وفا-
"أي جريمة قتل يرتكبها فلسطيني يمكث في البلاد خلافًا للقانون تعتبر اعتداءً
إرهابيًا بغض النظر عما يقوله أثناء التحقيق معه. وعلى رجال القانون أن يدركوا ذلك
وأن يتم تشريع هذا الأمر"، بهذه الكلمات عقّب ما يسمى بوزير الأمن الداخلي
الإسرائيلي جلعاد أردان على حادثة مقتل مستوطنة، مساء الخميس الماضي، في أحد
الأحراش القريبة من مدينة القدس المحتلة.
وفور
الإعلان عن الحادثة، خرجت وسائل الإعلام العبرية، لتقول إن جميع الدلائل تشير إلى
أن "جريمة القتل تمت على خلفية جنائية"، وروت تفاصيل وقوع الحادثة
والدلائل التي وجدتها الشرطة الإسرائيلية في المكان.
ولكن
سرعان ما تبدّلت الأمور بعد اتهام شاب فلسطيني بارتكاب "الجريمة"،
لتنقلب الرواية في الإعلام العبري إلى أن ما جرى هو "عملية قتل على خلفية
قومية".
وحتى
قبل أن يعلن ما يسمى بــ "جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشباك) مساء الأحد،
أن "جريمة قتل المستوطنة ارتكبت على خلفية تطرف قومي، وأن المتهم الفلسطيني
قام بإعادة تمثيل الجريمة، ولا يزال التحقيق معه مستمرًا"، خرج قادة الاحتلال
بتصريحات تدين ما وصفوه ب"الإرهاب الفلسطيني".
وقال
رئيس دولة الاحتلال رؤوبين ريفلين "إن إسرائيل لن تطأطئ رأسها البتة ولن
تألوَ جهدًا في مكافحة الإرهاب دون هوادة، وستظل الأجهزة الأمنية تلاحق مرتكبي
العمليات الإرهابية ومساعديهم أينما كانوا وحيثما وجدوا وفي كل مكان يختبئون فيه
حتى يلقى القبض عليهم".
ولتكتمل
عناصر المسرحية الإسرائيلية الجديدة، أجرت قوات الاحتلال مسحًا هندسيًا لمنزل
الشاب الفلسطيني المتهم بحادثة القتل استعدادًا لهدمه، في إطار محاولتها تثبيت
رواية أن ما جرى هو "قتل على خلفية قومية".
من
جهته، طالب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون مجلس الأمن "بإدانة
عملية القتل الارهابية التي راحت ضحيتها المستوطنة"، وقال إنه "يتعين
على المنظمة الدولية من الناحيتين الأخلاقية والقيمية إسماع صوت واضح لشجب الجريمة
البربرية، والعمل بحزم ضد ثقافة الإرهاب السائدة في السلطة الفلسطينية والتي تزعزع
الاستقرار في المنطقة وتمس بالأبرياء".
بدوره،
قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "إن ذراع اسرائيل الطولى ستصل الى
كل من يؤذينا وستتم محاسبته". وأضاف: "سيتم حتى نهاية هذا الأسبوع العمل
على تطبيق القانون الذي يقضي بخصم رواتب الإرهابيين من العائدات الضريبية التي
تحول إلى السلطة الفلسطينية".
وفي
السياق ذاته، دعا زعيم حزب اليمين الجديد نفتالي بينيت، نتنياهو الى "وضع
القانون لخصم أموال الإرهابيين من الأموال المنقولة الى السلطة الفلسطينية موضع
التنفيذ حالًا". وقال: "إن قاتل المستوطنة سيحصل خلال أيام معدودة على
راتب شهري من السلطة الفلسطينية مقداره نحو عشرين ألف شيكل".
وقال
الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي إن "سلطات الاحتلال بعد أن
أعلنت في البداية أن المعتقل اعترف بقتل المستوطنة، وأن قتلها كان على خلفية
جنائية، عادت وأعلنت أن قتل المستوطنة نفّذ على خلفية قومية".
وأشار
في حديث لــ"وفا" إلى أن كل هذا تزامن مع حملة ضخمة من قبل مسؤولين
إسرائيليين يمكن وضعها ضمن سياق المزاودات الانتخابية من ناحية، لكنها من ناحية
ثانية تهدف إلى الانتقام من الأسرى الفلسطينيين وأسر الشهداء، عبر الدعوة لإقرار
قانون إعدام الأسرى، وعبر تطبيق الحكومة الإسرائيلية قانونًا أقرته
"الكنيست" العام الماضي ويتيح لها الاستيلاء على أموال من الضرائب
الفلسطينية التي تجبيها اسرائيل بقيمة توازي المخصصات التي تقدمها وزارة المالية
الفلسطينية للأسرى ولأسر الشهداء.
