Adbox

وفا- سيبقى يوم الجمعة، العاشر من أيار 2002، عالقاً في ذهن ووجدان جهاد يوسف جعارة (48 عاماً) من مخيم العروب في الخليل.
ففي ذلك اليوم، رمقت عيناه أرض الوطن للمرة الأخيرة، وهو يغادر كنيسة المهد في بيت لحم شامخاً مرفوع الرأس، بعد انتهاء الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على الكنيسة لأكثر من 39 يوماً، باتفاق يقضي بإبعاد جعارة قسراً خارج أرض الوطن، إلى جانب 38 مواطناً ممن لجأوا إلى الكنيسة خلال اجتياح الاحتلال لمدينة بيت لحم. وتم إبعاد 13 منهم إلى أوروبا عن طريق مطار اللد، و26 آخرين إلى قطاع غزة بواسطة حافلات.
وبعد 17 عاماً، ما زال جعارة يستذكر أيام الحصار واللحظات الأخيرة له على أرض الوطن، قبل إبعاده إلى قبرص ومنها إلى جمهورية إيرلندا.
وقال جعارة لـ"وفا": "17 عاماً مضت كأول دقيقة خرجنا فيها من أرض فلسطين الحبيبة، وستبقى قلوبنا موجودة في فلسطين ولن نتخلى في يوم من الأيام عن العودة إليها".
وأضاف: "إن أجسادنا خارج فلسطين، وقلوبنا وعقولنا داخل فلسطين...نحن خرجنا مناضلين من أجل قضية عادلة وسنعود إلى فلسطين من أجل قضية عادلة وسنحتفل بإذن الله بالنصر القريب بعودتنا إلى فلسطين".
ولم يلتقي جعارة بأفراد عائلته منذ إبعاده، ويتواصل معهم عبر الهاتف أو الانترنت.
وقال: "ابني صامد يحتفل بعيد ميلاده السابع عشر في 22 أيار الجاري، حيث ولد في اليوم الذي وصلت فيه إلى إيرلندا عام 2002، ولم التقي به حتى اللحظة لو لمرة واحدة". وسبق لإسرائيل أن رفضت طلبا ايرلنديا بالسماح له بالمشاركة في تشييع والدته ووالده وشقيقه الذين توفاهم الله منذ 2006 تباعا.
وأكد جعارة أن ملف مبعدي كنيسة المهد على رأس أولويات القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، مشيراً إلى أن المبعدين التقوا الرئيس أكثر من مرة، وأكد لهم أنه يتابع ملف عودتهم بصورة حثيثة.
وشدد جعارة على أن الاحتلال الإسرائيلي وحده يتحمل مسؤولية عودتهم.
وبحسب جعارة، فإن المبعدين يتواصلون فيما بينهم بصورة دائمة عبر الهاتف، وقال: "ما زلنا نستذكر كل تفاصيل حصار الكنيسة، والشهداء الذين ارتقوا خلال الحصار، ومواقف العز والفخر والبطولة التي سطرها شهدائنا وجرحانا في ساحات بيت لحم".
واستشهد خلال حصار الكنيسة 8 شهداء من بينهم قارع الأجراس سمير سليمان، وأصيب 30 آخرون نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل قناصة الاحتلال الذين احتلوا كافة البنايات المحيطة.
ودعا جعارة أبناء شعبنا إلى التوحّد تحت مظلة منظمة التحرير وقيادتنا الشرعية الممثلة بالرئيس محمود عباس، والوقوف يدا واحدة في وجه الاحتلال ومخططاته الهادفة إلى تهجير وإبعاد كافة أبناء شعبنا.
