Adbox

وفا- بدت ملامح التعب والإرهاق واضحة على محيا أحمد (13 عاماً) وهو يقف لساعة متأخرة من الليل على أحد المفترقات ليبيع المياه والعصائر للمارة، عسى أن يعود لبيته وقد خلص من الكمية التي معه.

يعود أحمد، كل ليلة، للبيت متعبا ومرهقا من يوم شاق، ليستيقظ مرة أخرى ويعود إلى المكان نفسه من جديد.

ويقول أحمد الذي طلب عدم ذكر اسم عائلته، إنه بشكل يومي يأتي إلى المفترق الرئيس وسط البلدة بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، ليبيع زجاجات الماء البارد والعصائر على رواد المكان وعابري السبيل مقابل الحصول على المال، من أجل توفير مصاريف البيت ومتطلبات الحياة.

وليس ببعيد من المكان دخلت الطفلة سارة (7 أعوام) عند الساعة الحادية عشرة ليلاً وبيدها كيس بلاستيكي بداخله عدة باكو من الفول السوداني أو كما يطلق عليه في غزة "الفستق"، وهي تردد بصوت خافت يتناسب مع عمرها وحجمها الصغير "أمانة اشتري مني بشيقل".

وعند سؤال سارة عن سبب خروجها بهذا الوقت المتأخر للبيع أجابت، أبي الذي يعمل على بسطة في السوق يطلب مني ومن أختي وأخي الأكبر أن نبيع الفول السوداني من أجل توفير المال لكي نشتري مستلزمات الدراسة والزي المدرسي.

أما سفيان وخليل (14 عاماً) فيعملان في جمع علب المشروبات الغازية والزجاجات البلاستيكية من أجل بيعها لإعادة تدويرها مرة أخرى، وقالا إنهما يفضلان العمل ليلاً حتى لا يراهما أحد، ولأن الحاويات تحتوي في هذا الوقت على كمية أكبر من العلب، ولتكون فرصتهما أوفر في جمع أكبر عدد منها.

وقالا إنهما يجمعان هذه العلب لبيعها لأحد تجار بيع الخردة مقابل 4 شواقل لكل كيلو من علب المشروبات الغازية، وهو بدوره يقوم بنقلها إلى مصنع ضغط المعادن والبلاستيك لضغطها على شكل قوالب مكعبة، وبعدها يتم تصديرها.

ولفتا إلى أن جمع كمية كبيرة ليس بالأمر الهين والبسيط الذي يتوقعه البعض، خاصة أنه يوجد العشرات من الفتية والشباب الذين يقومون بهذا العمل الذي يعرّض حياتهم للخطر والأمراض والأوبئة، وقد يتسبب لهم بالجروح من بقايا الزجاج المكسور وغيره.

وأشارا إلى أن عملهما في جمع العلب من الحاويات أفضل بكثير من جمعها من مكب النفايات الذي يحتوي على مئات الكلاب الضالة، وأقل خطورة من تعرض حياتهما للخطر، واستذكرا الطفل أسامة السرسك من غزة الذي دُفن داخل مكب للنفايات شرق محافظة غزة وهو يساعد والده في جمع العلب والمعادن.

وأظهرت المعطيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عام 2022، أن نسبة الأطفال المشتغلين (سواء بأجر أو دون أجر) في فلسطين قد بلغت حوالي 3% من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية (10-17 سنة)، بواقع حوالي 5% في الضفة الغربية و1% في قطاع غزة، و(6% من الأطفال الذكور مقارنة بـ0.3% من الأطفال الإناث). كما بلغت نسبة الأطفال المشتغلين والملتحقين بالمدارس نحو 1%، بواقع، 2% في الضفة الغربية و0.4% في قطاع غزة. وعلى مستوى الجنس، فقد بلغت النسبة حوالي 2% للذكور مقابل 0.2% للإناث خلال عام 2022.

كما اشارت البيانات الى أن 53% من الأطفال (10-17 سنة) المشتغلين في فلسطين هم مستخدمون بأجر، فيما بلغت نسبة العاملين كأعضاء أسرة غير مدفوعي الأجر 37% .

ويرى المختص النفسي والمجتمعي محمد المصري، أن عمالة الأطفال في سن مبكرة تؤثر بشكل سلبي في صقل شخصية الطفل خاصة عندما يرى أقرانه لا يعملون ويبدأ بمقارنة نفسه بهم، وهنا يقع في صراع داخلي يولّد نوعاً من الغيرة والحقد على أبناء جيله أولاً، ومن ثم يصبح ناقماً إلى حد ما على والده الذي لم يوفر له سبل الراحة مثل الآخرين، وبالتأكيد تصبح أسرة الطفل العامل مفككة وغير مترابطة، ويبدأ ذلك من عدم اجتماع الأسرة على طاولة واحدة، وعدم جلوس الأب مع أبنائه وتلبية لرغباتهم وحاجاتهم.

وأضاف المصري، أن الطفل العامل تصبح حياته التعليمية في تراجع بعد أن يذهب إلى المدرسة متعباً ومتكاسلاً، وبالتالي يفقد التركيز في الفصل، لافتاً إلى أنه يُنظر إليه من أقرانه في المدرسة نظرة دونية بسبب تراجع تحصيله العلمي، خاصة بعد توبيخ المدرسين ولومهم له خلال الحصص الدراسية، وهذا كله ينعكس على شخصية الطفل التي تصبح ضعيفة مع مرور الأيام، مشدداً على ضرورة تخصيص ندوات ومحاضرات وورش عمل لتوعية الأهالي بالخطر المستقلبي الذي يهدد شخصية أطفالهم العاملين وحياتهم.

بدوره، قال مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الدكتور فضل المزيني لـ"وفا"، إنه بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 16 عاماً، ونتيجة تداعيات الانقسام، ارتفعت نسبة البطالة إلى معدلات غير مسبوقة وصلت إلى نحو 43-44٪، ونسبة الفقر ارتفعت إلى ما بين 50-55٪، وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى نحو 64٪، وبالتالي انعكس ذلك على حقوق الأطفال، وأصبحت بعض العائلات غير قادرة على الإنفاق على أطفالها ودفعت بهم إلى سوق العمل.

وأشار المزيني، إلى أن عمل الأطفال غير مشروع بكل الأحوال وله انعكاساته على مستوى الطفل والمجتمع، مبينا أنه ينعكس على نفسية الطفل وحقوقه، ويحرمه من أشكال الرعاية الأسرية والاجتماعية والنفسية التي من المفترض أن يحظى بها، ويعرضه للإهانة والأذى من صاحب العمل، لا سيما أن غالبية الأطفال العاملين يعملون في مهن لا تناسب حجمهم وسنهم، ولا يتقاضَون أجراً مناسباً، وكذلك يتم حرمانهم من الحقوق العمالية والتأمين الصحي والإجازات.

وبيّن أن عمل الأطفال ينعكس على المجتمع من حيث السلوكيات السيئة التي يكتسبها بعض الأطفال العاملين مثل التدخين والمخدرات.

وقد دشّنت منظمة العمل الدولية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في عام 2002، لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة، ففي 12 حزيران/ يونيو من كل عام، يجمع اليوم العالمي الحكومات ومؤسسات أرباب العمل والعمال والمجتمع المدني، بالإضافة إلى ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم، لإلقاء الضوء على محنة الأطفال العاملين وكيفية مساعدتهم.

أحدث أقدم