Adbox

وفا- يندرج قرار وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي نفتالي بينيت، الأحد، بإقامة حي استيطاني جديد في منطقة سوق الخضار المركزية بالبلدة القديمة من المدينة، والذي تعود ملكيته لبلدية الخليل والأوقاف الإسلامية والأهالي، في إطار المخططات المتسارعة التي ينفذها الاحتلال لإحكام سيطرته على كافة أحياء الخليل العتيقة.. مبانيها وأزقتها وشوارعها وأحواشها، وعلى وجه الخصوص، الحرم الابراهيمي الشريف الذي يحوي مقامات عدد من الأنبياء: أبراهيم وإسحق ويعقوب وزوجاتهم.
خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش، بيّن في لقاء خاص مع "وفا"، أن الاحتلال أنشأ في محافظة الخليل منذ احتلالها عام 1967،  أكثر من 30 مستوطنة، إضافة لنحو 20 بؤرة استيطانية، من بينها "كريات أربع" و"خارصينا" و"منوح" و"حجاي" و"رمات يشاي" و"الدبويا/بيت هداسا" و"بيت رومانو" التي اقيمت على حساب مدرسة أسامة بن المنقذ، و"ابرهام افينو" المقامة في سوق الخضار، و"تل جعبرة" و"جفعات هئفوت" و"جفعات جال" وغيرها من البؤر والمستوطنات التي أقيمت في قلب مدينة الخليل ومركزها وعلى أطرافها.

وفي ارجاء المحافظة المختلفة، اقام الاحتلال، بحسب حنتش، عدة مستوطنات، منها: "شمعون، وأصفر" في سعير والشيوخ، و"بني حيفر" في بني نعيم، و"كرمئيل، وسوسيا، ومتساد يهودا، وماعون" في يطا، و"عتنئيل، وشاني لفنا" في السموع، و"شمعة، واشتموع، وطنا عمريم" في الظاهرية،  و"اشكيلوت، وسنسانا A  وسنسانا B " قرب الرماضين جنوب الظاهرية، و"نحال نجهوت، وجفعات هبوستان" في دورا، و"تيلم، وادورا" في ترقوميا، و"كرمي تسور" بين حلحول وبيت أمر شمال الخليل..
ويقيم في هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية، طبقا للإحصائيات المتوفرة، ما يزيد عن 17 ألف مستوطن، منهم 6 آلاف في مستوطنة "كريات أربع" و900 في البؤر الاستيطانية الخمس في قلب مدينة الخليل، بما فيهم طلاب مدرسة اللاهوت المعهد الديني لتخريج الحاخامات المقام في مدرسة أسامة بن المنقذ.
وأشار خبير الخرائط والأستيطان، الى ان الاحتلال يهدف من خلال قراراته الأخيرة المتواصلة، واستيلائه على عدد من الأبنية في داخل المدينة، واغلاقه عدد من الأحياء، ونصبه الحواجز العسكرية على كافة المداخل المؤدية للخليل القديمة بما فيها الحرم الابراهيمي.. يهدف لإقامة أحياء سكنية لليهود متواصلة جغرافيا داخل المدينة ومتصلة بمستوطنة "كريات أربع"، لتنفيذ الخطة الرامية الى نظام "الفصل العنصري" بين أهالي وسكان المدينة الأصليين، وبين المستوطنين "الوافدين/ المحتلين"، والى الحاق هذه البؤر والأحياء ببلدية "كريات اربع"، وهو ما سيؤدي حتما الى سحب الصلاحيات من بلدية الخليل على العديد من أحياء المدينة، ويمهد لتطبيق القانون الإسرائيلي على الفلسطينيين القاطنين في المنطقة الجنوبية من المدينة أو ما تعرف حسب "بروتوكول الخليل" بمنطقة (H2).
وهكذا، تنتهج إسرائيل، بحسب منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، نظاماً يستند بصورة صريحة ومكشوفة إلى "مبدأ الفصل"، الذي على ضوئه أوجدت إسرائيل عزلا (SEGREGATION)  على الأرض، وعزلا قانونيا ما بين المستوطنين الإسرائيليين وبين الغالبية الفلسطينية.
وقد أدت هذه السياسة إلى انهيار الاقتصاد وسط مدينة الخليل ونزوح واسع للسكان الفلسطينيين. وتُظهر المعطيات المتوفرة، أن الفلسطينيين نزحوا عما لا يقل عن 1014 شقة سكنية في وسط مدينة الخليل، علماً أن هذه الشقق تُشكل 41.9% من مجموع الشقق السكنية في هذه المنطقة. كما أن 65% من الشقق التي تم إخلاؤها، وعددها 659، نزح عنها سكانها خلال الانتفاضة الثانية. كما يتضح من نتائج العديد من المسوح أن 1829 محلا تجاريا فلسطينيا في المنطقة التي جرى مسحها أصبحت مهجورة اليوم، علماً أن هذه المحال التجارية المغلقة تشكل 76.6% من مجموع المحال التجارية في هذه المنطقة. 62.4% من المحال التجارية المغلقة، وعددها 1141 محلا، تم إغلاقها خلال الانتفاضة الثانية، و440 محلا منها جرى إغلاقها بأوامر عسكرية.
وفي السياق، اعتبر حنتش، أن مواجهة المخططات الاستيطانية الرامية الى إقامة ما يسمى "الخليل اليهودية" في البلدة القديمة ومحيط الحرم الابراهيمي، تتطلب من الكل الفلسطيني، شيبا وشيابا، تجارا وأهالي وتلاميذ مدارس.. ومصلين مسلمين ان يتوجهوا للحرم من كافة الطرق والأزفة المؤدية اليه، ومنها احياء: خلة حاضور، والكرنتينا، والسهلة، وحارات جابر والسلايمة وغيرها، لأن في ذلك رفض لقرارات الاحتلال وحماية لهذه المناطق وللحرم الابراهيمي الشريف من مخاطر التهويد المحدقة بها.

