Adbox

«القدس العربي»: يواجه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، وعددهم يقدر بـ 6500 أسير، شتى أنواع التعذيب والمعاناة، على أيدي فرق متخصصة في إسرائيل، فمن العزل الانفرادي إلى التعذيب الجسدي إلى سياسة الإهمال الطبي، وليس انتهاء بمنع الزيارات، يقضي هؤلاء سنوات من أعمارهم، خلف قضبان حديدية وفي غرف تفتقد لأي مقومات للحياة، ينظرون إلى اليوم الذي يفيق فيه المجتمع الدولي ويلتفت إليهم لإنهاء أزمتهم، التي تفاقمت بزيادة وتيرة الاعتقالات منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراته ضد مدينة القدس.
ففي تلك السجون وعددها يفوق 20 معتقلا، يقبع أيضا مئات الأطفال الذين يعاملون معاملة قاسية جدا، يفتقدون فيها لحنان الأسرة، فاستبدلوا قسرا مقاعد الدراسة بجدران مرتفعة وبوابات حديدية وقرارات قمعية لا تنتهي بتعريضهم للتعذيب، بل وصلت إلى حد «التحرش اللفظي» كما حدث مع الأسيرة الطفلة عهد التميمي.
كذلك تضع السجون الإسرائيلية خلف تلك الجدران والقضبان الحديدية العديد من النساء، اللواتي فرقن قسرا عن أطفالهن وأسرهن، بعضهن يعانين من أمراض مزمنة وخطيرة، وجميعهن كما باقي الأسرى يعانين من التعذيب وعمليات التفتيش المستمر، وعذابات أخرى خلال حركة النقل من السجون إلى المحاكم.

سياسة للقتل البطيء
في السجون الإسرائيلية تبرز مشكلة كبيرة تهدد حياة الأسرى، وتتمثل في استمرار اتباع سلطاتها سياسة «الإهمال الطبي» المتعمد، فهناك المئات من الأسرى يعانون من أمراض مزمنة خطيرة، ويحتاجون إلى علاجات فورية ومن بينها تدخلات جراحية، غير أنهم لا يلقون آذانا صاغية ولا تحركات دولية تجبر إسرائيل على الالتزام بالمعاهدات الدولية الخاصة برعاية الأسرى.
خلال الأيام الماضية واستعدادا لإحياء «يوم الأسير الفلسطيني» الذي يصادف 17 نيسان/أبريل من كل عام، صدرت العديد من التقارير والدراسات الخاصة بالأسرى، وجميعها تناولت المأساة الحقيقية التي يعيشها هؤلاء في غيابات السجن.
ففي دراسة إحصائية أعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ذكرت أن هناك 1467 طفلا من بين 6742 فلسطينيا اعتقلوا العام من قبل إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وذكر التقرير أن هؤلاء الأطفال شكلوا ما نسبته 21.8 في المئة من مجموع المعتقلين، حيث ما زال منهم نحو 350 طفلاً رهن الاعتقال ومحرومين من طفولتهم، بما فيه مواصلة دراستهم، علاوة على تعرضهم للانتهاكات أثناء الاعتقال.

