جريدة الأيام - ما زالت معاناة المواطنين من سكان قطاع غزة تتفاقم، مع استمرار إجبارهم على النزوح والتنقل من منطقة إلى أخرى، خاصة السكان والنازحين المقيمين في محافظة خان يونس، بعد إجبارهم على النزوح، وزجهم في مناطق صغيرة مكتظة، وسط ظروف إنسانة قاسية وصعبة.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من منطقة مواصي خان يونس، التي تشهد موجات نزوح مُستمرة منذ أكثر من 8 أيام، ورصدت مشهداً تحت عنوان: "إخلاء قسري جديد ومعاناة متفاقمة"، ومشهداً آخر يرصد كيف يتقاسم النازحون الخيام والقليل من الماء، ومشهداً ثالثاً بعنوان: "المنطقة الإنسانية.. تقليص متواصل ومجازر لا تتوقف".
إخلاء قسري ومعاناة متفاقمة
بعد مرور أقل من أسبوع على إجبار الاحتلال أكثر من ربع مليون مواطن على إخلاء مساكنهم في مناطق شرق ووسط محافظة خان يونس، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة للمرة الثانية، تضمنت مناطق واسعة من أحياء جنوب خان يونس، وشمال رفح، جنوب قطاع غزة.
وشملت عمليات الإخلاء الجديدة 27 مربعاً سكنياً، تقع ضمن أراضي بلدات: المنارة، والسلام، والحشاش، وجورة اللوت، وقيزان النجار، وقيزان أبو رشوان، ومصبح، ومناطق أخرى.
وتكرر المشهد ذاته في تلك المناطق، إذ شرع مواطنون ونازحون بالفرار من بيوتهم، وخيامهم، ومراكز الإيواء التي يقيمون فيها، دون أن يعلم معظمهم أين يتوجهون.
وشُوهد مواطنون يحملون أمتعتهم على مركبات، أو دراجات "توك توك"، ومعظمهم يسيرون على الأقدام، متجهين إلى مناطق مواصي محافظة خان يونس.
وقال المواطن إسماعيل حسني، إنه نزح من محافظة رفح أواسط شهر أيار الماضي، وأقام في بيت أقاربه بمنطقة قيزان النجار جنوب محافظة خان يونس، وكان كل همه وخوفه ألا تتكرر تجربة النزوح، لكن للأسف ما كان يخشاه حدث.
وأكد أنه سارع وأفراد عائلته بحزم أمتعتهم، لكنه لم يجد أي وسيلة مواصلات تقله إلى المواصي، فقرروا أن يغادروا المنطقة سيراً على الأقدام، خوفاً من أن يتم استهدافهم بواسطة الطائرات المُسيّرة "كواد كابتر"، كما حدث مع سكان مناطق شرق ووسط خان يونس قبل عدة أيام.
وأشار إلى أن تكرار النزوح بات أمراً مرهقاً ومتعباً، فكلما شعر النازحون ببعض الاستقرار، أجبروا على النزوح مجدداً، والمشكلة أن جيش الاحتلال يوجههم إلى مناطق مكتظة بالنازحين، ولا يوجد فيها موطئ قدم.
بينما قال المواطن سعيد نصر، إنه ترك منزله للمرة الثانية في منطقة قيزان أبو رشوان، واتجه إلى منطقة المواصي، وبالكاد استطاع توفير وسيلة مواصلات تقله وعائلته وبعض الحاجيات الضرورية، ومعهم خيمتهم، التي لا يعرفون أين سيضعونها.
وبيّن نصر أن المشهد في مناطق جنوب خان يونس مأساوي، فالمواطنون يفرون من منازلهم بشكل جماعي، والخوف والرعب ظاهر على وجوههم، ولسان حالهم يقول: وين بدنا نروح".
ولفت إلى أنه وغيره من المواطنين تركوا بيوتهم وأثاثهم، وحاجياتهم في المنازل، ولا يعرفون إن كانت ستبقى ليعودوا إليها، أم سيتم تدميرها كما حدث مع معظم العائلات في السابق.
يتقاسمون الخيام والقليل من الماء
أسهمت موجات النزوح المتعاقبة، وعدم وجود مأوى للعائلات النازحة، في زيادة التلاحم الاجتماعي بين النازحين، وقيامهم بتقاسم ما أمكن من الموارد المتاحة.
وتقاسم مواطنون الخيام والماء والطعام مع نازحين جدد، لا يتوفر لهم مأوى، ولا يعرفون أين يتوجهون.