وأضاف:
"لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد أعلن الأحد أن مشروع قانون لقمع الأسرى
بحرمانهم من الكثير مما هو متاح لهم حاليًا، سيوضع قريبًا أمام المجلس الوزاري
المصغر (الكابينت الإسرائيلي) لإقراره بناءً على توصيات من لجنة انشئت خصيصًا
للتضييق على الأسرى وزيادة سوء ظروف اعتقالهم".
وأوضح
البرغوثي بأن "قادة إسرائيل يستغلون مقتل المستوطنة وتحويل الدافع من جنائي
إلى قومي لاستغلال ذلك سياسيًا، داخليًا وخارجيا".
مرة
أخرى، وفي سيناريو متكرر، تحاول حكومة الاحتلال ابتزاز الفلسطينيين باستخدام
عائداتهم الضريبية، والتي تشكّل النصيب الأكبر من الإيرادات العامة، وتصل قيمتها
الشهرية إلى 180 مليون دولار، هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع
والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من إسرائيل أو عبر الموانئ
والمعابر الخاضعة لسيطرتها.
هذا
التهديد، رد عليه الرئيس محمود عباس مرارًا وتكرارًا، وقال بصريح العبارة:
"إننا لن نخصم أو نمنع مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، والأسرى المحررين، كما
يسعى البعض إلى ذلك، ولو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه على عائلات الشهداء
والأسرى".
وأضاف
الرئيس: "نعتبر الشهداء والأسرى كواكب ونجومًا في سماء نضال الشعب الفلسطيني،
ولهم الأولوية في كل شيء...كل التقدير للحركة الأسيرة، التي نعتبرها أنها تعبد
الطريق لاستقلال فلسطين".
من
جانبه، أكد رئيس حكومة تسيير الأعمال رامي الحمد الله، على أننا جاهزون لكافة
السيناريوهات في حال اقتطعت إسرائيل من أموال المقاصة الفلسطينية، مضيفًا، بأننا
عملنا خلال السنوات الأخيرة على ترشيد النفقات وزدنا الإيرادات والناتج المحلي،
لنواجه به انخفاض المساعدات الخارجية بمقدار 71%، ولن نقبل أي مساعدات مالية أو
أية أموال سياسية تهدف للمقايضة على ثوابتنا الوطنية.
وفي
وقت سابق، شدد مجلس الوزراء الفلسطيني على أن أموال المقاصة هي أموال فلسطينية
بحتة، ملك للخزينة العامة وهي أموال عامة لشعبنا، وأن الخصم من هذه العائدات، ما
هو إلّا استمرار للقرصنة الإسرائيلية على مليارات الأموال الفلسطينية التي نهبتها،
وهو مخالفة واضحة وخرق فاضح لالتزامات إسرائيل وفق الاتفاقيات الموقّعة وخاصة
بروتوكول باريس الاقتصادي.
وأكد
المجلس على أن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس والتي أعلنت رفض
المساعدات الأمريكية، تؤكد اليوم رفضها الخضوع للمساومة والابتزاز، وأنها ملتزمة
بحقوق عائلات الشهداء والأسرى وتوفير حياة كريمة لهم، وأنها لن تكون إلّا مع
الأسرى وعائلاتهم ومع معركتهم حتى إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط من سجون الاحتلال
ومعتقلاته، وأن الجانب الفلسطيني سيتوجه إلى المحاكم والمؤسسات الدولية، وسيتخذ
كافة الإجراءات القانونية والقضائية والدبلوماسية للتصدي لهذا الاعتداء على المال
العام.
بدوره،
أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر في تصريح صحفي أن
"الهيئة لن تستسلم للقانون"، قائلًا "ستبقى رواتب ذوي الأسرى
والشهداء ثابتة ولن يتم المساس بها، وهذا ما أكَّدته القيادة الفلسطينية".
وأضاف:
"يريدون تجريم نضال الشعب الفلسطيني أمام العالم، وإظهارهم بصورة المخربين والإرهابيين
وحرمان ذويهم من راتب يعولهم، وفي المقابل المجرمون الإسرائيليون يتقاضون ثلاثة
رواتب".