Adbox

«القدس العربي»: أكثر من 100 يوم مرت على الحرب الدامية التي تشنها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة، وما زالت المجازر التي تحصد أرواح المدنيين خاصة الأطفال والنساء تتواصل بذات الوتيرة العالية التي بدأت بها، في ظل تهديدات قادة الاحتلال بالاستمرار بالهجمات التي أعادت قطاع غزة إلى عشرات السنوات إلى الوراء، وهو أمر زاد من عدد النازحين الذين تركوا منازلهم، ويقيمون في خيام و«مراكز إيواء» تنتشر فيها الأمراض المعدية والخطيرة.

ورغم هذه الأيام الطويلة من الحرب التي لم يشهدها الفلسطينيون منذ بدء الصراع قبل أكثر من 75 عاما، إلا أن قوات الاحتلال تواصل شن الغارات بذات الطريقة التي بدأت بها، والتي تعتمد على استخدام القنابل ذات القوة التدميرية الكبيرة، والتي إلى جانب تدميرها عشرات آلاف المنازل، توقع ضحايا كثر في صفوف المدنيين خاصة الأطفال.

فما زال جيش الاحتلال يستهدف مناطق مدينة غزة وشمالها، والتي أعلن سابقا تراجع قواته البرية منها، بعد عملية توغل برية ارتكب فيها مئات المجازر، بعد أن حاصر الأحياء والمشافي، وأخرج سكانها كرهائن من منازلهم، وقام بإعدام العشرات منهم ميدانيا في الشوارع.

وسجل خلال الأيام الماضية قيام الطيران الحربي الإسرائيلي، بشن غارات على العديد من مناطق مدينة غزة وشمالها، وهي مناطق منكوبة تحولت بمعظمها إلى أكوام من ركام الخرسانة، بفعل القصف الجوي العنيف، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا، بينهم سكان كانوا يقيمون في منزل متعدد الطوابق في حي الدرج وسط المدينة، دمر فوق رؤوسهم، ما أسفر عن استشهادهم جميعا، فيما يؤكد المواطنون الذين بقوا في المدينة، أن جيش الاحتلال شن غارات كثيفة على مناطق جنوب المدينة على شكل أحزمة نارية، أدت إلى سقوط شهداء وإحداث تدمير كبير.

وفي مناطق وسط وجنوب القطاع، ما زالت العملية البرية التي ينفذها جيش الاحتلال تتواصل بعنف شديد، حيث تتوغل قوات الاحتلال في العديد من الأحياء الواقعة في المنطقة الوسطى، وتحديدا في مخيمات النصيرات والبريج والمغازي، والتي أجبرت غالبية سكانها على النزوح القسري إلى مدينة دير البلح التي لم تسلم من الغارات، وإلى مدينة رفح الواقعة على أقصى الحدود الجنوبية للقطاع.

وفي تلك المناطق وبعد أكثر من 100 يوم من الحرب، يؤكد من بقوا فيها أن جيش الاحتلال كثف خلال الأيام الماضية من شن غارات على شكل أحزمة نارية عنيفة، استهدفت الشوارع الرئيسية فدمرت البنى التحتية، كما استهدفت الكثير من المنازل والمربعات السكنية وسوتها بالأرض، وهو أمر أدى إلى سقوط مئات الشهداء والمصابين، بعد أن حولت تلك المناطق إلى ما أشبه بـ «مدن الأشباح».

وكان هذا الحال مشابها لما يحصل في مدينة خانيونس جنوب القطاع، حيث استمرت العملية البرية التي ينفذها جيش الاحتلال ضد الجزء الأكبر من المدينة الممتد من المناطق الشرقية حتى وسطها، بعد أن وسع نطاق التوغل بإجبار سكان أربعة أحياء جديدة على النزوح القسري، وذلك على وقع تكثيف الغارات الدامية.

ولم يكن الوضع الإنساني ولا الميداني هذا بعيدا عما تعيشه مدينة رفح، التي طلب جيش الاحتلال من سكان القطاع النزوح إليها، فتضاعف عدد سكانها مرات عدة، وبات حاليا يقطنها أكثر من 1.3 مليون نسمة، بعد أن كان عددهم يصل لنحو 300 ألف نسمة.

فرغم نزوح هذا العدد الكبير من كافة مناطق القطاع إلى مدينة رفح، بناء على طلب جيش الاحتلال، إلا أنها أولا لم تسلم من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت العديد من مناطق المدينة، فأوقعت عددا من الشهداء، كما لم تسلم ثانيا من تفشي الأمراض المعدية والخطيرة بين النازحين الذين يقيمون في الخيام أو أولئك الذين يقيمون في مراكز إيواء مكتظة.

