جريدة
القدس - حديث القدس/ القرار الذي اتخذته الحكومة أمس بتوجيه من الرئيس محمود عباس
بسد العجز المالي لمستشفيات القدس المحتلة، إثر القرار الأميركي باقتطاع ٢٠ مليون
دولار كان الكونغرس قد أقر تقديمها لهذه المستشفيات، والتأكيد أن القيادة
الفلسطينية ممثلة بالرئيس أبو مازن ورئيس الحكومة د. رامي الحمدالله لن تسمح أبدا
بضرب مستشفيات القدس، التي تعتبر أيقونة للصمود الفلسطيني، هذا القرار يشكل
بالتأكيد أحد الردود المهمة على سلسلة القرارات العدائية لشعبنا التي اتخذتها
إدارة ترامب، سواء فيما يتعلق بالقدس المحتلة أو مستشفياتها أو قضية اللاجئين أو
حل الدولتين. كما يشكل هذا القرار تأكيدا فلسطينيا جديدا بأن القدس تخطى بأولوية
قصوى لدى شعبنا وقيادته، وأن مستشفياتها جزء لا يتجزأ من المنظومة الصحية
الفلسطينية، بل إن هذه المستشفيات قدمت نموذجا وطنيا رائعا في تقديم خدماتها
لأبناء شعبنا من مختلف المحافظات رغم الأزمة الخانقة التي تمر بها قبل القرار
الاميركي.
ومما
لا شك فيه أن شعبنا وقيادته لن يخضعا للضغوط المالية أو السياسية التي تمارسها
إدارة ترامب للتنازل عن الحقوق الوطنية المشروعة وضرب الحلم الفلسطيني المشروع
بالحرية والاستقلال وتصفية القضية برمتها بعد أن أسقطت هذه الإدارة الأميركية
القناع عن وجهها ليتضح مدى بشاعة مواقفها المنسجمة تماما مع الصهيونية وأطماع
اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ومما
لا شك فيه أيضا أن الجانب الفلسطيني ما زال يمتلك الكثير من أوراق الرد على هذه
الإدارة الأميركية بعد الرفض القاطع لما يسمى «صفقة القرن» ومقاطعة هذه الإدارة،
باعتبار أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا في عملية السلام بعد هذا الانحياز
السافر للاحتلال وهذا العداء لشعبنا وحقوقه، وبعد رفض القيادة الفلسطينية وكل
فصائل العمل الوطني والرفض الشعبي لمقايضة أي من حقوقنا المشروعة بكل أموال
أميركا. وهنا لا بد من الاشارة إلى انه إذا كانت عقلية رجال العقارات في الإدارة
الأميركية، بدءا بترامب وصولا إلى أعضاء طاقمه للشرق الأوسط، لا تفكر إلا بلغة
المصالح التجارية والربح والخسارة، فمن الجدير بهذه الإدارة الأميركية أن تدرك أن
حقوق الشعوب ومصائرها وحريتها واستقلالها لا يمكن أن تباع بكل أموال الدنيا، ولا
يمكن التنازل عنها تحت أي ضغط مالي أو عسكري أو سياسي.
وإذا
كانت أميركا تسمح لنفسها بفرض العقوبات والمقاطعة الاقتصادية بالجملة على كل من
يخالف سياستها المناقضة للشرعية الدولية وقوانينها، فإن من حق الشعوب كافة بما في
ذلك الشعب الفلسطيني أن يفرض المقاطعة وأية عقوبات ممكنة على هذه الإدارة الظالمة
التي تستخف بالشرعية الدولية وبحقوق شعبنا ومصيره.
كما
يجب أن تدرك هذه الإدارة الأميركية الظالمة أن الشعوب العربية والإسلامية، بما
فيها شعبنا الفلسطيني، قادرة أيضا على فرض عقوبات المقاطعة الاقتصادية والسياسية
والدبلوماسية ردا على هذا الاستخفاف الأميركي بالأمتين العربية والإسلامية، وهي
اللغة التي يبدو أن ترامب وإدارته يفهمانها بعد أن تجاهلا كل الردود العربية
والإسلامية السياسية والدبلوماسية الرافضة لمواقف ترامب المنحازة للاحتلال
الإسرائيلي.
وإذا
كان ترامب وإدارته فضلا الانعزال في خندق واحد مع الاحتلال، معتقدين أو واهمين أن
جبروت المال والقوة يمكن أن يخضع شعبنا وقيادته، فان عليهما أن يتذكرا أن العالم
بأغلبية شعوبه ودوله الساحقة، يرفض هذه المواقف الأميركية ويقف إلى جانب الحق
والعدل والشرعية الدولية، وأن الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة التي جرها ترامب
وطاقمه الموالين للصهيونية إلى منحدر الدروس على الشرعية الدولية، وضرب حقوق
الإنسان ومبادئ العدل والحرية عرض الحائط.