Adbox

وفا- "وُجد ذيل الفأر، ولكن ماذا عن بقيته؟"، رغم أن هذا التساؤل طُرح بشكل تهكمي على لسان الكثير من المواطنين في اليومين الماضيين، إلا أنه يعكس حقيقة حالة السخط التي سادت بعد الكشف عن الجريمة التي اقتُرفت في أحد المخابز، وسط مدينة رام الله.

القصة بدأت حين عثر أحد المواطنين على ذيل فأر داخل قطعة خبز حين كان يتناول وجبة في أحد المطاعم، وأبلغ طواقم حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، فقامت بمتابعة الشكوى والتحقق منها، وتبين أن مصدر الخبز مخبز يقع وسط مدينة رام الله.

وبالفحص الميداني الذي أشرفت عليه طواقم من وزارتي الاقتصاد والصحة والضابطة الجمركية، اتضح أن المخبز يعمل في ظروف صحية سيئة جداً، وعُثر بداخله على صراصير وفئران، بسبب انعدام النظافة، وبما يشكله من خطر على سلامة المواطنين، كما تم العثور على مخبوزات غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

وإثر ذلك، أقرت جهات الاختصاص بوقف المخبز عن العمل، وإحالة القضية إلى نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية لاستكمال الإجراءات القانونية أصولاً.

وأغلقت مديريتا الصحة والاقتصاد الوطني وجهاز الضابطة الجمركية، فجر الجمعة، المخبز لمخالفته لشروط السلامة العامة وافتقاره إلى أدنى شروط السلامة الصحية والبيئية المطلوبة.

وأفادت "الضابطة الجمركية" بأنه تم ضبط 132 كغم من مواد تُستخدم للتحضير غير صالحة للاستهلاك بداخل المخبز.

القائم بأعمال مدير صحة محافظة رام الله والبيرة مهدي راشد، أوضح أن الوزارة تنشط في مجال المراقبة والتفتيش على صعيدين، الأول في إطار لجان السلامة العامة التي المُشكَّلة على مستوى المحافظات، والمكونة من عدة وزارات ومؤسسات، وتقوم بجولات مشتركة بشكل شبه يومي.

وعلى الصعيد الثاني، هناك فرق خاصة من وزارة الصحة تنظم جولات مباشرة تعنى بشروط السلامة الصحية الصحيحة، وتشمل جميع المنشآت التي تقدم خدمات تتعلق بصحة المستهلك وسلامته، كالمخابز والمطاعم ومصانع الغذاء والمتاجر ومطاحن القمح، وحتى متابعة عملية تصريف المياه العادمة.

وذكر راشد أن الشروط المطلوبة تختلف من منشأة إلى أخرى حسب طبيعة عملها، فالكشف على عمل المخبز يختلف عن محل البقالة على سبيل المثال، إلا أن هناك عوامل مشتركة، أبرزها النظافة والتهوية والمساحة المناسبة وظروف التخزين.

وشدد على أن النظافة مسألة نسبية، إذ يمكن أن يكون مقبولاً بالحد الأدنى وجود أوراق على أرضية متجر تجزئة أو بعض من طحين، إلا أن ذلك لا يمكن أن ينسحب على المطاعم أو المخابز، وتشديد الشروط يكون تبعاً لطبيعة عمل المنشأة ومدى ارتباط ما تقوم بإنتاجه أو ببيعه بصحة المستهلك.

وأضاف: "بشكل رئيس، تبقى النظافة أهم شروط السلامة العامة والصحة. وبالعودة إلى قصة المخبز، فإن ما شاهده أعضاء فريق التفتيش كان نتاجاً لعدم الالتزام بتنظيف المكان وتعقيمه".

وأشار القائم بأعمال مدير صحة محافظة رام الله والبيرة، إلى أن طواقم الوزارة التي تعمل بورديتين صباحية ومسائية، تأخذ عينات لإخضاعها للفحص المخبري بشكل يومي من مختلف المنشآت التي تزورها، سواء أكانت مطاعم أو مخابز أو مصانع.

وذكر أنه في بعض الأيام، يصل عدد العينات المسحوبة إلى 1000، ويتم إرسالها إلى مختبر الصحة المركزية لفحصها، وشدد على أن نسبة نجاح هذه العينات عالية جداً تصل إلى 96%.

ونوه في هذا السياق إلى أن الكشف عن مخبز مخالف أو غير ملتزم بالتعليمات لا يعني أن المخابز كافة كذلك، نحن نتابع رغم ارتفاع عدد المنشآت، صحيح أننا لا نعيش في المدينة الفاضلة، ولكن الصورة العامة ليست سوداوية، دون إغفال أن غالبية التجار يلتزمون بشروط الصحة والسلامة انطلاقاً من وازع ديني وأخلاقي.

بدوره، وصف مدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني إبراهيم القاضي، ما حدث بغير الاعتيادي، فما كُشف عنه ليس صفة سائدة في السوق الفلسطيني، إلا أن المخبز الذي تم إغلاقه يعد من أصحاب السوابق، إذ سبق أن أُغلق قبل عدة أشهر، لأسباب مشابهة.

