتجاه الآخر مقام سيدنا يوسف عليه السلام، ومنطقة العنبر ومدرسة الحسن باشا وهي جميعها داخل اروقة الحرم الشريف، اضيف اليها الجاولية، حيث اضيفت الى بناء الحرم من قبل القائد سنجر الجاولي وهي تصل الباب الشرقي بالباب الشمالي.. وفي الاسفل من هذه المواقع يوجد مقام آخر لسيدنا يوسف عليه السلام وبجانبه بعض الأروقة تكون اليوسفية التحتة.
وتبلغ مساحة الحرم الابراهيمي 2176 مترا مربعا، يضاف اليها الساحات المحيطة بالحرم، لتصبح المساحة الكلية له ما يقارب 7000 متر مربع، بحسب ما أفاد به مدير عام وزارة الاوقاف في الخليل اسماعيل ابو الحلاوة.
ويعلو الحرم الابراهيمي مئذنتان مملوكيتان بطراز خاص لا يوجد لهما مثيل في المنطقة ترتفع عن السطح الجملوني الحرم بحوالي 15 مترا.
ويضيف ابو الحلاوة، أن ما اقدم عليه المجرم غولدشتاين ومن ورائه دولة الاحتلال لم يكن سوى خطوة متقدمة ضمن مخطط استيطاني باتجاه السيطرة على الحرم الابراهيمي وصولا للسيطرة على المدينة، تماشيا مع ما يقال ان من يملك الحرم يملك الخليل، معتبرا ان المجزرة خطط لها على اعلى مستويات الدولة الاسرائيلية، مستشهدا بعدد من الشواهد التي رافقت حدوثها، منها: تمكن المجرم من الدخول بكامل عتاده العسكري، واجتيازه لجميع نقاط التفتيش الموجودة والتي اخليت لحظة دخول هذا المجرم للحرم، بالإضافة الى منع النساء من الصلاة في منطقة الاسحاقية ونقلهن للصلاة في منطقة الجاولية لضمان عدم اصابتهن لتجنب تصاعد ردود الافعال في حال تعرض النساء للإصابة، ناهيك عن عدم اقدام جنود الاحتلال على منع المجرم من الاستمرار في اطلاق النار حيث كان بإمكانهم وقفة، بالإضافة الى اقدامهم على اغلاق البوابات الخاصة بالحرم ومنع المصلين من الخروج، ومنع وصول النجدة والطواقم الطبية من خارج الحرم، كل هذه الامور كانت مؤشرا واضحا على ان هذه الجريمة لم تكن فردية وعفوية، انما خطط لها بشكل جيد وعلى مستويات عدة ونفذت بشراكات واضحة.
وجاءت نتائج وتوصيات لجنة التحقيق التي شكلت في أعقاب المذبحة، والتي عرفت بتوصيات "لجنة شمغار" نسبة الى رئيس اللجنة، وهو قاض في المحكمة العليا الاسرائيلية، والتي تبنت المخطط الاستيطاني الاسرائيلي والتهويدي للحرم الشريف، حيث قسم الحرم مكانيا وزمانيا، واعطى للمستوطنين الحق الكامل في استباحة الاجزاء المغتصبة منه، وبذلك اصبح ما هو مسموح للمسلمين فقط منطقة الجاولية ومنطقة الاسحاقية وجزء من مصلى المالكية، وهي لا تشكل سوى 34% من اجمالي مساحة الحرم، فيما استبيح 66% منه ووضع تحت تصرف المستوطنين بشكل كامل.
ولم تقتصر توصيات "لجنة شمغار" على الحرم الابراهيمي بل تعدته لتشمل مناطق اخرى، فقد تم اغلاق شارع الشهداء الشريان الرئيسي الذي يربط البلدة القديمة بباقي اجزاء المدينة، بالإضافة الى اغلاق عدة مناطق أخرى لتسهيل تطبيق المخطط الاستيطاني، كما اعطت هذه اللجنة قائد المنطقة (العسكري) صلاحيات كبيرة في التعامل مع الحرم الابراهيم ومحيطه، الأمر الذي ادى الى صدور عشرات الأوامر العسكرية.
وحذر ابو الحلاوة، من أن هناك تحضيرات وتحركات احتلالية للبدء بالمرحلة الثالثة من سلسلة الاجراءات الاسرائيلية الهادفة بالأساس الى انتزاع مسؤولية الاوقاف الاسلامية عن الحرم بكافة اجزائه، وجعلها ضمن المسؤولية الاسرائيلية، والذي يعني ضياع الحرم وانهاء الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة.
إن مواجهة هذه الاجراءات، يتطلب -وفق ابو الحلاوة- العمل المشترك ورفع مستوى التعاون للحفاظ على تاريخ واسلامية المدينة، والاستفادة من الانجاز الكبير والمتمثل بقرار اليونسكو بإدراج البلدة القديمة والحرم الابراهيمي من مدينة الخليل على قائمتها للتراث العالمي، والبدء بالعمل على ترجمة هذا القرار الى سياسات واجراءات لحماية إرث المدينة.

أحدث أقدم