Adbox

 

وفا- لا يألو الاحتلال جهدا في سبيل فرضِ سيطرته على مدينة القدس وتهويدها منذ احتلالها عام سبعة وستين، بدءا بالعبث بجغرافية المدينة وزرع البؤر الاستيطانية فيها وحولها، للإخلال بالميزان الديمغرافي لها لصالح المستوطنين الأغراب على حساب السكان الأصليين.

وفي سبيل ذلك، كثفت سلطات الاحتلال من إجراءات التهجير الجماعي وهدم البيوت وترهيب المقدسيين ليهدموا بيوتهم بأيديهم تحت سيف الابتزاز المادي، وأطلقت العنان للمستوطنين في عربدتهم، وشرعت بفرض مشروع تسوية الملكيات في القدس لتضع "حارس أملاك الغائبين" التابع لها شريكًا للمقدسيين في أملاكهم التي توارثوها جيلا بعد جيل، وشرعت بتعزيز البؤر الاستيطانية والبنى التحتية للمستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية في مدينة القدس، وقطعت أوصال الأحياء والبلدات المقدسية.

وفي إطار حربها الشاملة والوجودية على المقدسيين عبر تمزيق النسيج الاجتماعي المقدسي، أعلنت بلدية الاحتلال الاسرائيلي، بالتعاون مع جهاز المخابرات "الشاباك"، عن تشكيل قائمة من المخاتير المقدسيين في كل الأحياء والبلدات، تضم 20 مختارا جرى انتقاؤهم من جهاز المخابرات؛ في محاولة لتصدرهم المشهد الاجتماعي المقدسي ليكونوا مرجعية للمقدسيين وليسهموا في حل المشاكل العائلية ونزاعات ملكيات الأراضي كمدخل لنفوذهم وسيطرتهم، ومن ثم جرّ المقدسيين إلى المشاركة في مخططات بلدية الاحتلال ومهرجاناتها وبرامج "التعايش" التابعة لها، فتمسي بالتالي هي المرجعية الفعلية للحياة الاجتماعية المقدسية عبر أولئك المخاتير.

هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس حذرت من التعامل مع هذه اللجنة (لجنة المخاتير) التي عيّنتها بلدية الاحتلال كواجهة لها للسيطرة على المجتمع المقدسي ومدخل للنفوذ الإسرائيلي بالتغلغل في المجتمع الفلسطيني المقدسي، ودعت إلى مقاطعتها وعدم التعامل معها، واعتبرتها خطرًا حقيقيًّا على النسيج المجتمعي المقدسي.

وقالت الهيئة في بيان: "أمام هذه الهجمة المسعورة على القدس وأهلها بما يحافظ على ثوابتنا وتماسكنا المجتمعي، فإننا ندعو المؤسسة الفلسطينية الرسمية وكل القوى والفعاليات الوطنية والأهلية إلى تكثيف تواصلها وتعزيز جهودها في تشكيل لجان الإصلاح العشائري والتوسط لحل نزاعات الملكيات لحماية السلم الأهلي والمجتمعي في كل حي وبلدة مقدسية، من شخصيات لها حضور وطني ومجتمعي وشعبي وعشائري، كما ندعو المؤسسات والقوى العربية والإسلامية إلى دعم مدينة القدس وأهلها، والالتفات إلى هذا المخطط لإفشاله وإسقاطه، كما سقطت روابط القرى أمام الإرادة الشعبية من قبل".

وكانت الهيئة أصدرت في العام الماضي بيانًا تحذيريًّا من دور بعض المخاتير وتعاونهم مع "المراكز الجماهيرية" التابعة لبلدية الاحتلال في تمرير مخططات هيكلية ومخططات التسوية من خلال إغراء الناس بمصالح مادية فردية، وهي كلها أوهام نفعُها مؤقت لكنها تنتهي إلى تعزيز سيطرة بلدية الاحتلال لتزيد من وتيرة الطرد والهدم والاستيطان والعدوان على المسجد الأقصى المبارك، والمقابر، والأوقاف، والكنائس.

وقال مستشار محافظة القدس للشؤون الاعلامية معروف الرفاعي، لـ "وفا"، إنه "منذ احتلال فلسطين ومدينة القدس، سعت قوات الاحتلال إلى اختراق المجتمع الفلسطيني تارة بإنشاء ما يعرف بروابط القرى وتارة بتعيين رؤساء بلديات خاضعين لسيطرتها، وفشلت في اختراق المجتمع الفلسطيني وفي تمرير ما يعرف بروابط القرى في سبعينيات القرن الماضي، والآن تعود لإحياء هذا النموذج في مدينة القدس، في محاولة جديدة لاختراق المجتمع المقدسي بإنشاء ما يعرف بلجان شعبية وجماهيرية من خلال أجهزتها الأمنية وخاصة جهاز الشاباك".