وقال: "هذا المخبز له تاريخ سيئ، ولهذا السبب قد يكون الأمر اعتيادياً بالنسبة إليه، ولكنه في السوق الفلسطيني غير اعتيادي".

وبعد تكرار الحادثة في المنشأة نفسها، أوصت الإدارة العامة لحماية المستهلك نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية والبيئية، باتخاذ كل الإجراءات وإيقاع أقسى العقوبات بحقه، لأن هناك جريمة متكررة، كما قال القاضي لـ"وفا"، الذي طالب كذلك بإشهار اسمه في وسائل الإعلام، استناداً إلى  قانون حماية المستهلك، الذي منح الجهات القضائية صلاحية نشر أسماء التجار والمحلات المتورطة في جرائم من هذا القبيل.

وأضاف: "نأمل من المحكمة هذه المرة أن تقوم بنشر الحكم علانية، ليكون عبرة لغيره، وليكون معروفاً للمستهلكين الذين سيقاطعون المتجر ولن يقوموا بارتياده أو الشراء منه إن أعيد افتتاحه".

وذكر القاضي، أنه خلال العام الماضي، تمت إحالة 470 تاجرا إلى القضاء، ومنذ مطلع هذا العام، وصل العدد إلى أكثر من 240 تاجرا تمت إحالتهم إلى القضاء بتهم مختلفة، منها التزوير، وانتهاء الصلاحية أو عدم مراعاة الشروط الصحية، ومخالفات ذات علاقة بالأسعار.

وأشار إلى أن العقوبات هي من اختصاص جهاز القضاء الذي أصدر في العديد من القضايا أحكاماً رادعة خلال العام الماضي، وصلت إلى 3 سنوات سجن، أو فرض غرامة وصلت إلى عشرة آلاف دينار أردني.

وتابع القاضي: "هناك أحكام رادعة، ولكن أفضل ما يتوج به الحكم هو نشره في الصحف بالاسم الحقيقي وليس بالأحرف. يجب أن يكون اسم المنشأة معروفاً لدى المستهلكين. حين نعلن اسم المحل التجاري من خلال القضاء، سيعطي ذلك الأمان للمستهلك وسيكون عبرة لغيره من التجار بشكل عام".

وشدد القاضي على أن السوق الفلسطيني آمن ويخضع للرقابة، حيث تنفذ وزارة الاقتصاد الوطني من خلال الإدارة العامة لحماية المستهلك ما معدله 420 جولة تفتيش شهرية، ووصل عدد المحال والمنشآت التي زارتها طواقم التفتيش خلال العام الماضي إلى 38 ألف محل، فيما بلغ مجموع ما تم إتلافه من المواد الغذائية 4 آلاف طن، هذا فضلا عن السلع والبضائع الأخرى مثل الكوزماتيكس، وألعاب الأطفال، والبضائع، والمواد المخالفة.

كما تطرق إلى قرار صدر حديثاً بتنظيم جولات تفتيش مركزية في المدن الرئيسة، رام الله، والخليل، ونابلس، حيث يتم توزيع المفتشين في ثلاثة أيام من الأسبوع على هذه المدن فقط، لتنفيذ حملات تفتيش تطال كل المحال التجارية أو غالبيتها، على أن تليها جولات مماثلة في المحافظات الأخرى الأسبوع القادم.

وقال: "لا يمكن أن ندعي أن حملات التفتيش تغطي السوق بنسبة 100%، لأن هناك محال تفتح بشكل يومي، عدا عمليات التهريب التي لا تتوقف، والفضل في حالة المخبز آنفة الذكر يعود لتعاون المستهلك بإبلاغ طواقم حماية المستهلك بشكل مباشر بما رآه، وما تبع ذلك من سرعة تجاوب الأجهزة المختصة، إذ تم تشكيل دورية مشتركة مع الصحة والضابطة الجمركية بشكل مباشر وقمنا بضبط المخبز، فإنه دون تعاون المستهلكين لن نستطيع تغطية كل مخالف".

وبيّن إبراهيم القاضي أن عدد الشكاوى التي وصلت إلى الإدارة العامة لحماية المستهلك من خلال خط الشكاوى (129) أو بشكل مباشر للمديريات في مختلف المحافظات، وصل العام الماضي إلى 1200، معظمها حول جودة المواد الغذائية أو التلاعب بالأسعار.

وشجع على رفع الشكاوى، لما لها من دور في الوصول إلى المخالفين بشكل أسرع، وأكد أن ضبط السوق لا يمكن أن ينجح فقط بزيادة عدد مرات التفتيش أو تكرارها.

رئيس نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية والبيئية أشرف مشعل، أكد أن الجرائم من هذا القبيل وارد وقوعها بشكل عام، ويجب أن لا تسبب حالة رهاب ووضع الأمور في حجمها الصحيح والتعاطي معها ضمن الإطار القانوني المناسب، وصولاً إلى النتيجة الرادعة التي تكفل عدم تكرارها.