الطفولة في عتمة الزنازين
ويقول عبد الناصر فروانة رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أن سلطات الاحتلال «لم ترحم الطفولة الفلسطينية من إجراءاتها التعسفية». وفي استعراض لواقع الاعتقال، قال انه منذ اندلاع «انتفاضة القدس» في الأول من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، سجل اعتقال نحو 4737 حالة لأطفال فلسطينيين تتراوح أعمارهم بين 11-18 عاما، ذكورا وإناثا، حيث لا تزال إسرائيل تعتقل ثماني فتيات قاصرات، بالإضافة إلى وجود المئات من المعتقلين الذين اعتقلوا وهم أطفال، واجتازوا سن الثامنة عشرة وما زالوا في السجن.
وأوضح، أن سلطات الاحتلال توسعت في «الاعتقالات التعسفية» للأطفال الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، وتصاعدت باضطراد مؤخرا.
وقد تطرق تقرير جديد لهيئة الأسرى إلى نقل شهادات لأطفال أكدوا تعرضهم خلال الاعتقال للتعذيب الجسدي والنفسي، وحرمانهم من قبل الاحتلال من أبسط الحقوق الإنسانية، وأن الاعترافات التي انتزعت منهم كانت «تحت وطأة التعذيب» حيث شكلت أدلة ادانة لإصدار الأحكام الجائرة بحقهم من قبل المحاكم العسكرية.
وكشف الشريط المصور الذي حصلت عليه محامية الطفلة الأسيرة عهد التميمي، عملية التحقيق معها من قبل رجال المخابرات الإسرائيلية، وتعرضها للتعنيف وإلى «التحرش اللفظي» وهو ما يفتح الباب أمام المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها الأطفال من الأسرى على أيدي رجال أمن مدربين على هذه الأساليب جيدا.
وتحضيرا لبدء فعاليات إحياء «يوم الأسير» دعا عيسى قراقع رئيس هيئة الأسرى في تصريح صحافي إلى «حشد كل الطاقات الإعلامية والجماهيرية والقانونية والسياسية لمناصرة الأسرى» وأشار إلى أهمية المناسبة خاصة لهذا العام في إحياء «يوم الأسير» كرد على الهجمة الإسرائيلية الواسعة، التي تقوم على التحريض على الأسرى وحقوقهم من قبل المستوى السياسي الإسرائيلي والكنيست، ودعا لاعتبار «يوم الأسير» يوما لـ»الدفاع عن حق الأسرى بالحرية والكرامة، بصفتهم أسرى حرية» وطالب المسؤول الفلسطيني المجتمع الدولي ومؤسساته بـ «التحرك» لإلزام إسرائيل احترام قواعد وأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية في التعامل مع الأسرى، موضحا أن أوضاع الأسرى «تزداد صعوبة وقساوة».

أبشع الجرائم والانتهاكات
وفي أحدث تقرير تناول أوضاع الأسرى بلغة الأرقام، وصدر عن هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، ذكر أن إسرائيل تمارس «أبشع الجرائم والانتهاكات» بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها وتستهدف مكانتهم القانونية.
وذكر التقرير أن السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، هو «اليوم الوطني والعالمي لنصرة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني، باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974، خلال دورته العادية، وفاء لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة وتضحياتهم، وللأسرى القابعين في المعتقلات الإسرائيلية، واعتباره يوما لتوحيد الجهود والفعاليات لنصرتهم ودعم حقهم المشروع بالحرية».
وأوضح التقرير أنه منذ أن تم اقراره من قبل المجلس الوطني كان وما يزال «يوم الأسير الفلسطيني» يوماً ساطعاً يحيه الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات ويشاركه في احيائه أحرار العالم في العديد من العواصم العربية والأوروبية.
التقرير الجديد أشار إلى أن تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية بدأ مع بدايات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948 وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهجت الاعتقالات كـ «سياسة ومنهج وأداة للقمع والسيطرة» على الشعب الفلسطيني وبث الرعب والخوف لدى كل الفلسطينيين، وأن الاعتقالات أصبحت جزءا أساسيا وثابتا من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين وغدت ظاهرة يومية مقلقة، ووسيلة للعقاب الجماعي، حيث لا يمر يوم إلا ويُسجل فيها حالات اعتقال، ويُقدر عدد حالات الاعتقال على مدار سنين الاحتلال بنحو مليون حالة.
وبين التقرير أن نحو مليون فلسطيني مرّوا بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، الذي احتلت فيه إسرائيل باقي المناطق الفلسطينية.

أرقام مؤلمة
ووفق الإحصائية التي عرضها التقرير، فقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي مع أواخر اذار/مارس 2018 نحو 6500 أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 350 طفلا، و 62 أسيرة بينهن 21 أما، و8 قاصرات و6 نواب، و500 معتقل إداري، و1800 مريض بينهم 700 بحاجة إلى تدخل علاجي عاجل، و48 أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة بشكل متواصل، و25 أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، و12 أسيرا من أولئك قد مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاما وأقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس وهما معتقلان منذ 35 عاما. وتوضح الإحصائية أن هناك أيضا 29 أسيرا معتقلين منذ ما قبل «اتفاقية أوسلو» وهؤلاء ممن كان يفترض إطلاق سراحهم ضمن الدفعة الرابعة في اذار/مارس عام 2014 إلا أن الحكومة الإسرائيلية تنصلت من الاتفاقيات وأبقتهم رهائن في سجونها.
ولم يغفل التقرير اولئك الأسرى الذين قضوا في سجون الاحتلال، فأشار إلى استشهاد 214 أسيرا، منذ العام 1967 بينهم 72 شهيدا سقطوا بسبب التعذيب على يد المحققين في أقبية التحقيق، و60 سقطوا بسبب الإهمال الطبي، 7 أسرى استشهدوا بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من قبل الجنود والحراس، 75 أسيرا استشهدوا نتيجة القتل العمد والتصفية المباشرة والاعدام الميداني بعد الاعتقال مباشرة.

