Adbox

 


وفا- لم يكن فجر الخميس الـ 27 كانون الثاني الجاري عاديًا على عائلة المواطن مؤمن البيوك (27 عامًا) من مدينة خان يونس، بل كان وداعًا باردًا خاطفًا فيه استيقظ رب العائلة على نحيب وصراخ زوجته وهي تكرر "ابني مات ابني مات".

لم يمهله القدر كثيرًا ولم يكن يعلم أن الأحوال الجوية شديدة البرودة في غزة، ستكوي قلبه على رضيعه مراد الحسن الذي لم يتجاوز الأربعين يومًا.

توقف قلب الرضيع عن الخفقان بسبب البرد الشديد، في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والذي يفاقم الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها القطاع، خاصةً في فصل الشتاء والأحوال الجوية السيئة التي ترافقه.

"فجر يوم الخميس الماضي استيقظت على صراخ زوجتي وبكائها الشديد وهي تقول ابني مات، لأجد جسد طفلي الغض أزرق اللون، حاولت أن أسعفه بعمل تنفس صناعي له ولكن للأسف بلا جدوى"، قال الوالد المكلوم، الذي يقطن مع عائلته منطقة ميراج الغربية غرب مدينة خان يونس.

وأضاف بحسرة شديدة: "توجهت به على وجه السرعة إلى مستشفى مبارك في خان يونس، وبعد ساعتين من محاولة الأطباء إنعاش قلبه، أخبروني بأن طفلي توفي بسبب تجمد الأوردة في جسده".

وتابع البيوك: "لم يكن طفلي يعاني مرضًا أو علةً، ولكن البرد الشديد في ظل انقطاع التيار الكهربائي كان السبب في هذه الفاجعة".

ويعيش البيوك ظروفًا معيشية صعبة، حيث لا يملك عملا دائما نتيجة انعدام فرص العمل في القطاع وارتفاع معدلات البطالة، كما أشار إلى أنه لا يتلقى أي مساعدة من أي جهة كانت، ولا تشمله أية قسائم إغاثية (كوبونات) أو منح توزّع، وبالتالي لا يستطيع تلبية احتياجات عائلته وطفلته التي فقدت شقيقها.

ويعمل البيوك بصورة موسمية في قطف الخضروات، حيث يتقاضى خمسة شواقل مقابل كل ساعة عمل.

"أدعو العالم أجمع للنظر الى الظروف الصعبة التي تعيشها الأسر الفقيرة في غزة، والتي تعاني الأمرين بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وأزمات انقطاع الكهرباء والبطالة" قال البيوك.

ويصل جدول الكهرباء المعمول به حاليًا في قطاع غزة إلى 4 ساعات وصل فقط، الأمر الذي يثير موجات غضب شعبية عارمة يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً في ظل الأحوال الجوية السيئة.

وتعد قصة البيوك واحدة من آلاف قصص المعاناة التي يعيشها المواطن في غزة، والذي يدفع يومياً ثمن الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على غزة منذ انقلاب "حماس" الدموي الأسود، وفرضها لسلطتها غير الشرعية على أكثر من مليوني مواطن في القطاع، وتضييقها على المواطنين عبر ممارستها الظالمة وعدم التفاتها للظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها المواطنون، وما ينتج عنها من أحداث مأساوية.

وفي مأساة أخرى هزّت فلسطين، لقي طفل مصرعه في مكب للنفايات في منطقة جحر الديك شرق مدينة غزة.

أسامة السرسك (14 عامًا)، من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، توفي متأثرًا بإصابته البليغة بعد أن دعسته جرّافة ودفنته تحت أكوام النفايات، أثناء بحثه عن البلاستيك والألمنيوم لبيعه ومساعدة أسرته في الحصول على قوتها، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في غزة وغياب أدنى مقومات الحياة.

"كان يساعدني في جمع النحاس والألمونيوم والبلاستيك، فأنا عاطل عن العمل ووضعي الاقتصادي صعب جدًا ولا دخل لدينا سوى هذا المكب، لدي 9 أطفال فإذا لم أشتغل في هذا المكان نموت جميعًا من الجوع"، يقول عرفات السرسك (37 عامًا) والد الطفل المرحوم أسامة.

ويضيف: "حتى الآن لا أعلم ما الذي حدث مع ابني، هل دعسته الجرافة أم دفنته، لا تفاصيل لدي، خرجت من البيت مع أسامة الساعة العاشرة والنصف صباحًا وبعد ساعة فقدت آثاره بعدما كان يبحث معي عن البلاستيك في النفايات".

وتابع: "ابني مات مخنوقًا وأحشاؤه خرجت من جسده...أحمّل حكومة الأمر الواقع في غزة مسؤولية ما جرى وعما وصلت إليه أوضاع الناس في القطاع".

وترفض عائلة السرسك حتى الآن استلام جثمان ابنها من مستشفى الشفاء بسبب عدم اعتراف البلدية في غزة بمسؤوليتها عن وفاته.

وطالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالتحقيق الفوري في الحادثة.

وقالت في بيان صدر عنها الجمعة: "بعد استماع الهيئة لإفادة العائلة فإنها تطالب جهات الاختصاص في غزة بضرورة التحقيق في ظروف وملابسات الوفاة وتحديد المسؤوليات الناجمة عن تلك الحادثة ونشر نتائج التحقيق على الملأ".

وتوالت ردود الفعل الغاضبة على هذه المآسي التي يشهدها قطاع غزة.

وكتب المحامي عبد الله شرشرة من غزة عبر صفحته على "فيسبوك" إن حادثة "الطفل الذي توفي نتيجة دفنه بالنفايات أثناء عمله في جمع (الخرداوات) ليست الأولى ولن تكون الأخيرة".

ويضيف: "مكب نفايات جحر الديك غير مستقر، هناك فجوات وحفر مغطاة، وفي بناء جبل النفايات تتكون غازات نتيجة تحلل النفايات، وفي حال سقط أحدهم بها فإنه سيسقط عدة أمتار داخل النفايات دون أي إمكانية للعثور عليه".

يشار إلى أن حوادث أخرى مشابهة وقعت في مكب نفايات جحر الديك، ففي عام 2013 فقدت آثار الطفل أحمد الصوص (12 عامًا) داخل المكب، ويعتقد أنه سقط في حفرة، حيث لم يتم العثور على آثاره حتى الآن.

ووفقًا لشهادة والده، فإن أحمد كان جالسًا فوق الكارة (العربة)، عندما فارقه لكي يجمع البلاستيك من مكب النفايات في جحر الديك، وبعد فترة وجيزة توجه وهو حامل ما جمعه من البلاستيك ليضعها على الكارة فلم يجد طفله".

"اعتقدت في البداية أن الطفل يلعب في المكان أو ذهب لقضاء حاجته وعاد إلى البيت، ثم بحثت عنه في كل أرجاء المنطقة ولم أعثر عليه، اتصلت في البيت على أمل أن يكون هناك ولكن لم أجده" قال والد أحمد.

وتعد عمالة الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية التي تمس كيان المجتمع في قطاع غزة، وهي ظاهرة أفرزتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية نتيجة الحصار وممارسات سلطة الأمر الواقع (حماس).

وتبلغ نسبة عمالة الأطفال وفقًا للإحصائيات الصادرة عام 2019 عن مركز الإحصاء الفلسطيني 1.3% من إجمالي عدد الأطفال في قطاع غزة، ويقدّر العدد بـ (13,594) طفلاً عاملاً من سن 10-17 سنة، وسط ازدياد معدلات الفقر والبطالة.

وتعاني مئات الأسر في قطاع غزة الأمرين، نتيجة العيش في خيام عشوائية وبيوت من الصفيح لا تقيهم برد الشتاء أو قيظ الصيف، حيث ازداد عدد هذه الأسر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في شهر أيار 2021، وسط مناشدات مستمرة بالالتفات إلى أوضاعهم المعيشية المأساوية والتي لا تلق آذانًا صاغية من جهات الاختصاص.

أحدث أقدم