وفا-
بينما كانت أبقار المزارع قدري دراغمة ترعى في منطقة رعوية قرب "أبو
الفيران" المطلة على الغور الأردني، حضر أحد المستعمرين إلى أبناء دراغمة
أثناء رعيهم الماشية في المكان، وطالبهم بالمغادرة.
لم
يمهلهم طويلا، عندما حضر "مجلس المستعمرات" الذي يتصرف على رغبة
المستعمرين في البؤر الاستيطانية، واستولى على قرابة 80 رأس بقر من القطيع.
قصة
دراغمة تعكس صورة لما يعانيه مربو الماشية والمزارعون الفلسطينيون في الأغوار
الشمالية، فالرجل الذي يعرف في المنطقة الواقعة على مفترق طرق، بأنه صاحب قطيع بقر
يصل تعداده لحوالي 180 رأس بقر بالغ عدا عن نسلها، وجد نفسه مجبر على دفع قرابة
200 ألف شيقل؛ مقابل استرجاع جزء من تلك الأبقار.
فما
القصة؟!
بعد
أيام من استيلاء المستعمرين على الأبقار وصل لدراغمة إخطارا يفيد بضرورة دفع 49
ألف شيقل؛ لاسترجاع 19 رأس بقر من أصل 80 لدى الاحتلال.
فعليا،
دفع دراغمة المبلغ واستعاد أبقاره. لكن بعد أيام وصله إخطار آخر يفيد بضرورة دفع
مبلغ 144 ألف شيقل؛ لاسترجاع 48 رأس بقر.
"هذا
مبلغ كبير للغاية(..)، من المستحيل دفع مبلغ كهذا". قال دراغمة معلقا على
المبلغ الوارد في الإخطار.
خلال
90 عاما مضت، منذ أن كان والد دراغمة يعيش في المنطقة، لم نشهد غرامة مالية مثل
هذه، تقول العائلة المعروفة بأنها واحدة من عائلات محدودة لا زالت تربي الأبقار في
عين الحلوة.
"قديما
كانت الكلمة في الأغوار الشمالية في يد الإدارة المدنية وجيش الاحتلال(..)، كانت
الغرامات مقبولة لنزول رأس بقر إلى الطريق العام". قال دراغمة.
اليوم
الغرامة الباهظة التي فرضت على دراغمة، كانت بسبب أن الأبقار ترعى في منطقة جبلية
مكسوة بالأعشاب النابتة حديثا، ذاتها المنطقة، فإن أبقار المستعمرين ترعى يوميا في
المناطق الرعوية المفتوحة فيها.
لكن
هناك اختلاف جوهري حدث، فمجلس المستعمرات الذراع الحامي للمستعمرين، ومطرقتهم في
الأغوار أصبح هو صاحب التصرف.
قال
الناشط الحقوقي عارف دراغمة، إن مجلس المستعمرات أصبح يفرض الغرامات المالية على
الفلسطينيين.
أمس،
تواصل قدري دراغمة مع أحد تجار الماشية من داخل الأراضي المحتلة عام ٤٨؛ لبيع ما
تبقى من أبقاره. قال: "لم يعد لنا حياة هنا"
والرجل
الذي اعتاد على العيش في المنطقة، بدأت تدور في رأسه بشكل أكثر جدية أفكار الرحيل
من المنطقة، إلى مناطق أكثر أمنا.
منذ
أيام وما تبقى له من أبقاره حبيسة في حظائرها. وهذه ليست عملية مريحة للعائلة،
فبعملية حسابية بسيطة وتقريبية، تحتاج هذه الأبقار يوميا قرابة 1000 شيقل من طعام
وشراب.
"مبلغ
ضخم... بيع هذه الأبقار مربح أكثر من الوضع الحالي". قال الرجل.
فبينما
كانت أبقار الرجل تظل طيلة أيام العام في المراعي الواسعة في الأغوار الشمالية،
وكان يحضر لها المياه عبر الصهاريج أينما حلت، أصبحت بالتدريج حبيسة مناطق محصورة
ثم الحظائر.
ولتعويض
هذا النقص الحاد في المراعي الرعوية التي كانت تقدم الطعام المجاني للأبقار، صار
لزاما عليه إحضار الأعلاف بأسعار باهظة لإطعام تلك الأبقار المحصورة في الحظيرة.
قال
التقرير السنوي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي
والمستعمرين، نفذوا خلال العام الماضي، نحو 12161 اعتداءً بحق المواطنين
وممتلكاتهم في مختلف المحافظات، سُجلت 5308 اعتداءات منها بعد السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، في ارتفاع قياسـي في عدد الاعتداءات المسـجلة في عام واحد.
يؤكد
دراغمة الكلام ذاته، عندما قال لــ "وفا"، إن الاعتداءات موجودة طيلة
العام، لكن منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، زادت وتيرتها بشكل واضح.
وأضاف
دراغمة، أن الاحتلال فرض خلال العامين الماضيين ما يقارب 360 ألف شيقل على
الفلسطينيين في الأغوار الفلسطينية؛ مقابل الإفراج عن مركباتهم الخاصة ومعداتهم
الزراعية ومواشيهم، منها قرابة 220 ألف شيقل غرامة على الماشية.
اليوم،
أصبحت قصة قدري دراغمة الأكثر تعقيدا في الأغوار الشمالية، فالرجل الذي يمتلك سجلا
طويلا في الصراع مع المستعمرين بالأغوار الشمالية، يمتلك كفة الميزان المائلة من
القيمة الكلية للغرامات المالية المفروضة على الفلسطينيين.
فلم
يسبق أن فرض الاحتلال غرامة مالية بهذه القيمة، بعد الاستيلاء على ماشية، أو معدات
زراعية.