كما يتطلب أيضا على الصعيد الرسمي، بحسب حنتش، متابعة القيادة الفلسطينية لملف الاستيطان في محكمة الجنايات الدولية والضغط عليها بشكل كبير حتى لا تخضع لاملاءات الاحتلال ومستوطنيه والولايات المتحدة الأمريكية، والضغط على المنظمات الإنسانية والشعبية ومؤسسات العمل الوطني لتحمل مسؤولياتها وأخذ دورها بالشكل المطلوب، وهو ما يستدعي تكاتف جميع أبناء شعبنا الفلسطيني بكافة اطيافه واحزابه وفصائله.. الى جانب تنظيم وإقامة مظاهرات وفعاليات وطنية متواصلة داخليا وخارجيا لرفض هذه القرارات والمشاريع الاستيطانية.
رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، من ناحيته، حذر من خطورة قرار وزير جيش الاحتلال، وقال إن مثل هذا القرار سيشعل المنطقة برمتها، وسيدفع الوضع إلى انفجار لا تحمد عقباه.
وأضاف أن بلدية الخليل وبناءً على توجيهات القيادة الفلسطينية، ستضع كل إمكانياتها لإفشال هذا القرار وحماية الأرض الفلسطينية والحفاظ على أملاك المواطنين. وشدد على أن العالم مطالب الآن وأكثر من أي وقت مضى، بالخروج عن صمته وإجبار حكومة الاحتلال بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وأن تكون تحت القانون الدولي الذي يُجرم أي تغيير على أرض محتلة.
وناشد أبو سنينة، المنظمات الإنسانية والحقوقية واليونسكو التدخل لحماية البلدة القديمة ومبانيها وحواريها من الهدم.. وحماية إرثها التاريخي والحضاري، لا سيما وانها مسجلة على لائحة التراث العالمي.
"الاعتداءات على ممتلكاتنا والاستيلاء عليها، وتواصل التوسعات الاستيطانية المتصلة بإجراءات الإغلاق والحصار، يجر الوضع في الخليل شيئاً فشيئاً، إلى وضع أسوأ من المذبحة"، هكذا يقول مواطنون، في إشارة إلى مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين في شباط 1994، في الحرم الشريف.
وهكذا يمكن القول، أن "التاريخ الأسود" للاستيطان في الخليل، كان قد بدأ بانشاء مستوطنة "كريات أربع" عام 1970 من قبل غلاة المستوطنين المتطرفين على قمة جبل "بطن البيار" على مساحة 6100 دونم، وتم التخطيط لها لاستيعاب عشرة آلاف عائلة يهودية.
وبحسب مهتمون ومختصون بالشأن الاستيطاني، يمكن اعتبار مستوطنة "كريات أربع" أكبر من مستوطنة، فهي أيضا مقرٌ لحركة "كاخ" الإرهابية.. وأيضا للجمعية الاستيطانية "غوش أيمونيم"، ومنها انطلق الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين، لتنفيذ مجزرة الحرم الإبراهيمي التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.

وفي "التاريخ الأسود" للحركة الإستيطانية الأولى في الخليل، أقيمت في عام 1983 مستوطنة "رمات مامرية" أو ما تعرف باسم "تلة خارصينا"، نسبة إلى الموقع الذي بنيت عليه، وتبعد عن مستوطنة "كريات أربع" 1.5 كم، وتبلغ مساحتها 3700 دونم، فيما يبلغ عدد الوحدات الاستيطانية وفق المخطط له 144 وحدة استيطانية، وهي تشكل مع كريات أربع طوقًا استيطانيًا يحول دون التمدد باتجاه شرق وشمال شرق المدينة.. فيما أقيمت أولى البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة من المدينة عام 1978، باحتلال مجموعة من المستوطنين مبنى الدبويا وسط المدينة، والذي أطلق عليه المستوطنون فيما بعد اسم "بيت هداسا" ، وبعد "عملية الدبويا" الشهيرة عام 1980، وردًا عليها، قامت سلطات الاحتلال بهدم عشرات المنازل من أجل توسيع البؤرة الاستيطانية - ذات الموقع الاستراتيجي – على حسابها.
وفي تاريخ الاستيطان في الخليل، أيضا وأيضا، وفي قصة أهالي البلدة القديمة بالخليل والاستيطان فيها، دماء ودموع ومهانات تفرض نفسها على حياة المواطنين حين تذكر الهجمات المنظمة التي تشنها مجموعات مسلحة من المستوطنين على البيوت، وسرد سلسلة الأوامر العسكرية القاضية بإغلاق عشرات المتاجر، واستمرار إغلاق شارع الشهداء، ومنع أعمال الترميم للعديد من المنازل العتيقة، واحتلال المباني بقوة السلاح، ومحاصرة الأسواق والأحواش القديمة، وفي تفاصيل كثيرة ويومية تطال كل ما يتعلق باستمرار تواجد أهالي المدينة في "منطقة محرمة".
أحدث أقدم