Adbox



وفا- كان مزارعو قرية بردلة بالأغوار الشمالية يتوسمون خيرا بالموسم الزراعي المروي هذا الصيف، ويتطلعون بأن يكون أفضل من المواسم في الأعوام السابقة، بعد إنشاء ثلاث برك معدنية من قبل وزارة الزراعة لمساعدتهم في تجميع المياه لري مزروعاتهم، لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد قيام سلطات الاحتلال خلال الأسبوع الماضي بهدم بركتين، فيما يتوقع هدم البركة الثالثة في أية لحظة.

معن صوافطة، أحد المزارعين الذين كانوا سيستفيدون من هذه البرك، يقول في حديثه لـ"وفا": "كنّا نعوّل كثيرًا على هذه البرك لإنقاذ مساحات كبيرة من المحاصيل الزراعية المروية بعد تراجعها بشكل كبير بفعل ممارسات الاحتلال وانتهاكاته".

وأضاف، أن كان من شأن هذه البرك حل مشكلة ري المزروعات في القرية، الناجمة عن السياسة المجحفة التي يتبعها الاحتلال لتزويد المزارعين بالمياه، حيث تتزود منطقة بردلة بالمياه عبر شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت" مرتين أسبوعيًا فقط، ونتيجة لذلك كان مزارعو القرية غير قادرين على ري محاصيلهم بشكل يومي، وكان من المفترض استخدام هذه البرك لتجميع المياه فيها لضمان استخدامها عند حاجتها وعلى كافة أيام الأسبوع.

وأوضح صوافطة أن هدمها يعني استمرار تراجع الزراعة في القرية وخسارة المزارعين مصدر دخلهم الأساسي.

ومنذ أواخر الستينيات، جففت سلطات الاحتلال غالبية الآبار ومصادر المياه التي يعتمد عليها سكان قرى وتجمعات الأغوار الشمالية بفعل الآبار العميقة التي حفرتها شركة "ميكوروت" في المنطقة، وكان من المفترض أن يزود الاحتلال سكان هذه المناطق بكميات معينة من المياه عوضا عن مياههم التي جففها، لكن منذ ذلك الحين لا يزود الاحتلال المنطقة بالكميات الكافية، بل يعمل على تقليصها وقطعها في كثير من الأحيان.

ووفقا لمعطيات لدى مجلس قروي بردلة فإن مشكلة المياه في القرية كغيرها من مناطق الأغوار بدأت منذ أواخر الستينيات وبداية السبعينات، عندما قامت شركة "ميكوروت" الإسرائيلية بحفر آبار مياه عميقة أدت لتجفيف منابع المياه والآبار الارتوازية التي تعتمد عليها القرى والتجمعات، وبدأت شركة "ميكوروت" خلال السبعينيات بتزويد 240 مترًا مكعبا من المياه في الساعة لقرية بردلة، وهي ذات الكمية التي كانت تضخها بئر القرية قبل جفافها، ولكن بعد ذلك بدأت بتقليل الكمية تدريجيًا.

اخطار بالهدم الفوري

بدوره، أوضّح مدير دائرة زراعة الأغوار الشمالية هاشم صوافطة أن وزارة الزراعة أنشأت هذا العام ثلاث برك معدنية لتجميع المياه في قرية بردلة ضمن خطة العنقود الزراعي لتحقيق نهوض وتنمية زراعية في المناطق المهمشة والتي تعاني من ممارسات الاحتلال ومنها محافظة طوباس والأغوار الشمالية.

وأكد أن الوزارة أنجزت هذه البرك وسلمتها للمزارعين قبل حوالي شهر، لكن سلطات الاحتلال قامت مؤخرا بتسليم اخطارات بهدم البرك تحمل الرقم 1797 وهو إخطار بالهدم الفوري خلال 96 ساعة منذ تسليمه، ونفذت عملية هدم لبركتين خلال الأسبوع الماضي إحداهما بسعة ألف متر مكعب، والأخرى تتسع 250 مترًا مكعبًا، فيما من المتوقع هدم البركة الثالثة في أية لحظة والتي تتسع 250 مترًا مكعبًا أيضًا.

وقال صوافطة: إن البرك الثلاث كان من المقرر أن تخدم 25 مزارعًا من قرية بردلة وإيصال المياه التي يتم تجميعها لمئات الدونمات من أراضيهم.

وبردلة واحدة من ثلاث قرى زراعية رئيسية بالأغوار الشمالية، تبلغ مساحتها الإجمالية 28 ألف دونم بما فيها الأراضي التي يستولي عليها الاحتلال، وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المروية والبعلية فيها 8 آلاف دونم.

وتتعمد سلطات الاحتلال استهداف البرك الزراعية وخطوط المياه في أوقات الذروة الزراعية، كما يقول المزارعون، ففي فصل الصيف سنويا تكثف سلطات الاحتلال من عمليات هدم البرك وتدمير خطوط المياه لإعدام المحاصيل المروية، وتعمل التدريبات العسكرية للاحتلال سنويًا على حرق وتدمير مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالمحاصيل البعلية.

عرقلة سير خطة العنقود الزراعي

من جهته، أشار مؤيد بشارات من لجان العمل الزراعي، إلى أن سلطات الاحتلال تتحكم بمصادر وكميات المياه في الأغوار الشمالية بشكل كامل وتحارب الزراعة والوجود الفلسطيني بالأغوار من خلالها.