اجماع إسرائيلي على التعذيب
هذا وتؤكد المؤسسات التي تعنى بأوضاع الأسرى، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية، صادرت كافة حقوق الأسرى الإنسانية والتي كفلتها لهم الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وفـرضت عليهم داخل السجن حياة لا تطاق في تحد صارخ للقانون الدولي.
وتؤكد هذه المؤسسات أن سلطات الاحتلال تلجأ إلى التنكيل والضرب والتعذيب والعزل الانفرادي، إلى فرض التفتيش العاري والحرمان من التعليم، واستخدام القوة المفرطة وفرض الغرامات المالية.
وفي هذا السياق أكد مدير مركز الأسرى للدراسات الدكتور رأفت حمدونة، أن سلطات الاحتلال ترتكب عشرات الانتهاكات بحق المعتقلين من ضمنها استخدام القوة والاحتجاز في أماكن لا تليق بهم.
وتحدث عن حالة الاجماع الإسرائيلي في كل أركان منظومة تل أبيب سواء القضائية أو التشريعية أو الذراع التنفيذي المتمثل في إدارة مصلحة السجون وكل قوى وأحزاب الائتلاف الحكومي، على إيذاء الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بعيداً عن الاتفاقيات والمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وقد ظهر ذلك من القوانين التي قدمت لإقرارها مؤخرا من قبل الكنيست، والتي تدعو لتشديد الاعتقال، وإلى فرض عقوبة «الإعدام» على المعتقلين الفلسطينيين.
يشار إلى أنه بسبب هذه الممارسات الإسرائيلية، لجأ الكثير من الأسرى إلى خوض إضرابات طويلة عن الطعام، امتد بعضها لأكثر من أربعة أشهر متتالية، حرص الأسرى الذين خاضوها وعرضوا حياتهم للخطر إلى كسر القيود الإسرائيلية وتنسم الحرية، وكان للغالبية العظمى ما يردون، وقد تجسد ذلك في إضرابات خاضها الأسير خضر عدنان وسامر العيساوي وجعفر عز الدين وثائر حلاحلة، ومحمود السكسك.
وفي هذا السباق ما زال هناك أربعة أسرى حاليا في سجون الاحتلال يخوضون إضرابا عن الطعام، بعضهم بدأه منذ شهر، رفضا لظروف اعتقالهم السيئة، خاصة وأن من بينهم أسرى إداريون.

الإداريون عذابات أخرى
وما زال الأسرى الإداريون وعددهم 450 يواصلون احتجاجاتهم على طريقة اعتقالهم التي تفتقد لأي لائحة اتهام، من خلال رفض المثول أمام المحاكم منذ يوم 15 من الشهر الماضي، حيث قرر هؤلاء تصعيد خطواتهم ضد سياسة اعتقالهم التعسفي، تزامنا مع انطلاق فعاليات يوم الأسير.
ومن المقرر أن يقوم هؤلاء إضافة إلى مقاطعة المحاكم، البدء في مقاطعة كافة عيادات السجون والمعتقلات، حيث سيمتنعون عن تناول الأدوية والعلاجات ابتداء من يوم 12 من الشهر الجاري، حيث تقرر أن يكون التصعيد أيضا دخول المعتقلين الإداريين، اضرابا مفتوحا عن الطعام على شكل دفعات، تبدأ أولها منتصف هذا الشهر.
وتشير الاحصائيات الفلسطينية إلى أن سلطات الاحتلال أصدرت منذ عام 1967 أكثر من 52 ألف أمر اعتقال إداري ما بين قرار جديد وتجديد اعتقال، منها 1119 قرارا صدرت العام الماضي.
والاعتقال الإداري يكون من خلال زج أسرى محددين في السجون «دون تهمة محددة ودون محاكمة» ويحرم المعتقل ومحاميه من معرفة أسباب الاعتقال، حيث تتذرع إسرائيل بـ «سرية الملف» وتتراوح مدة الاعتقال من شهر إلى ستة أشهر، قابلة للتجديد دون تحديد عدد مرات التجديد، وتصدر بأمر من قائد عسكري إسرائيلي.
أحدث أقدم