مَركبات عسكرية إسرائيلية في الجانب الغزاوي من معبر رفح بجنوب قطاع غزة في لقطة مأخوذة من مقطع فيديو نُشر في 7 مايو 2024 (رويترز) |
الشرق الأوسط - تصاعدت حدة التوتر على الحدود المصرية - الإسرائيلية، مع إعلان تل أبيب سيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر «رفح»، وبينما حذّرت القاهرة من عواقب ذلك، مطالبة إسرائيل بالابتعاد عن سياسة «حافة الهاوية»، أثيرت تساؤلات بشأن تأثير «اقتحام رفح» على معاهدة السلام بين الجانبين، الصامدة منذ عام 1979.
وأدانت مصر بـ«أشد العبارات» العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من «سيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر».
وي حين عدّت مصر، في إفادة رسمية عن وزارة الخارجية المصرية، التصعيد «تهديداً خطيراً لحياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتماداً أساسياً على معبر رفح»، دعت الجانب الإسرائيلي إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى»، مشيرة إلى أن «هذه السياسة من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة».
وطالبت مصر جميع الأطراف الدولية المؤثرة بـ«التدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة».
وكان راديو الجيش الإسرائيلي، أفاد الثلاثاء، بأن قوات إسرائيلية سيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه «سيطر من الناحية التشغيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح على الحدود مع مصر»، مضيفاً أن «القوات الخاصة تمشط المنطقة».
ويفرّق الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، بين نوعين من التهديد لمعاهدة «السلام» بين مصر وإسرائيل، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تهديد مباشر بمعنى تواجد جنود إسرائيليين في أراضٍ مصرية، وتهديد غير مباشر يشكل خطراً على الأمن القومي للبلاد».
وأضاف فرج: «تواجد إسرائيل في الجانب الفلسطيني من معبر رفح يدخل تحت بند التهديد غير المباشر، والذي يتيح لمصر خيارات عدة، أقصاها تجميد معاهدة السلام».
وعدّ أستاذ القانون الدولي العام والخبير في النزاعات الدولية، الدكتور محمد محمود مهران، سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح «انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فضلاً عن كونه خرقاً صارخاً لاتفاقية السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 وملاحقها الأمنية».
وقال مهران، في تصريحات صحافية، الثلاثاء، إن «إدانة مصر للعمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، تعكس إدراك القاهرة العميق لخطورة هذا التصعيد غير المسبوق على الأمن الإنساني للفلسطينيين، كما تؤكد حرصها على منع انهيار الجهود الدبلوماسية المكثفة للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد في غزة»، مشيراً إلى أن تلك الهدنة «باتت مهدّدة بالانهيار في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير».
وتسعى تل أبيب إلى «استفزاز مصر والإضرار بمفاوضات الهدنة التي وافقت حركة (حماس) على بنودها أخيراً»، بحسب مهران، الذي أكد أن «الأفضل عدم الرد والاستمرار في المفاوضات، وامتصاص الموضوع، مع الاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين».
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي تسعى مصر وقطر والولايات المتحدة، إلى إنجاز اتفاق «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، وأعلنت حركة «حماس»، مساء الاثنين، موافقتها على اقتراح قدمته مصر وقطر لوقف إطلاق النار في القطاع، لكن إسرائيل تمسكت بتنفيذ مخطط اجتياح رفح.
ورأى اقتحام القوات الإسرائيلية لرفح «انتهاكاً للمادة الأولى من اتفاقية السلام التي تحظر اللجوء للقوة أو التهديد ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي من الطرفين». وقال إن «اجتياح إسرائيل رفح بقواتها وإدخال المعدات العسكرية الثقيلة، يُعدّ خرقاً فاضحاً للمادة الرابعة من الاتفاقية التي نصّت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية - الإسرائيلية»، محذراً من أن «تصاعد وتيرة هذه الانتهاكات يهدد مستقبل معاهدة السلام برمتها، ويمنح مصر الحق القانوني في تعليق العمل بها أو الانسحاب منها وفقاً لأحكام القانون الدولي».
