Adbox

جريدة القدس - حديث القدس / في المقال الذي نشره جيسون غرينبلات، الممثل الخاص الاميركي للمفاوضات الدولية ومبعوث الرئيس الاميركي للشرق الاوسط، امس اختزل قضية شعبنا بأسره بمجموعة من «المشاريع الجاهزة للتنفيذ» لتحسين الحياة في قطاع غزة الذي يتعرض لحصار اسرائيلي جائر منذ سنوات طويلة، محملا الجانب الفلسطيني المسؤولية عن الاوضاع المأساوية في الاراضي المحتلة، بسبب الاحتلال واجراءاته، وداعيا القيادة الفلسطينية الى ما اسماه «توفير البيئة المناسبة للسلام» معتبرا ان نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس التي اعتبرها عاصمة اسرائيل "وفر اساسا واقعيا للمفاوضات" رغم ان هذا القرار الذي ادانته الغالبية الساحقة من دول وشعوب العالم مناقضا للشرعية الدولية، وقراراتها سواء قرارات الجمعية العامة أو مجلس الامن التي تعتبر القدس العربية المحتلة، جزءا لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه المغالطات وغيرها التي تضمنها مقال غرينبلات بما في ذلك محاولته تحميل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن الاوضاع المأساوية التي فرضها الاحتلال، إنما يؤكد مجددا انحياز الادارة الاميركية وغرينبلات شخصيا وكذا السفير الاميركي المتطرف ديفيد فريدمان الداعم للاستيطان غير الشرعي، انحيازها للاحتلال الاسرائيلي غير الشرعي للاراضي الفلسطينية.
السؤال الذي نطرحه على غرنيبلات هو: أين كنت عندما قتل قناص اسرائيلي بدم بارد مؤخرا المسعفة الشهيدة رزان النجار؟ وأين كنت عندما قتل قناص آخر مثل ذلك مقعدا على كرسي عجلات على حدود القطاع؟وأين كنت عندما سقط اكثر من ١٤٠ مدنيا فلسطينيا وجرح الالاف بينهم نساء واطفال لم يحملوا سلاحا بنيران القناصة والجنود الاسرائيليين رغم حقهم في الاحتجاج على الظروف المأساوية التي فرضها الاحتلال على قطاع غزة؟
البيئة المناسبة للسلام لا يتم توفيرها من خلال قيام الولايات المتحدة التي يتحدث غرينبلات باسمها بالدوس على قرارات الشرعية الدولية وتجاهل الارادة الدولية كما فعل ترامب عندما اعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل وحاول تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بالتضييق على وكالة «الاونروا». ويجدر بغرينبلات ان يقرأ التاريخ جيدا وان يعود الى قرارات الشرعية الدولية كي يدرك ان المسجد الاقصى المبارك الذي سماه «جبل الهيكل» وتدارك قائلا: «المعروف بالحرم الشريف» انما هو مكان اسلامي مقدس خالص لاصلة لليهود فيه كما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية- الامم المتحدة وقبلها عصبة الامم.
الغريب العجيب ان غرينبلات يتجاهل تماما الانتهاكات الاسرائيلية اليومية في الاراضي المحتلة سواء مصادرات لاراضي او الاستيطان غير الشرعي او جرائم المستوطنين او حملات الدهم والاعتقال الاسرائيلية او التطهير العرقي في القدس في اطار محاولات اسرائيل تهويد المدينة المقدسة، وكذا هدم المنازل الفلسطينية ودعوات وزراء في الحكومة الاسرائيلية لضم الاراضي المحتلة خاصة المنطقة «ج»، والحصار الجائر المفروض على قطاع غزة وكل هذه الممارسات وغيرها هي التي دمرت البيئة المناسبة للسلام والتي لم نسمع غرينبلات او غيره من المسؤولين الاميركيين يوجهون حتى انتقادا بشأنها للاحتلال الاسرائيلي، بل ان الادارة التي ينتمي اليها غرينبلات هي التي وقفت مدافعا عن انتهاكات الاحتلال الجسيمة في مواجهة المجتمع الدولي بأسره لتقف الولايات المتحدة الاميركية معزولة الى جانب حليفتها اسرائيل في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة ولتستخدم «الفيتو» اكثر من مرة لحماية هذا الاحتلال البشع وانتهاكاته.
الشعب الفلسطيني وقيادته ليسا بحاجة الى مواعظ غرينبلات ولا الى دولاراته وعليه ان يدرك ان كافة المشاريع التي يتحدث عنها لا تساوي ظفر شهيد فلسطيني سقط برصاص الاحتلال وان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يقايض حقوقه الوطنية المشروعة بالتحرر والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق اللاجئين في العودة والتعويض، لا يمكن ان يقايضها بكل اموال اميركا ومشاريعها.
وكان من الاجدر بغرينبلات بدل مهاجمة القيادة الفلسطينية التي اثبتت للعالم اجمع مصداقية توجهها للسلام العادل والدائم والشامل ان يوجه سهامه للاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته الجسيمة، وان يطلب من اسرائيل وقف استيطانها وجرائم مستوطنيها ووقف استخدام الاسلحة الاميركية في قمع المحتجين السلميين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة واحترام الشرعية الدولية حتى يمكن بناء البيئة المناسبة للسلام
واخيرا نقول ان محاولة غرينبلات مهاجمة شخصيات بعينها في السلطة الوطنية والايحاء وكأن مواقف فلسطينيين التقاهم هي غير المواقف الوطنية لشعبنا، انما هي محاولة يائسة لن يكتب لها النجاح، فالكل الوطني جماهير وقيادة وفصائل وطنية ترفض بشدة هذه المواقف الاميركية المنحازة للاحتلال، وهي ليست موقف شخصية بعينها بقدر ما هي موقف الاجماع الوطني الذي عبرت عنه قرارات الشرعية الفلسطينية سواء في السلطة الوطنية أو منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.

أحدث أقدم