Adbox

وفا- ترتفع الحرارة صيفا في خربة "سمرة" بالأغوار الشمالية، فتزداد الحاجة للمياه للاستمرار بالحياة في منطقة تسجل فيها درجات حرارة مرتفعة في أشهر الصيف الحارقة، حيث يعتاش المواطنون هناك من تربية الماشية بشكل أساسي.
لكن أحيانا يتجاوز الأمر تربية الماشية فقط، لزراعة أنواع من البقوليات شتاء، التي تستخدم في نهاية الأمر لإطعام الماشية.
وهذه الأيام أمكن مشاهدة آثار حياة خجولة للفلسطينيين في الخربة المحاذية للطريق العام الواصل بين شمال الأغوار ووسطها.
ومنذ تواجد الفلسطينيين في مثل تلك المناطق التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة فيها (لأسباب تتعلق بمنع الاحتلال من تطوير أي منها)، اتجه سكانها للاستفادة من المياه المتجمعة في آبار الجمع، في سقاية مواشيهم.
لكن تلك المياه التي تجمع عند نزول الأمطار في فصل الشتاء، في آبار جمع قديمة، أصبحت في السنوات الماضية، بعيدة المنال عن الفلسطينيين، لانتشار عدد من المستوطنين في جبال الأغوار الشمالية.
فمنذ سنوات، بدأ المستوطنون بالتواجد الدائم في الخربة، مع مواشيهم ودوابهم، التي صارت تنافس دواب الفلسطينيين في المرعى والمشرب، وأمكن في أكثر من موقف مشاهدتهم وهم يرعون بأبقارهم ومواشيهم في المراعي.
ومؤخرا، استولى أحد المستوطنين على واحدة من تلك الآبار، وشرع باستخدام مياهها في سقي دوابه.
ففي نمط حياة يعتمد بشكل شبه كلي على تربية الماشية، يضطر المواطنون فيها لاستخدم كميات كبيرة من المياه، بالذات في أشهر الصيف، لسقاية مواشيهم التي تقدر بالآلاف.
وتصبح حاجة الناس للمياه في الصيف مضاعفة، لاعتبارات تتعلق بارتفاع درجات الحرارة، وكثرة التنقل والترحال.
و"سمرة" واحد من عدة خرب كان يسكنها الفلسطينيون بكثافة فيها لسنين طويلة، ثم دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب النكسة عام 1967، وأخذت بتفريغها من سكانها كرها بسياسات متبعة.
وبحسب ما يقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" فإنه في أدنى السلّم توجد عشرات البلدات التي لا يتيح الاحتلال وصلها بشبكة المياه، فيضطرّ سكّانها إلى شراء المياه المنقولة بالصهاريج طيلة أيّام السنة بتكاليف باهظة.
وتضيف أنه كثيرًا ما تكون تكلفة توصيل المياه إلى هذه البلدات عالية جدًا بسبب الطرق غير المعبدة المؤدّية إليها حيث تمنع إسرائيل أصلًا شقّها.
ويفيد مسح أجرته في عام 2013 وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كما أضافت "بتسيلم" أن عدد هذه البلدات كان حينئذً 180 بلدة تقع جميعها أو جزء منها في مناطق "ج"، وبلغ عدد سكّان هذه البلدات حينئذٍ نحو 30 ألف شخص.
في الوقت الراهن، يشري المواطنون في خربة "سمرة" مياه الاستخدام المنزلي، وسقاية المواشي، من منطقة عين البيضاء، بسعر تجاوز 25 شيقلا للمتر المكعب الواحد.
يقول ذياب دراغمة، وهو أحد سكان منطقة "سمرة": "عند انقطاع المياه التي نجلبها مقابل الثمن، فإننا نستخدم مياه الأمطار المجمعة في الآبار لسقاية مواشينا في الصيف، هنا لا يمكن للحياة أن تستمر دون مياه". مواطنون من الخربة اجتمعوا عند أحد الآبار الصغيرة أجمعوا على ذلك أيضا، وشوهد عدد من آبار الجمع المنتشرة في خربة "سمرة"، وقد رُمم بعضها منذ سنوات.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "تنتشر في الأغوار الشمالية ما يقارب 260 بئر جمع، تتراوح سعتها بين 70-170 كوب مياه".
فهذا العدد من الآبار المتناثرة على سفوح الجبال، كانت مصدرا لسقاية مواشي المواطنين على أقل تقدير لشهرين من أشهر الصيف الملتهب.
وبأقوال عدد من سكان المنطقة أكدوا ضرورة هذه الآبار خصوصا في الصيف.
واقفا بجانب أحد الآبار المجاورة لإحدى خيامه، يقول ذياب: "نستخدم مياه هذا البئر القريب من خيامنا لسقاية مواشينا عند انقطاع المياه التي نشتريها".
هذا بالنسبة للآبار القريبة من خيام المواطنين، لكن الأمر يختلف بالنسبة لتلك التي في المراعي، إذ يعتمد عليها الرعاة بشكل أساسي ويوميا.