وجاء في بيان صادر عن مبعدي كنيسة المهد في غزة والدول الأوروبية، اليوم الجمعة، في الذكرى السنوية السابعة عشر لإبعادهم أن "الذكرى تأتي في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي الغاشم على شعبنا، واقترافه أبشع الجرائم بحق شعبنا، من هدم للمنازل وتقطيع أوصال محافظات الضفة الفلسطينية، وتهويد القدس ومحاولة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، والاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية، واستمرار سياسة الاعتقالات والزج بالآلاف من أبناء شعبنا في السجون الإسرائيلية، وصولا الى العدوان الغاشم على أهلنا في غزة قبل أسبوع، واستمرار الحصار الظالم منذ 12 عاماً مضت، أكل الاخضر واليابس في غزة، في ظل صمت عالمي مريب على ما يحدث في فلسطين من جرائم، يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي ولا يحرك هذا العالم ساكن".
وأضاف البيان: "سبعة عشر عاما على الابعاد من كنيسة المهد، وما زالت أوضاع المبعدين متردية وتزداد سوءًا بسبب عدم وجود أفق لحل القضية والعودة، فالحرمان من الأهل ومنعهم من زيارة أبنائهم المبعدين، إضافة الى أن غالبية المبعدين فقدوا أمهاتهم وآبائهم وأعز ما يملكون خلال سنوات الابعاد، إلى جانب منعهم من التحرك والسفر، وممارسة حياتهم الطبيعية بحرية، إضافةً الى فقدانهم المبعد الشهيد اللواء عبد الله داوود خلال فترة الابعاد، كل ذلك يرتقي الى جرائم يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي بحق المبعدين من كنيسة المهد، وتخالف كافة القوانين والشرائع الدولية".
ودعا المبعدون في البيان: "السيد الرئيس محمود عباس الى رفع قضايا على الاحتلال الاسرائيلي، بسبب انتهاكه القانون الدولي من خلال ابعادهم عن ارضهم، وكذلك ملاحقتهم في حياتهم ومنع اهاليهم من زيارتهم والاطمئنان علينهم، كحق طبيعي اقرته لهم القوانين والاتفاقيات الدولية، والضغط على هذا الاحتلال من أجل إعادة المبعدين الى اهلهم ومدنهم في فلسطين".
كما دعا البيان منظمات الأمم المتحدة إلى التحرك لحل قضية المبعدين، مشيراً إلى أنها "لم تسعى يوماً الى ايقاف هذه الجريمة التي قام بها الاحتلال الاسرائيلي منذ 17 عاماً". كما دعا البيان الى "ترسيخ قواعد الوحدة الوطنية الفلسطينية الضمانة الوحيدة للصمود ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي الذي يمعن في جرائمه ضد شعبنا ومقدساتنا".
ووفقا للتفسير الدولي فإن الإبعاد القسري يعني نقل الشخص رغماً عنه داخل أو خارج الحدود الوطنية، ويشكّل بذلك ممارسة قسرية غير قانونية للأشخاص المحميين، ويمثل انتهاكاً خطيراً وخرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 147 منها تعتبره جريمة حرب "يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه".
وكذلك المادة 49 من ذات الاتفاقية (عمليات الإبعاد الفردية أو الجماعية، بالإضافة إلى عمليات تسفير الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة التي تحتلها أو إلى أراضي أي بلد آخر، سواء أكان محتلاً أم غير محتل، تعتبر محظورة بصرف النظر عن دوافعها).
كما عدّ قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الإبعاد جريمة حرب، وعرف الإبعاد القسري بأنه: تهجير قسري للأشخاص المعنيين عن طريق الطرد، أو غيره من أفعال الإكراه؛ كما اعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها، على أيدي قوة الاحتلال، جريمة حرب.
كما إن المادة السابعة (د) من قانون روما أيضاً نصت على أن "الإبعاد القسري للسكان يشكّل كذلك جريمة ضد الإنسانية في حال تنفيذه على نطاق واسع أو بطريقة منظمة كجزء من سياسة حكومية".
وبالإضافة إلى ذلك كانت المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضحة في نصها (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً)؛ بمعنى أن الإبعاد هو ممارسة محظورة وغير قانونية وفقاً للقانون الدولي، ولا يجوز اللجوء لممارسته، وتعتبر ممارسته أياً كانت الظروف والدوافع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تستوجب الملاحقة والمحاكمة الدولية.
أحدث أقدم