الايام - دخل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أمس، يومه الـ333 على التوالي، بمزيد من الجرائم والمذابح الإسرائيلية، وتفاقم معاناة النازحين والمواطنين، وزيادة وقع المجاعة.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والقصف والمعاناة في قطاع غزة، منها مشهد يرصد عودة طائرات المساعدات بعد غياب نحو شهرين، ومشهد آخر تحت عنوان "دخلوا رفح واختفت آثارهم"، ومشهد ثالث تحت عنوان "عام دراسي آخر مهدد بالضياع".
عودة طائرات المساعدات
عادت طائرات المساعدات وحلّقت فوق ما تسمى "المناطق الإنسانية"، غرب محافظتَي خان يونس ووسط قطاع غزة، وألقت كميات من المساعدات على خيام النازحين، بعد أن اختفت لأكثر من شهرين.
واستقبل المواطنون الطائرات المذكورة، التي غابت أسابيع طويلة، بفرحة وتهليل، وهم ينتظرون إسقاط المساعدات، إذ أسقطت طائرة واحدة 10 صناديق على المناطق الشمالية الغربية من محافظة خان يونس، وتحديداً منطقة "أصداء"، وتهافت الآلاف باتجاهها للحصول على المساعدات.
وقال المواطن عمر حسنين: إن المخيم بأسره شعر بفرحة كبيرة لمجرد رؤية طائرات المساعدات تحلّق في الأجواء، وراح الجميع ينتظرون سقوط الصناديق على الأرض، من أجل الحصول على بعض المساعدات.
وعبّر حسنين عن أمله بأن تكون العودة الجديدة لطائرات المساعدات مستمرة، وأن يتم إسقاط المساعدات كل يوم، فحال النازحين في الخيام وصل إلى مستوى صعب، والجميع يفتقدون مقومات الحياة الأساسية.
وأشار إلى أنه ومنذ مشاهدة طائرات المساعدات تصل من جديد، بات عشرات الفتية والأطفال يجلسون في الشوارع، وقرب الأراضي المفتوحة، على أمل أن تصل طائرات جديدة وتسقط مساعدات، وأن يحظوا بكميات ولو قليلة منها.
وطالب مواطنون بوضع إستراتيجية جديدة للمساعدات المُسقطة جواً، عبر أمرين: الأول إسقاطها في مناطق خالية، حتى لا تسقط على الخيام، وتؤذي أصحابها، كما حدث سابقاً. والثاني تشكيل لجنة من الشباب في كل مخيم، مهمتها جمع كل المساعدات التي تسقط على الأرض، وإعادة توزيعها على الجميع وفق نظام عادل، فالبعض يحصلون على كميات كبيرة، والغالبية يُحرمون منها.
وبيّن المواطن إبراهيم جبريل أن المساعدات المسقطة جواً تكون فقط للأسرع وصولاً أو الأكثر قوة، والضعفاء يحرمون منها، لذلك يجب أن يتم توزيعها بشكل أكثر عدالة.
وأوضح جبريل أن هناك مشكلة كبيرة في وصول وتوزيع المساعدات على النازحين، فهي باتت لا تصل مطلقاً من معبر كرم أبو سالم، والكميات التي تسقطها الطائرات في العادة قليلة ومحدودة، ولا تفي بالحاجة، والمطلوب إدخال المساعدات على نحو حقيقي وفعال، خاصة بعد فشل مشروع الميناء الأميركي العائم، وتفكيكه، وقد كان مخصصاً لإدخال المساعدات للقطاع.
دخلوا رفح واختفت آثارهم
باتت مشكلة المفقودين من أكبر وأعقد المشكلات التي تواجه المواطنين، خاصة الذين فقدت آثارهم داخل مناطق الاجتياح أو بالقرب منها ولم يعثر عليهم، ولا حتى على جثامينهم، أو رفاتهم.
وفي ظل الوضع الحالي يواجه ذوو المفقودين صعوبات في البحث عن أبنائهم، فلا توجد جهة تتبنى البحث، وسط صعوبات في الوصول إلى مناطق الاجتياح.
