وفا-
تهجير صامت... عنوان ما يجري في المناطق الفلسطينية المصنفة "ج" في
الضفة الغربية، حيث يتم الاستيلاء على آلاف الدونمات لصالح الاستيطان، فالمستوطن
الواحد يستولى على آلاف الدونمات لزراعتها، كما يجري في مستوطنة "دوليف"
المقامة غرب مدينة رام الله.
محمد
أحمد مزارع من قرية عين قينيا القريبة من المستوطنة المذكورة، يقول: "إن
المستوطنين سيطروا على مساحات كبيرة من أراضي القرى الواقعة في محيط
"دوليف" وقاموا بزراعة الأرض بعد إحاطتها بأسلاك شائكة وجميعها من
الأراضي المصنفة "ج".
ويضيف
المزارع أن "المستوطنين الذين سيطروا على الأراضي الزراعية هم بضعة أشخاص
يعملون بحماية جيش الاحتلال، وشركات أمن خاصة تابعة للاحتلال، كما سيطروا على مياه
العيون أيضا".
وحال
محمد لا يختلف كثيرا عن حال المزارع علي زبيدات، الذي كان حتى وقت قريب يرعى
أغنامه في مئات الدونمات حيث يقطن في قرية الزيبدات بالأغوار.
يقول
محمد، إن "الاحتلال خفض كميات المياه الممنوحة للقرية، بالتزامن مع منع
المزارعين من الرعي في كثير من الأراضي تحت حجج وذرائع أمنية واهية، ودفع عشرات
البدو الرحل للتواجد في محيط القرية عوضا عن انتشارهم في مناطق شاسعة".
ويضيف
"أصبحت المراعي قليلة وبات من النادر الرعي، لذا أصبحنا نعتمد على تربية
الأغنام داخل القرية وإطعامها أعلافا باهظة الثمن، ما تسبب في نقص عدد رؤوس
المواشي بشكل كبير".
وأشارت
النتائج الأولية التي صدرت الأسبوع الماضي عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في
التعداد العام الثالث للسكان والمساكن والمنشآت، إلى أن إجمالي عدد السكان في
مناطق (ج) بلغ 393.163 نسمة، ويعيش قرابة مليون و973 ألف مواطن بجوار المستوطنات
والجدار.
وفي
سياق متصل، أكد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة
"بتسيلم"، أن الاحتلال يمارس جريمة تتمثل بتهجير نحو 200 تجمع سكاني
للمواطنين الفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج".
وقال
المركز في بيان له، إن "هذه ليست مسألة نظريّة، بل إنّها أحداث تقع الآن وكلّ
يوم في كافة أنحاء الضفة الغربية المحتلة، حيث تحاول إسرائيل تهجير آلاف
الفلسطينيين من نحو مئتي تجمّع سكّاني فلسطيني بتلك المناطق، وهي تجمّعات يعتاش
سكّانها على تربية الأغنام والزراعة".
وأضاف
أن العشرات من هذه التجمعات يتهددها خطر التهجير الفوريّ، وأخرى تعاني درجات
متفاوتة من التجبّر والعُنف والسّلب والنهب.
واعتبر
البيان أن تهجير السكّان المحميّين من منازلهم جريمة، "ولا فرق كيف تفعل
السلطات الإسرائيلية ذلك: باستخدام القوّة المادّية ضدّ السكّان أم بإرغامهم على
مغادرة منازلهم، وكأنّما بإرادة منهم في أعقاب جعل حياتهم جحيمًا لا يطاق، هكذا أو
هكذا، النقل القسريّ محظور ويشكّل جريمة حرب".
وأوضح
أن هذه هي الاستراتيجيّة التي تتّبعها "إسرائيل"، إنّها تمنع بناء
المنازل أو المباني العامّة، وتمنع الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والطرق
المعبّدة.
وأشار
إلى أنه في بعض التجمّعات هدمت "إسرائيل" منازل السكّان ومرافق أقاموها
بأنفسهم، بما في ذلك الألواح الشمسيّة لإنتاج الكهرباء وآبار المياه والطرق، وفي
بعضها يُجري جيش الاحتلال تدريبات عسكريّة في مراعي السكّان وأراضيهم الزراعيّة أو
حتّى بين منازلهم.
وتابع
مركز المعلومات الإسرائيلي أنّه" عنف منظّم ومتواصل تمارسه سلطات الاحتلال
سعيًا إلى تقليص الوجود الفلسطيني في أنحاء الضفة إلى الحدّ الأدنى الممكن وسلب
السكان أراضيهم وممتلكاتهم".
وأشار
إلى أن "إسرائيل" تُركّز مساعيها في ثلاث مناطق بالضفة الغربية، وهي
جنوبيّ جبال الخليل، حيث يسكن في هذه المنطقة نحو ألف شخص ونصفهم تقريبًا قاصرون،
كان الاحتلال قد هجر في نهاية عام 1999 سكانًا من المنطقة بحجّة إعلانها منذ
الثمانينيّات "مناطق إطلاق نار".