وقال المواطن عبد الكريم حسان، إنه أقام خيمة في منطقة المواصي بعد أن نزح من محافظة رفح، بداية شهر أيار الماضي، ومع الوقت أضاف لها توسعة صغيرة، يستخدمها كبديل للمطبخ، وعند حدوث موجات النزوح الأخيرة، لاحظ أن عائلة مكونة من أب وأم وأربعة أبناء ينامون في الشارع ليومين متتاليين، فتوجه للوالد وأخذه معه إلى خيمته، واتفقوا على أن تنام النساء والأطفال في الخيمة، وينام الرجال في التوسعة الجديدة، بعد أن قاموا بتجهيزها، لحين يجد الرجل مأوى لعائلته.
وذكر حسان أنه لا يوجد أي رابط عائلي ولا سابق معرفة مع الأسرة، ورغم الضيق الذي يعيشه وأسرته، إلا أنه رفض أن يتركهم ينامون في الشارع، مبيناً أنه تقاسم معهم الماء الشحيح، والفراش القليل، ويثق بأن الناس في هذا الوقت العصيب، بحاجة إلى التلاحم والتآزر، حتى يتمكنوا من تجاوز هذه المحنة العصيبة.
من جهته، قال المواطن أسعد عليان، إنه نزح من شرق خان يونس، وكان لا يعلم أين يتوجه، وبينما كان في قمة الحيرة، تفاجأ باتصال من أحد جيرانه السابقين في رفح، وسأله أين سيتوجه، وحين أخبره بعدم وجود مكان يمكن أن يؤويه، طلب أن يجلب عائلته ليقيموا معه في نفس الخيمة، موضحاً أنهم توجهوا إليه، وتقاسم معه كل شيء، ويتعاونون لجلب الماء، وترتيب الخيمة، وتوسيعها، لتكفي العدد الكبير المتواجد فيها.
وأشار عليان إلى أن ما فعله معه جاره كان معروفاً كبيراً، فلولاه لنام وعائلته في الشارع، فمن أصعب الأشياء حالياً إيجاد مكان لإقامة خيمة، ولولا التآزر بين الناس، لكان الوضع أصعب بكثير.
ونوّه إلى أن الكثير من الخيام المكتظة استقبلت نازحين جدداً، والناس ممن كانوا في الشوارع جرى استيعابهم في خيام مكتظة، آملاً بأن تحدث انفراجة في القريب العاجل.
تقليص المنطقة الإنسانية
مع مرور الوقت، اتضح أن إعلان الاحتلال بوجود مناطق إنسانية آمنة في جنوب ووسط قطاع غزة، مجرد ادعاء كاذب لا أساس له من الصحة، وأن تلك المناطق شهدت أكبر المجازر، وأكثرها دموية.
ومنذ الاثنين الماضي، قلّص الاحتلال مساحة ما تسمى "المنطقة الإنسانية"، مرتين؛ الأولى بعد إخراج مربعات السطر والكتيبة، والمحطة، والبلد منها، وتصنيفها على أنها غير آمنة، والمرة الثانية، أول من أمس، بعد إخراج 27 مربعاً جديداً من المنطقة المذكورة، وإخلاء السكان والنازحين منها، وإجبارهم على النزوح باتجاه مواصي خان يونس.
وتسبب التقليص المتواصل لتلك المنطقة، في تقليل مساحتها، وضغط المواطنين في مساحة صغيرة.
ووفق جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، فإن الإخلاءات المتكررة، وتقسيم القطاع إلى مربعات، ومساحات غير آمنة، وآمنة، والعودة إلى إلغاء المناطق الإنسانية، ما هو إلا شكل من أشكال زيادة الضغط على سكان القطاع، وزيادة الازدحام في ظل الكثافة البشرية المرتفعة.
وأكد الدفاع المدني أن المساحة التي يدعي الاحتلال أنها آمنة تقلصت، أول من أمس، ووصلت إلى 40 كم2، من أصل 65 كم2 أعلنها بداية العملية البرية في رفح، والآن يتواجد فيها أكثر من 1.5 مليون شخص، في ظل تكدس غير مسبوق.
وأوضح أن هذه المنطقة ليست آمنة كما يدعي الاحتلال، فقد وقعت فيها 15 مجزرة حتى الآن، أسفر عنها سقوط 312 شهيداً و624 مصاباً جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
وأكد مواطنون أنهم مُجبرون على التوجه إلى تلك المنطقة، بعد أن طلب منهم الاحتلال إخلاء منازلهم، لأن البقاء في المربعات التي جرى إنذارها يعني الموت المُحقق.
وقال المواطن زكي عبد الكريم، إنه أُجبر على النزوح من منزل يقيم فيه في مناطق جنوب خان يونس، واضطر إلى التوجه لمنطقة المواصي، ولا يعلم أين سيتوجه، وهو على يقين بأن ما يحدث هو تعذيب متعمد للمواطنين في قطاع غزة، يهدف إلى مفاقمة معاناتهم، ويدرك أن منطقة المواصي ليست آمنة، وأن المواطنين فيها عرضة للمجازر في أي لحظة.