Adbox

جريدة الأيام - أجبرت المجاعة القاتلة التي يتعرض لها مواطنو شمال قطاع غزة منذ أسابيع بسبب العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصل والمشدد منذ خمسة شهور، معظم المواطنين للجوء لخيارات قاسية وقاتلة ومن ضمنها الخروج في رحلة محفوفة بالمخاطر الجسيمة للحصول على كمية قليلة من الطحين والمواد التموينية الشحيحة.

ومع يأس المواطنين من إمكانية سماح قوات الاحتلال بإدخال المساعدات لوسط المنطقة وتوزيعها كما يحصل في مناطق جنوب القطاع، ومع اشتداد المجاعة، زادت أعداد المواطنين الذين يهرعون ويتوافدون لمنطقة إفراغ الشاحنات بمحاذاة تجمع للدبابات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية للمنطقة من جميع أحياء المنطقة التي تم تدميرها بشكل كامل.

وتبدأ رحلة الموت كما يسميها المواطنون مع ساعات الصباح الباكر، بتوجه عشرات آلاف المواطنين، سيراً على الأقدام او من خلال التكاتك وعربات الكارو والقليل من السيارات للمنطقة، حيث يقطع البعض منهم مسافة عشرة كيلومترات، خصوصاً من يقطنون في بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا.

وتنتهي الرحلة والمغامرة بالعادة بعدم حصول الغالبية العظمى من هؤلاء على أي مساعدة بسبب محدودية المساعدة وسيطرة بعض العصابات والافراد المسلحين على الكميات القليلة التي يسمح الاحتلال بادخالها وافراغها بالقرب من مواقعه العسكرية.

وتستغرق الرحلة والتي تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً نحو عشر ساعات تنتهي باطلاق قوات الاحتلال النار على الجموع التي تملأ شارع الرشيد بدء من منطقة الشاليهات جنوباً وحتى مفترق مطعم النابلسي شمالا و"هي المنطقة التي تقابل تمركز قوات الاحتلال شمال منطقة تل الهوى".

وعادة ما يؤدي إطلاق النار الإسرائيلي الى استشهاد وإصابة العشرات واعتقال المئات وترحيل الآلاف الى مناطق الجنوب، حيث تقوم قوات خاصة بمحاصرة المواطنين واقتيادهم الى منطقة الجنوب بعد ان تقتل وتجرح العشرات منهم.

وعمدت قوات الاحتلال خلال اليومين الأخيرين على تأخير ادخال الشاحنات المحملة بالطحين الى وقت متأخر من الليل لزيادة معاناة المواطنين الذين يصرون على الانتظار في المحاور والطرق المتوقع ان تسلكها الشاحنات كما هو الحال مع المواطن احمد رمضان والذي اعياه الانتظار الطويل في البرد القارس.

وقال رمضان في منتصف الثلاثينات من عمره انه اضطر اول من امس للانتظار من الساعة الثامنة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً للحصول على كيس طحين زنة 25 كلغم.

ومع انعدام أية وسيلة مواصلات في هذا التوقيت بسبب المخاوف الأمنية وتدمير الطرق، اضطر رمضان الى العودة لمنزله الذي يبعد عن مكان حصوله على الطحين نحو 6 كلغم سيراً على الأقدام.

وبالرغم من وصف رمضان البحث عن الطحين بالمغامرة والرحلة القاتلة، الا ان عائلته استقبلت كيس الطحين بالزغاريد والتهليل والتكبير وسط أمنيات الأُسر المجاورة بالحصول على نفس المساعدة.

وفي الوقت الذي حظي فيه رمضان بكيس طحين قد يكفي اسرته عشرة أيام، فشل آخرون في الحصول عليه رغم ترددهم على المنطقة لأيام عدة، كما هو الحال مع الشاب محمد حمدية والذي اشتكى من ممارسة العديد من الافراد والجماعات التي تقوم هناك بابتزاز المواطنين الذين يتمكنون من الحصول على كيس طحين واحد وتهديدهم عند حصولهم على كيس طحين ويقومون بتخليصه منه تحت تهديد السلاح الأبيض والناري.

وقال حمدية انه حاول الحصول على كيس واحد ولكن تهديد بعض المواطنين والافراد له حال دون حصوله عليه، داعياً الى اعتماد آليات تضمن وصول الطحين واي شيء آخر الى المواطنين والمناطق الأكثر امناً داخل المنطقة التي تضم محافظتي غزة والشمال.

وعلمت "الأيام" ان كمية الطحين التي دخلت الى منطقة الشمال منذ السبت الماضي لم تكن من ضمن المساعدات التي تدخل للقطاع، بل هي عبارة عن تجارة من خلال بعض التجار الذين يشترونه من مصر ويبيعونه لتجار متواجدين في منطقة شمال غزة.

وأضافت مصادر مطلعة انه تم إبلاغ بعض التجار المعتمدين والمسموح لهم باستيراد البضائع من مصر بالسماح لهم بتوريد الطحين للقطاع حيث قام هؤلاء بدورهم بالتواصل مع تجار محليين في شمال غزة بأنهم على استعداد لبيعهم الطحين من مصر وتوصيله الى منطقة شمال القطاع بشرط قيامهم بتأمين الشاحنات بعد تجاوزها للحاجز الإسرائيلي دون تدخل شرطة حماس.

وحتى الآن فشل التجار بتأمين الشاحنات على مدار الأربعة أيام الماضية حيث يضطر سائقو الشاحنات لإفراغ الحمولة بعد اجتيازهم حاجز قوات الاحتلال مباشرة بسبب اندفاع جموع المواطنين الجياع للمنطقة واعتلائهم الشاحنات ونهب الطحين.

وقال أحد التجار لـ"الأيام" إن ما يدخل للقطاع خلال الأيام الأخيرة لا يندرج تحت إطار المساعدات بل هو في إطار التجارة الطبيعية بين تجار من القطاع ومصر.

وأضاف التاجر الذي فضل عدم ذكر اسمه ان تجاراً محليين يقومون بعملية إدخال الطحين مقابل 300 شيكل للكيس الواحد أي بعشرة أضعاف سعره الحقيقي وعلى الرغم من ذلك لا يصل الى التاجر المشتري في شمال غزة.

وأستبعد التاجر ذاته ان يتمكن أي احد في المنطقة من تأمين الشاحنات دون تدخل من شرطة حماس بسبب محدودية ما يدخل من بضاعة والتي لا تتجاوز خمس شاحنات يومياً بحمولة لا تزيد على خمسة أطنان للشاحنة الواحدة، بالإضافة الى الأعداد الهائلة من المواطنين التي تخرج للحصول على المساعدة وهلعهم وقلقهم البالغ من عدم حصولهم على الطعام.

وتصر قوات الاحتلال حتى اللحظة على عدم إدخال أي نوع من المساعدات الى منطقة شمال غزة التي تتعرض لمجاعة أدت الى وفاة العشرات بسبب الجوع.

أحدث أقدم