كما أثقلت المنخفضات الجوية الأخيرة، وتدني درجات الحرارة، من أعباء الغزيين خاصة النازحين، فتأثرت مراكز الإيواء وأولئك الذين يقيمون في الخيام وحتى في المنازل المحطمة النوافذ، فاشتكى النازحون في الخيام من تسرب مياه الأمطار، فيما اشتكى الآخرون من السكان من الشعور بالبرد الشديد، جراء نقص الأغطية والملابس الشتوية، فيما اشتكى بشكل أكبر سكان مدينة غزة والشمال، من الشح الكبير في المياه الصالحة للشرب.

وتسببت الحرب حسب الإحصائيات الرسمية بنزوح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني بشكل قسري من منازلهم ومناطق سكنهم في القطاع دون توفر ملجأ آمن لهم، وهو عدد يمثل ما نسبته 85 في المئة من إجمالي السكان.

وفي دلالة على صعوبة الأوضاع التي يعيشها هؤلاء النازحون بسبب ظروف الحرب، نقل تقرير صادر عن «الأونروا» عن أحد موظفاته اللواتي يعملن في الخطوط الأمامية قولها «عملت مع الأونروا لمدة 13 عاما، بما في ذلك خلال الحروب وعمليات التصعيد السابقة، لكنني لم أشهد أبدا أي شيء مروع أكثر من هذه الحرب المستمرة».

 

تهديدات إسرائيلية

ورغم ذلك واصل قادة جيش الاحتلال تهديداتهم بتوسيع الغارات، وقد دللت على ذلك تلك التصريحات التي أطلقها قادة جيش الاحتلال بعد مرور 100 يوم على الحرب والتي توعدوا فيها باستمرار الهجمات العنيفة ضد القطاع، ومن بينها التهديد بالاستيلاء على الشريط الحدودي الفاصل بين جنوب قطاع غزة ومصر، والمسمى إسرائيليا «محور فيلادلفيا».

ونقلت تقارير عبرية عن الوزير آفي ديختر، قوله «إسرائيل ستسيطر على كامل المنطقة حتى الخط بين غزة ومصر» وأضاف «آمل جدا أن نفصل بين غزة ومصر وهذا يعني أن العبور من مصر إلى غزة ومن غزة إلى مصر يكون بالضبط كمن يعبر من الضفة إلى الأردن والعكس، لأنه دائما هناك في الطريق نقطة تفتيش إسرائيلية».

أما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فقال متوعدا «الحرب مستمرة حتى نحقق كل أهدافنا في إعادة المختطفين والقضاء على حماس وضمان عدم تشكيل غزة تهديدا لنا».

وهذا يعني في حال حدوثه أن دولة الاحتلال تريد أن توسع نطاق العمليات البرية لتصل إلى مدينة رفح، التي طلبت من سكان القطاع النزوح إليها، ما يعني أن هذه المدينة سيطالها ما شهدته باقي مناطق القطاع من مجازر دامية، سيسجل فيها سقوط ضحايا كثر، بسبب كثافة السكان.

وقال رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال في ظل الجهود التي تبذل لوقف إطلاق النار والتوصل إلى إنهاء الحرب الدامية «لن نسمح بمحاولات ابتزاز تستهدف وقف إطلاق النار في غزة» وأضاف «صادقنا على خطط لزيادة الضغط على حماس تهدف لتفكيك الحركة وإعادة الرهائن» وزعم أنهم فككوا الأطر التنظيمية لحماس في شمال غزة، وأنهم حولوا جهود الجيش المكثفة إلى وسط وجنوبي القطاع.

لكن رغم مزاعم قادة جيش الاحتلال وتهديداتهم لقطاع غزة، إلا أن نشاط المقاومة المسلحة استمر في الميدان، بما في ذلك مناطق غزة وشمالها، التي ادعى الجيش تفكيك المقاومة فيها، وسجل قيام نشطاء المقاومة بتنفيذ عمليات استهدفت القوات المتوغلة والاشتباك معها، وإحداث إصابات في صفوفها، علاوة على استمرارها في القتال بقوة ضد القوات الإسرائيلية التي تنفذ عمليات برية في وسط القطاع وفي مدينة خانيونس، حيث أقر جيش الاحتلال في الأيام الماضية بمقتل عدد من جنوده في تلك العمليات.

لكن رغم هذا الوعيد من قائد جيش الاحتلال، والذي يحاول من خلاله ترميم صورة جيشه بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي، والتي وجهت فيها المقاومة ضربة لمنظومة الأمن والاستخبارات، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية: «أن الجيش فشل في الاستخبارات وفشل في الدفاع، وكان مقتنعًا بأنه يعرف كل شيء ويفهم كل شيء وسيعرف كيف يتعامل مع كل شيء، وذلك بسبب الغطرسة في التفكير».

وأشارت إلى أنه بعد 100 يوم من الحرب «ما زالت إسرائيل بعيدة كل البعد عن هزيمة حماس، والقضاء على قادتها، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من غزة، بالإضافة إلى حل مشكلة حزب الله عند الحدود الشمالية».

