جريدة القدس- حديث القدس/ تزايدت
المفارقات الأميركية السخيفة منذ إعلان ترامب المشؤوم الاعتراف بالقدس عاصمة
للاحتلال الإسرائيلي مرورا باستخدام المساعدات المقدمة لوكالة الاونروا
والفلسطينيين أداة ضغط لفرض إملاءات سياسية مرفوضة تنسجم وأطماع اليمين الإسرائيلي
المتطرف وصولا إلى حملة التحريض السافرة ضد الرئيس محمود عباس والزعم انه يرفض
مفاوضات السلام، وكذا التصريحات المنسوبة الى جيسون غرينبلات، مبعوث ترامب الى
الشرق الأوسط والتي زعم فيها أن القرار بشأن حل القضية الفلسطينية لا يعود إلى
السلطة الوطنية وان ما يجري طبخه في مطبخ أكثر المسؤولين الأميركيين المؤيدين
للصهيونية وللاحتلال غير المشروع هو عبارة عن حل إقليمي ... الخ من المفارقات التي
كشفت القناع تماما عن وجه هذه الإدارة الأميركية المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه
المشروعة من جهة والداعمة بشكل مطلق للاحتلال الإسرائيلي وتفوقه العسكري وهيمنته
في المنطقة على حساب الأمتين العربية والإسلامية، وبما يدوس على كل القيم
والمبادىء والقوانين الدولية.
كيف
يعقل أن يدّعي من يطلق على نفسه «وسيط سلام» ان لا صلة للشعب الفلسطيني وقيادته
الشرعية التي يعترف بها العالم أجمع بقبول أو رفض أي مقترحات لحل القضية الفلسطينية
في الوقت الذي تبنى في هذا «الوسيط» كل المواقف المتطرفة للاحتلال الإسرائيلي سواء
فيما يتعلق بالقدس أو اللاجئين أو حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ...
الخ، وبما يتناقض مع كل قرارات الشرعية الدولية سواء قرارات مجلس الأمن أو الجمعية
العامة للأمم المتحدة؟
المفارقة
السخيفة في التصريحات المنسوبة إلى غرينبلات تكمن في انه أعطى لنفسه ولإدارته الحق
في التصرف بحقوق الآخرين التي يعترف بها العالم أجمع، دون أي وجه حق، فيما حرم على
الشعب الفلسطيني وقيادته حقهم في رفض كل ما ينتقص من حقوقهم المشروعة ولسان حاله
يقول: هذا ما نريد إملاءه عليكم وليس من حقكم أن ترفضوا، وملوحا بتهديد خفي بأن
هناك من الدول الإقليمية من هو مستعد للتعامل مع هذا الإملاء.
إن
ما يجب ان يقال لغرينبلات وإدارته هنا، أن عليهما ان يدركا ان عهد الوصاية على
الشعب الفلسطيني قد انتهى منذ عقود طويلة، وان لا أحد في هذه الأمة العربية من
المحيط إلى الخليج يستطيع أن يفرض على الشعب الفلسطيني وقيادته حلولا لا تلبي
الحقوق المشروعة، فهل سأل غزنيبلات نفسه: من هو الزعيم العربي الذي لديه استعداد
لتجاهل قرارات القمم العربية المتتالية التي أكدت مرارا على الحقوق الثابتة للشعب
الفلسطيني خاصة حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني المحتل منذ عام ١٩٦٧
وعاصمتها القدس العربية؟ وهل سأل نفسه: أي نظام عربي هذا الذي يقبل أن يقف في خندق
واحد مع الاحتلال الإسرائيلي وحليفته أميركا للعمل ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية؟
وربما من الأجدر بغرينبلات العودة على الأقل لقرارات القمم العربية الأخيرة
وقرارات الجامعة العربية واجتماعات وزراء الخارجية.
المفارقة
السخيفة الأخرى التي تحدث عنها غزينبلات تتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين،
ومحاولة إدارته شطبها، فهل يعتقد غرينبلات حقا أن من حقه قلب القانون الدولي رأسا
على عقب وشطب قضية بهذا الحجم أجمعت عليها كل المحافل والقرارات الدولية؟ وهل
يعتقد أن حق أي لاجىء في العودة إلى وطنه قابل للمساومة التصرف؟ وهل حقا كما يزعم
يجب إنهاء عمل الأونروا لأن الكثير من اللاجئين الفلسطينيين اليوم هم من مواليد
البلاد التي لجأ آباؤهم وأجدادهم إليها؟ في تناقض واضح مع القانون الدولي وتعريفه
للاجئ. ثم ألم يسأل غرينبلات نفسه لماذا لم تعمل بلاده طوال العقود الماضية على
إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين؟!
وفوق
كل ذلك تأتي المفارقة الأكثر سخفا من مسؤولين أميركيين يحرضون بشكل سافر ضد الرئيس
الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني، الرئيس محمود عباس، الذي يشهد له العالم أجمع
بأنه رجل سلام وأنه عمل كل ما بوسعه من أجل التوصل إلى حل سلمي عادل للقضية
الفلسطينية، باتهامه بأنه لا يريد مفاوضات سلام في الوقت الذي كان من الأجدر فيه بهؤلاء
المسؤولين أن يسألوا أنفسهم كيف يجرؤ رئيسهم ترامب على حسم قضايا الحل النهائي
المنصوص عليها في اتفاقيات تم توقيعها في ساحة البيت الأبيض، بما فيها القدس
واللاجئين، لصالح الاحتلال، ثم يأتي بإملاءات ولسان حاله يقول: هذا ما لدينا
وعليكم القبول! فهل هذه هي مفاوضات السلام التي تعارف عليها المجتمع الدولي؟ ألم
يسألوا أنفسهم: كيف يجرؤ ترامب على شطب خطة خريطة الطريق التي وافقت عليها
الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا وروسيا بشأن حل الدولتين؟ وكيف يتجرأ على
شطب حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره بموجب قرارات الأمم المتحدة؟
في
المحصلة، من المؤسف أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى مثل هذه الأساليب في محاولة
لقمع تطلع الشعب الفلسطيني وقيادته للحرية والاستقلال، وهي أساليب ثبت في الماضي
كما سيثبت اليوم فشلها في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة