جريدة
القدس - حديث القدس / كشفت وسائل الإعلام الاسرائيلية امس النقاب عن مشروع
استيطاني ضخم بتكلفة مائتي مليون شيكل في البلدة القديمة المحتلة بالقدس بدعوى
تطوير الحي اليهودي، فيما تشي كافة تفاصيل المشروع إلى أن الهدف هو تهويد البلدة
القديمة استنادا إلى ادعاءات كاذبة، وذلك غداة الكشف عن إنشاء مدينة استيطانية
للمتدينين اليهود شمال الضفة الغربية المحتلة وسط دعوة علنية لوزيرة القضاء
الاسرائيلية للسيطرة على مناطق «ج» في الضفة وفرض السيادة الاسرائيلية عليها، وأمس
أيضا قرر الاحتلال الإسرائيلي السطو على حوالي مائة وأربعين مليون دولار من المستحقات
الضريبية التي يفترض بإسرائيل تحويلها للسلطة الوطنية بدعوى أن هذا المبلغ يعادل
ما دفعته السلطة لأهالي الشهداء والأسرى العام الماضي، وهو ما يعني بوضوح ان هذا
الاحتلال الإسرائيلي يشن حربا شعواء على السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني وحقوقه
ويصعّد ممارساته التي تجاوزت الخطوط الحمراء منذ وقت طويل. والسؤال الذي يطرح بهذا
الشأن: ما الذي يريده هذا الاحتلال حقا؟! والى متى يمكن أن يبقى المجتمع الدولي
صامتا إزاء هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير.
إن
ما يجب أن يقال هنا أولا أن تصعيد الاحتلال في سرقة الأراضي الفلسطينية وتوسيع
الاستيطان والمضي قدما في تهويد المدينة المقدسة وسرقة الأموال الفلسطينية تحت
ذرائع واهية إنما يعني أن هذه الحكومة الاسرائيلية غير معنية بالسلام والأمن
والاستقرار في هذه المنطقة من العالم وان كل ما يعنيها هو تصفية القضية الفلسطينية
ومزيد من تعميق وترسيخ الاحتلال والاستيطان ونسف كل قرارات الشرعية الدولية
والاتفاقيات الموقعة والدوس على كل القوانين الدولية، وذلك بعكس ما تبجّح به رئيس
وزرائها نتنياهو عند مشاركته في مؤتمر وارسو الذي عقد تحت شعار الأمن والاستقرار
في الشرق الأوسط، عندما تحدث عن «السلام» وعن المخاطر التي تهدد المنطقة حارفا
الأنظار عن الخطر الأكبر الذي تشكله حكومته ونهجها الاستعماري.
وبالتأكيد
فان هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير لن يقابل فلسطينيا بالورود، فالشعب الفلسطيني
وقيادته وكل فصائله لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء استهداف الوجود الوطني
الفلسطيني، ويتجاهل هذا الاحتلال ان شعبنا بكل قواه قادر على الدفاع عن وجوده
وحقوقه وان سعيه لسلام عادل وشامل لا يعني ضعفا بل هو حقن للدماء ودوامة الحروب،
وتخطيء إسرائيل خطأ جسيما إذا ما اعتقدت ان شعبنا سيرفع الراية البيضاء، كما تخطيء
إذا اعتقدت أن أساليب القمع الجديدة القديمة يمكن ان ترهب شعبنا وقيادته أو أن
تمنعه من استمرار النضال العادل نحو الحرية والاستقلال.
كما
أن ما يجب أن يقال لترامب وإدارته ولكل العرب الذين تنادوا للمشاركة في مؤتمر
وارسو تلبية لترامب ونتنياهو أن نتنياهو الذي تحدث عن السلام والتطبيع خدعكم
جميعا، فها هو الخطر الأكبر الذي يجسده الاحتلال بممارساته وتصعيده والذي يهدد
بتفجير الوضع في المنطقة، وهو الخطر الذي كان من الأجدر بالعرب والأوروبيين الذين
شاركوا في مؤتمر وارسو أن يتنبهوا له، لأن الهدف الحقيقي لإسرائيل بقيادة هذا
اليمين المتطرف ليس فقط تصفية القضية الفلسطينية وإنما أيضا الهيمنة على المنطقة
العربية من المحيط إلى الخليج.
وسط
هذه التحديات الجسام يثار مجددا الخلاف الفلسطيني على من يتولى إدارة المعابر في
قطاع غزة، وما حدث أمس بخصوص معبر كرم ابو سالم يشكل نقطة سوداء أخرى في جبين كل
أولئك الذين يصرون على استمرار الانقسام ويتهافتون على فتات المعابر التي يتحكم
بها هذا الاحتلال في الوقت الذي تواجه فيه القضية اكبر خطر منذ نكبة عام ١٩٤٨.
وإذا
كان الفلسطيني متفائلا بطبعه رغم كل الظروف والصعاب فإننا نقول مجددا ان هذا الشعب
العظيم لن يرفع الراية البيضاء ولن يستسلم وسيمضي قدما في نضاله العادل نحو الحرية
والاستقلال رغم جبروت أميركا وجبروت الاحتلال ورغم أنانية وفئوية الانقساميين
الذين للأسف يخدمون بهذه الممارسات وبعرقلة المصالحة مخططات هذا الاحتلال بإضعافهم
الساحة الفلسطينية وبحرفهم الأنظار عن التحديات الحقيقية التي تواجهها.