وثانيًا
منطقة "معاليه أدوميم"، حيث هجرت "الإدارة المدنية" التابعة
للاحتلال في الثمانينيّات والتسعينيّات مئات البدو من عشيرة الجهالين من مناطق
سكناهم لأجل إقامة مستوطنة "معاليه أدوميم"، ومن ثمّ لأجل توسيعها نُقل
السكّان إلى منطقة سكن ثابت أقيمت لأجلهم قرب "أبو ديس"، وفقدوا مع
نقلهم إمكانية الوصول إلى مراعي قطعانهم.
وبحسب
"بتسيلم"، فإن ما يقارب 1440 منهم يسكنون في أراضٍ صُنفت ضمن مناطق
"E1" التي تُعدّها "إسرائيل"
لتتوسّع فيها مستوطنة "معاليه أدوميم" مستقبلًا، بحيث ينشأ تواصلا
جغرافيّا بين المستوطنة ومدينة القدس.
وثالثًا،
منطقة الأغوار: يسكن فيها نحو 2700 شخص في قرابة 20 تجمّع رعويّ، أعلن جيش
الاحتلال المساحات السكنيّة في كثير من هذه التجمّعات "مناطق إطلاق
نار"، ويجري تدريبات عسكرية في جوارها؛ وفي بعض الأحيان يطالب السكّان مرارًا
وتكرارًا بإخلاء منازلهم لكي يجري هو تدريباته.
من
جانبه، قال رئيس الهيئة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عساف،
"إن الاحتلال تعلن المناطق "ج" أراضي دولة وتمنع التصرف بها، ونحن
نساعد كل مواطن يرغب في زراعة أرضه ويريد خلق أمر واقع فيها، بالإضافة إلى مقاومة
التهجير القصري الذي يجري فرضه من الاحتلال في المناطق الشرقية والأغوار، ويتم
بناء كل ما يجري هدمه من قبل الاحتلال هناك".
وأضاف
"أن الاحتلال يسعى إلى تنفيذ ضم الضفة الغربية عبر ضم المناطق "ج"،
وحاول الاحتلال قبل أكثر من عام على منظومة منح التصاريح للفلسطينيين القاطنين خلف
الجدار، حيث حصل أبناء شعبنا على قرار من محكمة الاحتلال العليا يقضي بالسماح لهم
بالدخول إلى أرضهم الزراعية، واليوم تحاول سلطات الاحتلال الالتفاف على هذا القرار
لقضم المزيد من الأراضي من مناطق "ج".
وقال:
"نحن نقوم بتنفيذ خطة لمواجهة سعي الاحتلال للسيطرة على مناطق "ج"
عبر عدة آليات، الأولى المقاومة الشعبية السلمية التي نجحت في إزالة عدد من البؤر
الاستيطانية في بيتا واللبن الشرقية بنابلس وفي تياسير قرب طوباس، كما نجحت في وقف
توسيع عدد من المستوطنات كما جرى في المزرعة الغربية".
وأضاف
عساف، "يوجد آلية أخرى تتمثل في تعزيز صمود المواطنين في المناطق
"ج"، وكذلك توفير الحماية القانونية عبر الدفاع عن الأراضي من قبل هيئة
شؤون الجدار في الجهات المختصة".
إلى
ذلك، قال الخبير القانون الدولي شعوان جبارين، "إن مناطق "ج" هي
أراضي دولة وتعود للشعب الفلسطيني، والاحتلال استخدمها لبناء المستوطنات، وهذه
جريمة وانتهاك لحقوق الإنسان، فإسرائيل لا يحق لها استخدام الموارد الطبيعية في
هذه المناطق".
وأضاف
جبارين أن الجدار جاء لخدمة السياسات الإسرائيلية المتمثلة في الاستيطان وبالتالي
ضم الأراضي المحتلة، وتحديدا الأجزاء الواقعة خلف جدار الضم وفي المناطق
"ج". وقال: "إن الاحتلال يخرق القانون الدولي ويرتكب جرائم بحق
الأرض الفلسطينية عبر مصادرة الأراضي.
وتسعى
إسرائيل أيضا إضافة للسيطرة على الأراضي في المناطقة المصنفة ج"، إلى نشر
المزيد من المستوطنين في مختلف أرجاء الضفة الغربية، وتشير آخر الإحصائيات
الإسرائيلية إلى وجود قرابة 820 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وقال
مدير معهد أريج للأبحاث التطبيقية جاد إسحق، "إن إسرائيل استطاعت خلق كتل
استيطانية تبلغ مساحتها 45% من الضفة الغربية من خلال المستوطنات، وعددها 290،
إضافة إلى 232 بؤرة استيطانية وضعت على رؤوس الجبال لتجمع الكتل الاستيطانية
الكبيرة بعضها مع بعض، حتى أصبح عدد المستوطنين يراوح 820 ألف مستوطن في أراضي
الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية".
وتحدث
إسحق عن كثافة سكانية مخفضة في المستوطنات، حيث سيطر المستوطنون ودولتهم على أراضي
شاسعة من خلال المناطق العسكرية، والمحميات الطبيعية، والمناطق الأمنية، ومناطق
التدريب، وأراضي الدولة، وجلها في مناطق "ج"، وأصبحت مساحة المستوطنات
تشكل قرابة 45% من مساحة الضفة.