ووقّع الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن معاهدة سلام في 26 مارس (آذار) 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر. ونظمت في فقرتها الثانية ضمن ما يسمى بـ«الحدود النهائية» الأنشطة العسكرية في سيناء ورفح، حيث تم تقسيمها إلى أربع مناطق (أ، ب، ج ،د).
ويوضح خبير الأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد، أنه «وفقاً لاتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، ولبروتوكول المعابر الأمني الموقّع عام 2005، فإن أي زيادة في حجم أو نوع القوات في المنطقة الحدودية (د)، يتطلب تنسيقاً بين الجانبين، وإلا عُدّ خرقاً للاتفاق»، مشيراً إلى أن «مصر سبق ونسقت لزيادة عدد القوات في سيناء خلال حربها على الإرهاب».
وعام 2021 أعلنت مصر وإسرائيل تعديلاً في معاهدة السلام يعزز وجود الجيش المصري في رفح، وهو التعديل الأول في مسار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وبحسب المعاهدة يوجد بالمنطقة (د) قوة محدودة إسرائيلية مكونة من أربع كتائب مشاة، وأجهزتهم العسكرية والتحصينات وقوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة، وهي تمتد بعمل 2 كليو ونصف الكيلو من شرق مدينة رفح الفلسطينية إلى إيلات، ولا تقتصر على «محور فيلادلفيا» والذي يصل أقصى عرض له إلى نصف كيلو فقط.
وأكد عبد الواحد، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في جميع الأحوال فإن وجود القوات الإسرائيلية في المنطقة الحدودية يشكّل خطراً على الأمن القومي المصري»، لكنه أشار إلى أن «المسألة تخضع لحسابات سياسية وإقليمية تحددها القيادة السياسية بشأن كيفية التعامل مع الأمر».
وبشأن خيارات مصر في التعامل مع هذا التهديد، أشار مهران إلى «أهمية تقديم شكوى رسمية أمام مجلس الأمن الدولي لإدانة الاعتداءات وحثّ إسرائيل على وقف أعمالها العدائية، فضلاً عن إمكانية عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية لتنسيق المواقف الإقليمية والدولية الضاغطة على تل أبيب»، إضافة إلى «إمكانية تفعيل اللجنة المشتركة المنصوص عليها في اتفاقية السلام أو اللجوء لآليات فضّ المنازعات كالتحكيم الدولي لإجبار إسرائيل على الامتثال لالتزاماتها القانونية».
بينما لفت عبد الواحد إلى أن «مصر لديها خيارات عدة للتعامل مع هذه المسألة، تصل إلى حدّ تجميد معاهدة السلام أو إلغائها، واتخاذ أي إجراء تجده مناسباً للدفاع عن أمنها القومي».
لكن الخبير العسكري المصري يرى أن «الأولى في مثل هذه الحالات هو ضبط النفس وعدم الانسياق خلف الاستفزازات الإسرائيلية»، مستشهداً بما «فعلته الولايات المتحدة قبل سنوات عدة، عندما أسقطت إيران طائرة من دون طيار تابعة لها فوق الخليج العربي، ولم ترد واشنطن لأنها لا تريد تصعيد النزاع مع طهران».
ومنذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي أصبح «محور فيلادلفيا» موضوعاً للشد والجذب بين مصر وإسرائيل، إثر تصريحات إسرائيلية ألمحت إلى رغبتها في «السيطرة على الشريط الحدودي». وحذّر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، في وقت سابق، من أن إعادة احتلال «محور فيلادلفيا» (صلاح الدين) سيؤدي إلى «تهديد خطير وجدِّي للعلاقات المصرية – الإسرائيلية»، معتبراً ذلك «خطاً أحمر يضاف إلى الخط المعلن سابقاً بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة». وشدد على أن مصر قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين، ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار.