وفا-
في تقريرها رقم (294) لرصد التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيلي، نشرت وكالة
"وفا" جزءا من مقالة صحفية نشرتها جريدة "مكور ريشون"
الإسرائيلية، قالت فيها إن الفلسطينيين "سيقتحمون مجددًا محمية طبيعية في
السامرة، بتشجيع ودعم من السلطة الفلسطينية".
تلك
الصحيفة وصفت المواطنين الفلسطينيين بـ"الغزاة"، بل وسمتهم "عرب
القرى" في محاولة متعمدة منها إلى إلغاء الملكية والحضور الفلسطيني لأرض
"وادي قانا" (شمال غرب سلفيت)، إذ قالت: "بعد عدد من الاقتحامات
التي قام بها عرب القرى في المنطقة المحيطة للمحمية الطبيعية، وادي قانا، خاصة من
قبل سكان بلدة قراوة بني حسان، يتضح اليوم أنّ الغزاة لن يقوموا بالتنازل، حيث
أعلنوا نيتهم الوصول إلى المكان مجددًا، مع الإشارة إلى أنّ وزارة الزراعة
الفلسطينية وهيئات أخرى ستكون خلف هذه الخطوة".
ويُعتبر
وادي قانا أحد تفرّعات نهر العوجا، وفي قسمه المركزيّ ثمة ينابيع وجداول عدة
تتفرّع عنه. وتقع أراضيه بملكيّة فلسطينيّة، غالبيتها من قرية ديراستيا المجاورة،
ويستخدم للزراعة والرعي، ويمتد على مساحة تقدر بحوالي 6000 دونم.
بين
الأعوام 1978 و1986 أقام الاحتلال الإسرائيلي عدّة مستوطنات على التلال المُطّلة
على ضفتي الوادي: "عمانويل" و"كرنيه شومرون" من الشمال،
و"يكير" و"نوفيم" من الجنوب. ومع الوقت توسّعت مستوطنة
"كرنيه شومرون" لتمتدّ على عدّة تلال مجاورة. وبين الأعوام 1998 و2000
أقيمت إلى جانب هذه المستوطنات بؤر استيطانيّة وهي "ألوني شيلو"
و"إل متان" و"حفات يئير".
وقد
ضخّت المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة مياه مجاريها إلى الوادي وأضرّت بجداوله
وينابيعه وبمصادر المياه التي يعتمد عليها المزارعون، وفقا لمركز المعلومات
الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم).
وفي
عام 1983 أعلنت "سلطة الطبيعة والحدائق" الإسرائيلية، وفق
"بتسيلم" عن تأسيس محميّة طبيعيّة في المحميّات والحدائق التابعة لما
تسمى "الإدارة المدنيّة"، مساحتها نحو 14,000 دونم، وذلك في قناة وادي
قانا والمنحدرات التي فوقه، وهي محميّة "ناحل كَنيه".
وتشكل
"المحميات الطبيعية" واحدة من مزاعم الاحتلال الإسرائيلي الأساسية في
سبيل السيطرة على أراضي المزارعين الفلسطينيين، والعمل على اجتثاث الوجود
الفلسطيني.
وفي
عام 2006 أقام الاحتلال الإسرائيلي "مديريّة ترميم وادي قانا"، التي
تهدف لـ"ترميم الوادي وتطوير السياحة فيه"، وفي العام ذاته بدأ ما يسمى
مجلس مستوطنة "كرنيه شومرون" بإجراء مسيرة سنويّة كلّ فصل ربيع، وحظر
جيش الاحتلال دخول الفلسطينيين، ومنهم أصحاب أراض في الوادي أثناء تلك
المسيرات".
وفي
الذكرى الـ47 ليوم الأرض، التي تصادف اليوم الخميس، الذي تعود أحداثه لعام 1976،
أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرا له بهذه المناسبة، أشار فيه إلى أن
الاحتلال الإسرائيلي يستغل أكثر من 85% من المساحة الكلية للأراضي في فلسطين
التاريخية، واستغل تصنيف الأراضي حسب اتفاقية أوسلو (أ، ب، ج) لإحكام السيطرة على
أراضي الفلسطينيين خاصة في المناطق المصنفة (ج) التي يستغل فيها بشكل مباشر ما
نسبته 76%، وتسيطر المجالس الإقليمية للمستعمرات على 63% منها، فيما بلغت مساحة
مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيلية بالضفة الغربية نحو 537 كيلومترا مربعا في
نهاية عام 2022، أي ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
وتعد
منطقة وادي قانا مقصدا سياحيا شهيرا للمواطنين الفلسطينيين مع وجود ينابيع المياه،
وأشجار الحمضيات المثمرة على مدار العام تقريبا.
وقال
الناشط في مواجهة الاستيطان بمحافظة سلفيت نظمي سلمان لـ"وفا":
"خلال الأسابيع الماضية، حاول الاحتلال الإسرائيلي وضع بوابة حديدية على مدخل
الوادي من أجل منع الزوار من الوصول إلى أماكن التنزه وبيارات البرتقال والليمون،
لكن بإصرار الأهالي ووحدتهم استطعنا إزالة البوابة".
وأضاف:
"ثم منعت قوات الاحتلال دخول المواطنين وأصحاب الأراضي بمركباتهم إلى الوادي،
وأجبرتهم على دخوله سيرا على الأقدام لمسافات طويلة، والتي تستغرق جهداً وتعباً
نظراً لأن الطريق وعرة، لكن لم تؤثّر هذه الإجراءات على أصحاب الأراضي والزوار
القادمين من مختلف محافظات الوطن، إذ واصلوا صمودهم ومقاومتهم في وجه
الاحتلال".
"وادي
قانا كان قديما عبارة عن قرية فلسطينية صغيرة معروفة باسم خربة قانا، بلغ عدد
سكانها ما يقارب 300 نسمة، لكن بعد إجراءات الاحتلال واعتداءات المستوطنين
المتكررة والتضييق من قبل الاحتلال بكافة أذرعه العسكرية وصعوبة الحركة والتنقل،
أُجبر بعض أهالي الوادي على العودة للسكن في بلدة ديراستيا، لكنهم يحرصون على
التواجد فيه بشكل شبه دائم لحماية الأرض"، أوضح سلمان.
عائلة
الحاج جهاد منصور، واحدة من العائلات التي اختارت أن تبقى مقيمة في الوادي لحمايته
من التغول الاستيطاني، بالرغم من المضايقات المستمرة من قبل المستوطنين وقوات
الاحتلال الإسرائيلي، بهدف ترحيلها، إلا أن العائلة ما زالت تصر على البقاء في
الوادي.
وخلال
مقابلة صحفية أجرتها "وفا" مع الحاج منصور (59 عاما)، تساءل:
"لماذا أتزحزح من منزلي وأنا الذي ولدت في هذا الوادي وعشت فيه، وأملك أوراقا
ثبوتية رسمية بأنني صاحب الأرض الشرعي والمالك الوحيد لبياراتي ومنزلي".
وأضاف:
"الاحتلال أعلن أن الوادي محمية طبيعية، لكنه قام باقتلاع ما يقارب 3000 شجرة
زيتون معمرة زرعها آباؤنا وأجدادنا. هم الذين يقومون بتغيير معالم الأرض. لبضع
سنوات كان الوادي عبارة عن مرتع لمياه الصرف الصحي الخاص بمستوطناتهم، وهذا جميعه
يدل على أن ما يقومون به ما هي إلا ذرائع من أجل أن نرحل، ولأجل الاستيلاء على
الأرض والسيطرة عليها".
من
جهتها، زوجته آمنة عبد الرحيم منصور (53 عاما) قالت: "نحن والعائلات
الفلسطينية سواء أصحاب الأراضي أم الزائرين حراس لهذه الأرض، ولن نسمح للمستوطنين
ولا لقوات الاحتلال أن ينتصروا علينا، مهما كلف الثمن".
وأضافت:
"وادي قانا سلة غذائية، فيه 10 ينابيع مياه أهمها: عين واد المعاصر، وعين
الجوزة، وعين الفوار، وعين البطة، وعين البنات، وعين التنور، وعين الجناين،
تساعدنا على زراعة الخضراوات والحمضيات واللوزيات والزيتون والعنب، وإنتاج كميات
وفيرة من المحاصيل".
وقد
تعرضت هذه العائلة لعدة اعتداءات من قبل المستوطنين خلال السنوات الماضية، بينها
تحطيم ألواح للطاقة الشمسية وتقطيع أسلاك، وثقب خزانات مياه، ومحاولات اختطاف
الأطفال.
وتقول
"بتسيلم" إن "إبعاد المزارعين الفلسطينيّين عن وادي قانا بدأ مع
تلويث الوادي بمجاري المستوطنات التي أقيمت فوقه، ويستمرّ هذا الأمر عبر تطوير
المكان كموقع سياحيّ إسرائيليّ. وفي أعقاب هذا التطوير، بدأت سلطة الطبيعة
والحدائق والإدارة المدنيّة بفرض قيود جسيمة على النشاط الزراعيّ الفلسطينيّ في
المكان، بادّعاء أنّ الأمر" يشكّل مسًّا بالقيم الطبيعيّة في المحميّة".
وتضيف
أنه رغم ادعاء أن العمل الفلسطيني يشكل "مسا بالقيم الطبيعية للمحمية"
إلا أن "سلطة المحميات الطبيعية" الإسرائيلية جرفت في عام 2010 قنوات
الريّ التي حفرها الفلسطينيون من أجل حرف مسار المياه من الوادي إلى أراضيهم،
وبدءا من عام 2011 مُنع المزارعون من غرس الأشجار في أراضيهم بالوادي، وحتى اليوم
اقتلعت نحو ألف شجرة، وصدرت أوامر اقتلاع ضدّ آلاف الأشجار الأخرى".
وقالت
إنّ "إبعاد وإقصاء المزارعين الفلسطينيّين عن أراضيهم في وادي قانا ينتهك
حقّهم بالملكيّة ويصادر أرزاقهم. وفي ظاهر الأمر يجري هذا باسم الدفاع عن قيم
الطبيعة في الموقع، إلاّ أنّ أحدًا لا يمنع المستوطنات من الدوس على هذه القيم. زد
على ذلك أنّ مخطط تحويل الوادي إلى متنزّه مليء بالسبل الطبيعية والطرق
والمتنزّهين، يشير إلى النيّة الحقيقيّة التي تضمرها سلطة الطبيعة والحدائق
والإدارة المدنيّة، وهي تعميق السيطرة الإسرائيليّة على الوادي وتخصيصه
للمستوطنات".