Adbox

 

وفا- دماء شقيقتي وآخرين وتناثر اشلائهم، كما صيحات الأمهات والعائلات الثكلى التي ملأت المكان لن يفارق مخيلتي. شقيقتاي مريم (12 عاما)، ونعمة (9 سنوات) بالإضافة الى 12 شهيدا سقطوا نتيجة غارات جوية شنتها ثلاث طائرات عسكرية على الفالوجة انطلقن من مستوطنة "كريات غات" القريبة من الفالوجة قضاء غزة، قال المدرس المتقاعد احمد مصطفى قاسم النجار (79 عاما).

وأضاف جمع اهالي البلدة الاشلاء في قطعة كبيرة من القماش (ملحفة) دون معرفة لمن هذه اليد او لمن هذه القدم، وتم دفنها في قبر جماعي في البلدة.

كان عمري خمس سنوات عندما أرغمنا على مغادرة الفالوجة، قال النجار، ولكن حديث الوالد والوالدة الدائم عن الفالوجة حافظ على ذكرياتي القليلة.. وعمق انتمائي واشتياقي وحنيني لبلدتي المهجرة الفالوجة التي كانت بيوتها مشيدة من طوب الطين، وفيها مبنى للبلدية، ومدرستان للبنين والبنات، وعيادة صحية، ومسجد وعدد سكانها تجاوز 6 آلاف نسمة حسب إحصائيات البلدة، كان لها بلدية عام 1929، وكان يوجد في شوارعها انارة بالمصابيح الزيتية.. فيما بلغت مساحة اراضيها حوالي 39 ألف دونم.

في لقائه مع "وفا" استرجع النجار ذكرياته، عندما زار الفالوجة، حيث لم يجد لهذه المعالم الا آثارا وأطلالا مدمرة.. غير أنه بقي يمشي في شوارعها حتى وصل باب بيته، وكيف اخذ يبكي كالأطفال. "كان ابي لا يقبل ان نشتري ارضا بعد الهجرة ويقول لنا.. لكم 21 دونما في الفالوجة.. سنرجع يوما ونعمر البيوت والأرض ونبني المدارس والمساجد".

"خرجنا كما ولدتنا امهاتنا لا نملك شيئا، وتسلحنا بالعلم وتمسكنا به رغم الشتات الذي ألم بالعائلة، بعضهم في عمان، وصويلح بالأردن، وبعضهم في غزة، ومخيم الفوار، ورام الله، ومنهم من هم الآن في أميركا والسويد" أضاف النجار الذي له الآن العشرات من الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد ممن يحلمون بالعودة الى مسقط رأسهم في الفالوجة التي يحفظون بيوتها وحاراتها وأزقتها في خزانة الذاكرة، كما بلدات وقرى أخرى مجاورة: الحسكا، البشير، عراق المنشية، وبيت عفا.

شقيقه محمد مصطفى قاسم النجار (مواليد عام 1941)، بدوره تحدث بشجن وبكاء عن بلدته الفالوجة، واصفا بيادرها وخيراتها ومعالمها وتقدمها في العلم والخدمات في ذلك الوقت، وقال: "سميت الفالوجة بهذا الاسم نسبة الى رجل صالح جاء من العراق اسمة احمد الفالوجة، وعندما توفي بني له مقام عرف بالفالوجة، ولقد حضرت الانتداب البريطاني، وعايشت الجيش المصري والاردني في فلسطين، بداية النكبة في عام 47 عندما دخل الجيش المصري الفالوجة وأخبروا ابي أن علينا الرحيل".

وأضاف، استأجرنا بيتا يبعد 500 متر عن منزلنا، حيث بدأت اعمال تفجير مبنى البلدية واغلاق المدارس.. غير أن النكبة الحقيقية بدأت عندما دخل الجيش البريطاني مدينة القدس والبدء بتقسيم فلسطين.

وتابع، كنا نلعب في ساحة القرية وسمعنا صوت الطائرات التي أغارت على البلدة، فأخذنا نركض الى البيت انا وأخي الصغير.. كان أبي وأمي قد خرجا يبحثان عنا عندما سمعا صوت الطائرات.... كان الغبار يغطي الاجواء وصلنا مكان البيت ولم نجد له اثرا.. واسفرت الغارة عن استشهاد 14 مواطنا من عائلة النجار... من بينهم شقيقتاي: مريم، ونعمة.

 

دفن اهل البلدة الشهداء في قبر جماعي.. وقرروا الخروج من الفلوجة الى ان تهدأ الاجواء.. فخرجنا الى بلدة اذنا غرب الخليل الى عائلة اخوالي، لنكون قريبين من البلدة حين نرجع اليها، مبينا، انهم عندما وصلوا قرية الدوايمة تم قصفها وخرج اهلها ايضا كي لا تطالهم المجازر والقصف، مشيرا الى أنهم بقوا سنتين في اذنا وتم ترحيلهم بالقوة بعد ان تم احصاؤهم الى مخيم الفوار جنوب الخليل.

يحمل النجار مفتاح بيته الذي ما زال يحتفظ به، ويؤكد حتمية عودتهم الى الفالوجة التي يعيشون معها وفيها ليل نهار.

أحدث أقدم