ذاته ذياب أخذ يشير بيد على استقامتها إلى الشمال، نحو المنطقة التي تحوي البئر الذي استولى عليه أحد المستوطنين مؤخرا، وقد تعذر الوصول إليها بسبب انعدام الأمن فيها، وقال: "استولوا على بئر كبيرة".
فأمر كانعدام المياه من منطقة ما، يقود سكانها للتفكير بالرحيل عنها؛ بحثا عن الطعام، والشراب لمواشيهم.
فكرة الرحيل عن منطقة "سمرة"، هي ذاتها التي خطرت في بال ذياب خلال السنوات الماضية، أكثر من مرة؛ لانعدام الأمن، والطعام، والشراب فيها.
وأظهرت صور فوتوغرافية، ومقاطع فيديو مصورة، بثها الناشط الحقوقي عارف دراغمة عبر حسابه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كيف وضع أحد المستوطنين خراطيم مياه داخل إحدى الآبار لسحب المياه منها لسقاية ماشيته.
فعليا، في منطقة سمرة ما يقارب 10 آبار لجمع المياه، رُمّم بعضها في مشروع لترميم الآبار بدأ منذ أربع سنوات مضت، يستفيد منها بعض المواطنين.
فعملية الترميم حولت البئر من حفرة بعمق، وعرض أمتار متفاوتة داخل الأرض، إلى شكل أكثر تهذيب، وإضافات تساعد على تجميع المياه فيها.
لكن، بشهادة ذياب الشي يسكن المنطقة منذ عام 1995، فإن المستوطنين دمروا فتحات بعض تلك الآبار بسبب أفعال عدوانية.
يؤكد الكلام ذاته دراغمة، الذي يقول إنه وثق خلال سنوات ماضية عددا من اعتداءات المستوطنين على الآبار في المنطقة.
عند اشتداد الحرارة ظهرا في الصيف، ترد أغنام الرعاة البعيدة عن خيام المواطنين، للشرب من مياه الآبار التي يخرجها المواطنون باستخدام أوعية خاصة.
وأمكن رؤية عدد من رعاة الأغنام وهم يجوبون مناطق رعوية قريبة من تلك الآبار، ذاتهم أخبروا مراسل "وفا"، أن الماشية تحتاج المياه وقت الحر لتعويض ما ينقص من سوائل في أجسامها.
بالنسبة لذياب، وهو من سليل عائلة امتهنت الرعي منذ القرن العشرين المنصرم، فإنه يحتاج كل يومين 3 صهاريج مياه كبيرة، يمن الواحد منه زاد عن 250 شيقلا.
جالسا في ظل إحدى الخيام،يقول ذياب لــ"وفا" إن الماشية تستهلك الكمية الأكبر من المياه التي يشريها بأثمان عالية.
ويضيف: "نحن البشر نستطيع أن ننظم استخدامنا للمياه، لكن 800 رأس غنم (يقصد العدد الكلي لأغنامه ولأقربائه)، تحتاج المياه باستمرار لتبقى على قيد الحياة".
كان ذلك الكلام في الوقت الذي كان فيه نجله قصي يسقي بعض الخراف الصغيرة من مياه أحد الصهاريج، فذياب، ما زال لم يستخدم كل المياه في بئر الجمع المجاورة لخيامه حتى هذه اللحظة، مستفيدا من توافر المياه التي يجلبها من عين البيضاء، لكن آثار خرطوم صغير مرمي بدايته بجانب فوهة البئر، والجانب الآخر عند مكان توضع فيه المياه لسقاية الماشية، تشي بأن الرجل كان قد استخدم جزءا من مياه البئر.
تقول "بتسيلم" أن سكّان المناطق المصنفة"ج"، يعانون أيضا من سيطرة المستوطنين والسلطات الإسرائيلية على مصادر المياه الطبيعية التي اعتمدوا عليها طيلة السنين، إذ يهدم هؤلاء آبار المياه وبرك الينابيع ويسدّون طرق الوصول إليها.
وبينت المؤسسة الحقوقية أن معدّل استهلاك المياه اليوميّ في هذه التجمّعات يقارب 20 لترًا للفرد الواحد، وأنهم يشترون المياه المنقولة بالصهاريج بأسعار تبلغ أضعاف سعر المياه المزوّدة عبر الأنابيب.
لكن في دراسة أعدها مركز عبد الله الحوراني، قبل عامين تقريبا، بعنوان "الأغوار الشمالية بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين، تعطيش الأغوار.. جريمة ضد الإنسانية"، فإن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.
عندما كان قصي ذياب دراغمة، وهو طفل في الثالثة عشر من عمره، يريد أن يضع الماء على وجهه لتخفيف الحرارة عنه، طلب والده منه بالاقتصاد في ذلك.
يعلل ذياب ذلك الشيء بأن المياه غير متوفرة باستمرار في المنطقة، لأسباب ثمنها، وطول الطريق التي تُجلب منها كل مرة.
ويبين ذياب الذي كان يرتدي قبعة تقيه من أشعة الشمس عند الظهيرة: "نحسب ألف حساب قبل استخدام المياه(..)، آبار الجمعهنا كنز خصوصا للماشية، لكنه بدأنا نفقد هذا الكنز لصالح المستوطنين".
أحدث أقدم