وأوضح أن حرب الاحتلال على الزراعة والمياه في قرية بردلة وغيرها من القرى الزراعية بالأغوار ليست جديدة، وإضافة لعمليات هدم برك تجميع المياه، قام الاحتلال عدة مرات بقطع المياه عن هذه القرى بشكل كامل، عدا عن تدمير مئات الأمتار من خطوط المياه سنويًا، وهو الآن يعرقل سير خطة العنقود الزراعي التي تنفذها الحكومة في المنطقة لدعم صمودها، والهدف من ذلك منع أي تطور وتنمية زراعية في المنطقة لإفراغها من السكان وتسهيل الاستيلاء الاستيطاني عليها.

وأكد بشارات أن وزارة الزراعة وغيرها من المؤسسات الزراعية والداعمة أنشأت خلال العامين الماضيين ما لا يقل عن 20 بركة تجميع مياه ما بين معدنية واسمنتية في كافة مناطق الأغوار الشمالية والوسطى والجنوبية، هدمت سلطات الاحتلال منها حوالي 10 برك، إضافة لهدم العديد من البرك التي أنشأها المزارعون على نفقتهم الخاصة.

سياسة الحرب على الزراعة والمياه

بدوره، أكد الباحث في شؤون الأغوار والمياه وليد أبو محسن، أن استهداف برك تجميع المياه في الأغوار مؤخرا يعتبر جزءا من سياسة الحرب على الزراعة والمياه في الأغوار الشمالية، فتدمير البرك يضاف لغيره من الممارسات مثل قطع المياه، وتدمير الخطوط الناقلة، وعدم تزويد المزارعين بكامل حصصهم من المياه، بالإضافة لتجريف الطرق الزراعية.

وتعتمد قرى بردلة وكردلة وعين البيضاء أساسًا على الزراعة المروية وكانت مزدهرة زراعيًا، وفقًا لما قاله أبو محسن، فهي قائمة على ينابيع ومصادر مياه وفيرة قبل الاحتلال، وكانت مصادر المياه أساس قيام هذه القرى، إضافة للآبار الارتوازية التي كانت متواجدة بكثرة في الأغوار، فمن أصل 56 بئرًا في الأغوار كاملة كان هناك 17 بئرًا في منطقة طوباس والأغوار الشمالية وحدها، إضافة لـ40 مضخة كانت تسحب من مياه نهر الأردن مباشرة وتزود المزارعين في الأغوار، لكن اليوم يعاني المزارعون الأمرين للحفاظ على مزروعاتهم وإنقاذها من الجفاف بعد جفاف غالبية منابع المياه والآبار ومنع المزارعين من استخدام نهر الأردن منذ احتلال الأغوار أواخر الستينات.

وأضاف أن جميع ينابيع وآبار المياه جفت بالكامل أو خف منسوب المياه فيها بشكل كبير بعد عام 1967 بفعل استيلاء سلطات الاحتلال على مصادر المياه الجوفية عبر شركة "ميكوروت"، وتم إعطاء الفلسطينيين في ذلك الوقت حصص مياه معينة كبديل عن مياههم التي جفت فتم تخصيص حصة 5 مليون متر مكعب من المياه سنويًا للأغوار الشمالية وحدها، إضافة لتخصيص مليونين ونصف المليون متر مكعب من المياه سنويًا لباقي مناطق الأغوار، لكن منذ ذلك الحين لم يلتزم الاحتلال بهذه الكمية ولم يقم بزيادتها، رغم تضاعف أعداد السكان وتزايد الحاجة لكميات أكبر من الماء، بل على العكس كان يعمل على تقليل كميات المياه بحيث لا تكفي للأغراض الزراعية والحياتية.

85% من مياه الأغوار تحت سيطرة الاحتلال

وفقًا للمعطيات المتوافرة لدى مركز عبد الله الحوراني للدراسات التابع لمنظمة التحرير، تعتبر منطقة الأغوار الشمالية ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في فلسطين، ورغم ذلك تسيطر إسرائيل على 85% من مياه الأغوار الشمالية فيما يتحكم الفلسطينيون بـ 15% المتبقية، وتشير الأرقام أن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.

وبين المركز من خلال ورقة بحثية "أن سلطات الاحتلال لا تسمح بإعطاء تراخيص لحفر آبار مياه للفلسطينيين مهما كان عمقه بينما تقوم شركة "ميكوروت" موزع المياه الإسرائيلي في الضفة الغربية بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق 100 متر بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام".

وتابع: "تسعى إسرائيل من خلال ذلك إلى تدمير أبسط مقومات الوجود الإنساني في المنطقة بهدف الضغط على السكان من أجل الرحيل، خاصة أن هذه المنطقة تعتمد على الزراعة المروية كمصدر رزق أساسي لهم، ويلجأ السكان في الأغوار الشمالية إلى شراء صهاريج المياه بأسعار خيالية، وغالبًا ما يقوم جيش الاحتلال بملاحقة هذه الصهاريج ومصادرتها وفرض غرامات مالية كبيرة، ومؤخرًا قامت سلطات الاحتلال بإغلاق عشرات فتحات المياه وتدمير مئات الأمتار من خطوط المياه بادعاء أنها غير مرخصة، مما تسبب بأزمة مائية خانقه في ظل الأجواء الصيفية الحارة".

 


أحدث أقدم