جميعنا
مقصودون في مقال جدعون ليفي بعنوان "هذا نفذ نيابة عنكم"
("هآرتس"، 17/2). كل اسرائيلي واسرائيلية مهما كانوا. ليفي قال إن
"كل الاسرائيليين شاركوا في مذبحة جبل كانوب"، و"المستوطنون في بيت
لحم هم في مهمة نيابة عن كل اسرائيلي". في عرضه لنا "جميعا" كرزمة
واحدة فان ليفي يحولنا من بشر متنوعين الى "ممثلين". ليس فقط مجرد
ممثلين، بل ممثلين لـ "نفس الشيء".
لشديد
المفارقة، بسبب الدور المطلوب للمتظاهر عند البوابة فان ليفي مستعد لتقليص الجندية
التي عالجت الراعي العجوز الى ممثلة فقط. كصحافي، ليفي كان يمكنه مثلا أن يتعرف
على اسمها بدون صعوبة. أن يعطيها في مقاله وجه وهوية. وتشخيصها فقط كـ
"جندية" لا يستهدف الدفاع عنها. فهي ليس لديها ما تخفيه وهذا ليس هدف
ليفي. هو ببساطة لا يراها. بالنسبة له هي مجرد "ممثلة" لجيش الاحتلال.
بالنسبة له حتى المشاعر الحقيقية للراعي العجوز لا يمكن أن تكون اصيلة ولها وزن،
محمد الشلالدة هو فقط محل للتلاعب، ضيف، للحظة، في الرواية. بهذا، ليفي ببساطة
يقوم بمحوه وكتابته من جديد. ليس فقط الشلالدة.
عندما
كتب ليفي "هذا الاسبوع قال لي الراعي الموجود في الصورة بأن الممرضة الرحيمة
من الجيش قامت حتى باحتضاني" وأن "قلب الراعي كبير"، نحن نسمع بشكل
جيد السخرية. مطلوب ايضا درجة غير قليلة من السخرية كي تكتب بشكل ساخر عن
"الجندية الممتازة" وعن "الاخت الرحيمة" التي لا سمح الله لن
تضللنا ولن نسقط في سحرها، هي مجرد فضول. بقلم ليفي الممرضة اصبحت مغرية تقريبا.
فقط لأنه يخاف جدا أن يعمي عملها عيوننا كما يبدو، أن نفكر بالخطأ أنه توجد هنا
انسانية من اجل الانسانية.
لا،
هذه فقط مواد للعلاقات العامة للجيش الاسرائيلي، قال. صورة انتهازية. شخص جيد
بمعناه التهكمي. ليفي يربط مرتين في المقال "الانسانية والتفاخر" على
اعتبار أنهما تناقض لفظي. بالنسبة له فان جذر الشر هو في الاحاسيس المزيفة التي
تظهر علينا عند رؤية جندية تقوم بعمل انساني تجاه من يعتبر في اوساط الكثيرين
"عدو". لأنه حسب رأيه، الانسانية لا يمكن أن تتساوق مع التفاخر الذي
يمكن لشخص معين أن يشعر به في الجيش الاسرائيلي. هل حقا لم ينجح ليفي في أن ينسب
هذا التفاخر الى انسانية الجندية، وليس بالضرورة للجيش الذي تخدم فيه؟.
الحقيقة
هي أن الراعي المصاب كان منفعلا ومتأثرا بشكل واضح من تضميد جراحه على أيدي
الجندية. وربما أنه لن ينسى في أي يوم هذه المبادرة الانسانية لها، ولن ينسى أيديها
التي عالجته اثناء محنته. عندما قامت بتضميد جروحه هي قصرت المسافة. قصرت كل
المسافات؛ فعلت عكس الصورة التي يريد ليفي أن يبنيها لها في مقاله، فقط من اجل أن
تناسب ادعاءه. لقد كسرت الصورة "الممثلة" وعملت من اعماقها بادرة حسن
نية شخصية وفردية، "من يعرف، ربما حتى خلافا لاوامر عسكرية من الجيش للتصرف
في مثل هذه الاوضاع". ومثلما هي لم تعتبر في تلك اللحظة الراعي المصاب
"فلسطيني" أو "عدو"، فهو بالتأكيد ايضا لم يعتبرها
"اسرائيلية بشكل عام" أو "جندية في جيش الاحتلال"، بل انسانة
تمثل البشر بشكل عام. ربما هو ذكرها بجدها. وربما هي ذكرته بحفيدته.
لقد
جلسا هناك، مصاب وممرضة، وهذا، هذا بالضبط، هو الذي أثر في كل من شاهد الصورة، الى
درجة البكاء والشفقة، والحزن على انفسنا، نحن الصقور على مر السنين. اللحظة التي
يتخلى فيها البشر عما يمثلونه، هي اللحظة التي يمكن أن نرى فيها بعضنا بعيون
مفتوحة. هذه لحظة يمكن فيها البدء في الحديث. أليس كذلك؟ هذه ليست لحظة سخرية، بل
لحظة حقيقية.