وأضاف: "المجتمع المقدسي واعٍ لهذه الأساليب، ويرفضها، كما رفض من قبل التعامل مع ما يسمى المراكز الجماهيرية باعتبارها إحدى أذرع الاحتلال لاختراق المجتمع".

وتابع: "أصدرنا في السابق بيانات تحذيرية حول الموضوع، وهؤلاء "المخاتير" لا يمثلون المجتمع المقدسي، وندعو أبناء المدينة المقدسة لمقاطعة هؤلاء المخاتير وعدم التعامل معهم على الصعيد الاجتماعي والمادي، وندعو شعبنا في أماكن تواجده للتماسك المجتمعي، كما ندعو المؤسسة الفلسطينية الرسمية وكل الفعاليات الوطنية في المدينة المقدسة إلى تكثيف وجودها وتشكيل لجان لإصلاح ذات البين، لسحب البساط من تحت الهيئات المشبوهة التي يشكلها الاحتلال وأذرعه المختلفة".

ورأى مدير مركز القدس للدراسات الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري أن تشكيل "لجنة المخاتير" لمساعدة الاحتلال للتواصل مع المجتمع المقدسي ليست قضية جديدة، فقد حاول الاحتلال من قبل تمرير مخططات وخلق تواصل مع المجتمع المقدسي، مؤكدًا أن المجتمع المقدسي يلفظ هذه الظواهر ويرفض التعامل معها تحت أي ظرف.

وقال الحموري لـ "وفا": "حاولت المراكز الجماهرية لعب هذا الدور لكن لم تنجح، ولجنة المخاتير ستفشل أيضًا في ظل وعي المجتمع المقدسي ورفض التعامل مع الاحتلال كأمر واقع".

واعتبر أمين سر حركة "فتح" في القدس شادي المطور أن تشكيل هذه اللجنة يأتي ضمن المخطط الاحتلالي لتهويد المدينة المقدسة، بعد أن وصل الاحتلال إلى قناعة بعد هزيمتهم في معركة البوابات الالكترونية أن المقدسيين هم السد المنيع في وجه تمرير مشاريعهم التهويدية للمدينة المقدسة، فلجأوا إلى حيل أخرى في محاولة اختراق المجتمع المقدسي.

وأضاف المطور في حديث لـ "وفا": "أراد الاحتلال تهويد البشر والحجر من خلال فرض ممثلين على المقدسيين لكي يكونوا عناوين تقود هذا الشارع المقدسي، وهذا الأمر ليس جديدًا على المقدسيين، فمنذ بداية الاحتلال عملت إسرائيل على خلق شخصيات لتكون بديلا عن العناوين الوطنية في القدس، ترضى بتمرير السياسات الاحتلالية، لكنها سرعان ما انكشف أمرها وفشلت، فلا شرعية للاحتلال وأي قرار أو جسم من الاحتلال مرفوض مقدسيًّا ووطنيًّا، المقدسيون كما رفضوا في السابق سيعيدون الرفض مرة أخرى أي محاولة للالتفاف على هويتهم وعناوينهم النضالية والوطنية".

وأكد: "سيبقى أبناء المدينة المقدسة متمسكين بكل العناوين الوطنية الرافضة للاحتلال والتعايش معه والقبول به، وسياسة العصا والجزرة التي ينتهجها الاحتلال في المدينة المقدسة لن تجدي نفعا ونحن لا نهاب من هذا الاحتلال ولن نتنازل عن حقوقنا الوطنية".

واعتبر الناشط المقدسي فادي مطور "لجنة المخاتير" خارجة عن الصف الوطني والديني والأخلاقي ولن يتم التعامل معها بأي شكل، ولن تكون بأي حال من الأحوال بديلا عن المرجعيات الوطنية والشخصيات الوطنية في القدس، واصفا محاولة الاحتلال هذه بالفاشلة والبائسة تضاف لعشرات المحاولات السابقة التي فشل الاحتلال خلالها في تطويع المجتمع المقدسي وتجريده من هويته الوطنية.

ودعا مطور الكل المقدسي إلى رفض هذه اللجنة وعدم التعامل معها وتصنيف أعضائها بأنهم "متعاونون مع الاحتلال".

أحدث أقدم