وقال: "يُفترض بأصحاب المصالح التجارية التي تقدم إلى المواطن خدمات كالطعام، مراعاة أفضل سبل النظافة والتخزين وأجودها، والأخطاء قد تحدث أثناء ذلك، وبالتالي يُمنح التاجر فرصة لتصويب وضعه، مع إحالته إلى المحكمة، وقد تكون الإجراءات في المرة الأولى ليست بالصرامة ذاتها في حال التكرار".

وفي حالة المخبز المغلق وسط رام الله، بين مشعل أنه يمثل حالة تكرار تستوجب التشدد في العقوبات، علماً أن المرة الأولى التي تم إغلاقه فيها ما زال ملفها منظوراً في المحكمة وقيد المحاكمة، والجلسات منتظمة ولم يصدر فيها بعد قرار قضائي.

وأكد أن نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية تتخذ كل الإجراءات كجهة تحقيق واتهام، وتسعى إلى الحصول على حكم قضائي رادع يشفي غليل المواطن، ويضمن حسن تقديم الخدمة إليه في المستقبل، سواء من المتهم نفسه أو من غيره. 

وذكر أن العقاب الرادع يكفله القانون الذي ينص على الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تتجاوز 10 سنوات، وغرامة تتراوح بين 5-10 آلاف دينار أردني، ومن يقرر الحكم بحده الأدنى أو الأقصى أو بالإدانة أو البراءة هو القاضي الذي يمثل ميزان العدالة، مستنداً إلى البينة المقدمة من النيابة العامة وتلك التي يقدمها الدفاع.

وأضاف أشرف مشعل: "في هذه الحالة، نحن نسعى كنيابة عامة إلى الحصول على العقوبة الأشد، لأن الردع يطال جانبين، الأول يخص المتهم نفسه، والآخر عام لردع الآخرين حتى لا تسول لهم أنفسهم ارتكاب الجريمة نفسها، وهذا هو الهدف من العقوبة".

وبين رئيس نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية، أن المخبز الكائن وسط رام الله يقع تحت إجراءات احترازية، ومنها الإغلاق المؤقت، وهو من صلاحيات النيابة ضمن إجراءات التحقيق، أمام الإغلاق الدائم، فهو بحاجة إلى قرار قضائي، ولا يقع ضمن صلاحيات أي جهة أخرى.

وقال في هذا السياق،  "نحن لا نسعى إلى عقاب المنشأة بقدر عقاب المسؤول عنها أو القائم عليها، والهدف من العقوبة ليس الإغلاق وإنما المحاسبة على الخطأ وتصويب الوضع في المستقبل، والإغلاق الكامل منوط بقرار محكمة، أو إذا تضمن حكم الإدانة قراراً بسحب رخصة الحرف والصناعات، وحينها لا يجوز إعادة فتح المحل بصفته السابقة".

وأوضح مشعل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، تمت إحالة 78 ملفاً إلى المحكمة في قضايا مشابهة بمحافظة رام الله والبيرة وحدها، وصدر بحق المدانين فيها أحكام بالحبس لـ3 سنوات أو 5، وغرامة بخمسة آلاف دينار أو عشرة، وفقاً لجسامة الجرم وتكراره.

وأكد أن الأساس من كل العملية القضائية هو الحصول على حكم قضائي والتشدد في الردع، ونوه إلى تعليمات النائب العام المستشار أكرم الخطيب التي تتمثل في متابعة الاختصاص كضابطة قضائية والتشديد على إجراء عمليات التفتيش والضبط أولاً بأول، وإحالة كل المخالفات إلى المحكمة والتشدد فيها.

وتابع: "يدنا مطلقة في التوقيف والإغلاق، ولا نتردد في اتخاذ إجراءات صارمة على أمل الوصول إلى تحقيق السلامة المفروضة علينا للمواطن".

وحول مسألة نشر أسماء المنشآت وأصحابها، بين مشعل أن القانون يجيز ذلك ولكن عندما يصدر قرار الإدانة، وليس خلال فترة التحقيق، وقال: "جرت العادة بنشر الأحكام ملحقة بأحرف ترمز إلى المدانين، ولكن من حقنا أن ننشر الأسماء كاملة، لأن ذلك يعتبر عقوبة أيضاً. في حال الإدانة مرحباً بالنشر ولكن قبل الإدانة يُمنع أن نتحدث بأية تفاصيل، لأن للمتهم الحق في العودة إلى الجهة التي تنشر اسمه أو منشأته بتهمة التشهير".

وحول طول فترة المحاكمة، أشار رئيس نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية إلى ضرورة احترام إجراءات المحاكم، ولا يوجد هناك محاكمات فورية، والمحكمة يجب أن تأخذ وقتها، ومن حق القاضي أن يستقر ضميره على العقوبة التي سيطلقها والحكم الذي يصل إليه.

وتعهد كرئيس للنيابة وباسم النائب العام، بأن ينصف المواطن الفلسطيني بحكم قضائي رادع.

أحدث أقدم