 

إحصائيات مفجعة

 

وبدا أن الهدف من الحرب الإسرائيلية التي أشار الإعلام العبري إلى فشلها في تحقيق هدفها، هو إيقاع أكبر عدد من الضحايا والتدمير، فقد أشار إلى ذلك المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي أكد بعد 100 يوم من الحرب إن دولة الاحتلال ارتكبت «جرائم حرب مروعة» ضحيتها بمعدل 1000 فلسطيني من القطاع يوميا، في أكثر إحصائية دموية في التاريخ الحديث للحروب.

وذكر أن نحو 92 في المئة من الضحايا في غزة من المدنيين بمن فيهم 12345 طفلاً، و6471 امرأة و295 عاملاً في المجال الصحي و41 من عناصر الدفاع المدني و113 صحافياً.

وأشار في تقرير له أن إسرائيل تتعمد تدمير وإلحاق أضرار جسيمة بمرافق البنى التحتية في قطاع غزة وجعله منطقة غير صالحة للسكن، وهجماتها لم تستثن المرافق الصحية أو المدارس أو المساجد والكنائس.

فيما أعلنت مقررة حقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، أنه بعد 100 يوم من القصف في غزة الأطفال يموتون بسبب عدم كفاية الغذاء والوقود المسموح به، وقالت «لم أكن أعتقد أننا سوف نشهد المجاعة الجماعية في القرن الـ 21».

أما الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، فقال إنه بعد مرور 100 يوم على العدوان الإسرائيلي، الذي تعمد فيه الاحتلال مسح الأحياء السكنية بعوائلها، ما أدى إلى سقوط أكثر من 24 ألف شهيد، وإصابة أكثر من 60 ألف آخرين، علاوة عن آلاف المفقودين تحت ركام المنازل المدمرة، لافتا إلى أن ️70 في المئة من ضحايا العدوان الإسرائيلي هم من الأطفال والنساء، بعد أن ارتكب الاحتلال أكثر من 2000 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، فيما هناك 350 ألف مصاب بأمراض مزمنة بلا دواء، بسبب الحرب.

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أجبر تحت القصف والتدمير نحو 2 مليون فلسطيني على النزوح في ظروف قاسية وخطر المجاعة وانتشار الأمراض والأوبئة.

وقد طالب القدرة بعد هذه الأيام الطويلة من الحرب المؤسسات الدولية بإجراء تدخلات فاعلة ومركزة لمنع الكارثة الإنسانية والصحية بين النازحين، لافتا إلى أن المجتمع الدولي لم يفلح رغم طول مدة الحرب في توفير ممر إنساني آمن يضمن تدفق المساعدات الطبية وخروج الجرحى بعيدا عن قيود الاحتلال الإسرائيلي.

ودعا أيضا شعوب ودول العالم الحر لاتخاذ خطوات فاعلة وقادرة على وقف العدوان، كما طالب الأطراف الدولية بتوفير آليات جديدة تضمن ادخال وتدفق المساعدات الطبية والفرق الطبية والمستشفيات الميدانية ومغادرة الجرحى والمرضى للعلاج بالخارج.

وقد لفت أيضا إلى أن الاحتلال قتل منذ بداية الحرب 337 كادرا صحيا واعتقل 99 آخرين في ظروف قاسية، فيما استهدف 150 مؤسسة صحية وأخرج 30 مستشفى و53 مركزا صحيا عن الخدمة وتدمير 121 سيارة إسعاف.

وفي هذا السياق قال الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة هشام مهنا، إنه في قطاع غزة يدخل الرجال والنساء والأطفال والشيوخ عام 2024 محاطين بالركام واليأس، لافتا إلى «الأعمال العدائية» المكثّفة على مدار أكثر من ثلاثة أشهر في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان حول العالم، أدت إلى قتل عشرات الآلاف وإحداث تدمير بشكل لم يسبق له مثيل.

وقد أشار إلى تيتم عدد لا يُحصى من الأطفال، كما فقد هؤلاء مدارسهم التي يتعلمون ويلعبون فيها، وقال وهو يصف حالهم «لا طعام كافٍيا لهم، ولا مياه شرب أو رعاية طبية، ولا كهرباء لإضاءة عتمة لياليهم» وأضاف «أعدادٌ لا حصر لها من الأسر فقدت منازلها، ولم يعُد لها مكان للعودة إليه. يقضي آلاف الأشخاص في غزة والضفة الغربية أياماً وليالي يتساءلون عن مصير أحبائهم الذين فُقدوا وعن أماكن تواجدهم» وطالب ببذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين، ولحماية العاملين في المجال الطبي والمرافق الطبية، ولاستعادة الخدمات المنقذة للحياة، وطالب باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لضمان عدم تعرّضهم لأي أذى، وتابع «كل يوم، تفقد الإنسانية معناها أمام حجم المعاناة. كل يوم، هناك فرصة لأداء عملٍ أفضل، كل يوم يمكن أن يُحدث فارقاً في حياة أحدهم في غزة».

أحدث أقدم