وقال المواطن حازم سليم: إن صديقه أحمد الصبيحي دخل حي التنور قبل نحو أسبوع ليتفقد منزله، علماً أن الحي خالٍ من قوات الاحتلال منذ عدة أسابيع، ومنذ ذلك الحين لم يعثر عليه، ولا حتى على جثته، وآخر مرة شوهد فيها وهو على مشارف الحي عائداً إلى بيته.
ولفت سليم إلى أن أقرباءه غامروا ودخلوا الحي وفتشوا في كل مكان، وساروا نفس الطريق التي يسلكها المفقود باستمرار لكن من دون فائدة.
وأوضح أنهم توجهوا إلى جهات عدة، منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأبلغوا باختفاء ابنهم، ولم يحصلوا على أي نتائج حتى الآن، ولا يعرفون عنه شيئاً.
من جهتهم، أكد أقرباء المواطن عبد الرحمن عيسى، من سكان حي تل السلطان في رفح، أن آثاره فقدت ولم يُعثر عليه، وقد نشروا مناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجهوا إلى كل الجهات من أجل المساعدة في العثور عليه لكن دون فائدة، وما زالت عملية البحث مستمرة حتى الآن.
أما المواطن خميس فوجو فقال: إن ابنه محمد مفقود منذ أكثر من 7 أشهر إبان اجتياح محافظة خان يونس، ولم يُعثر عليه، ولا على جثته، ولا يُعرف مصيره حتى الآن، وكأن الأرض شُقت وابتلعته.
وذكر مواطنون ونشطاء أن مصير المفقودين يكون ضمن 4 احتمالات: الأول ربما جرى قتلهم، وتركت جثامينهم في الشوارع، ولاحقاً يتم العثور على جثامينهم. والثاني تم قتلهم من قبل جنود الاحتلال وسرقة جثامينهم، وربما تتم إعادتها لاحقاً من دون معالم يمكن أن يتعرف من خلالها ذووهم عليهم، ودفنوا في مقابر جماعية، وبقيت عائلاتهم لا تعرف عنهم شيئاً، وهذا حدث مراراً وتكراراً. والاحتمال الثالث أنهم استشهدوا ودفنتهم جرافات الاحتلال، دون أن يعرف أحد مكان دفنهم. وأخيراً أن يكونوا تعرضوا للاعتقال، حيث يجوب جنود الاحتلال مناطق الاجتياح ومحيطها متخفين في سيارات إسعاف، أو مركبات دفاع مدني، وأحياناً يكمنون داخل مبانٍ، ويفاجئون العائدين إلى بيوتهم ويعتقلونهم، دون أن يقدموا معلومات عنهم.
عام دراسي آخر مهدد بالضياع
من المفترض أن الفترة الحالية من العام تشهد أكبر استعدادات من أولياء الأمور، خاصة الأمهات، لتجهيز أبنائهم لبدء العام الدراسي الجديد، إذ يشترون الملابس، والأحذية، والكراسات، والقرطاسية.
لكن أولياء الأمور باتوا منشغلين حالياً برحلات النزوح المتكررة، وجلب احتياجات الأسر، وصيانة الخيام التي تلفت وتآكلت مع طول فترات النزوح.
وبات من المؤكد أن العام الدراسي الحالي في قطاع غزة لن ينطلق في موعده المحدد، وربما يضيع كما حدث مع العام الماضي.
وبيّن المواطن سمير صلاح أن أبناءه الثلاثة بدلاً من أن يكونوا منشغلين في التجهيز للالتحاق بمدارسهم، ينشغلون حالياً في تعبئة المياه، والجري وراء "تكايا" الطعام، والاستعداد لنزوح جديد بين الفينة والأخرى.
وأوضح صلاح أنه سمع عن مبادرة وزير التربية والتعليم العالي، د. أمجد برهم، بأن الوزارة قررت انطلاق العام الدراسي في قطاع غزة، رغم كل التحديات والظروف، لكن يبدو أن هذا أمر صعب في ظل الوضع الحالي، فلا يوجد أسرة واحدة مستقرة في قطاع غزة، فالأسر كل يوم في مكان مختلف بسبب تكرار أوامر النزوح، ولا توجد خدمة إنترنت منتظمة من أجل الاتجاه لنظام التعليم الإلكتروني عن بُعد.
وأشار إلى أنه بات يعتقد أن العام الجديد المقبل سيضيع على الطلاب، فحتى لو توقف العدوان لا توجد مدارس ولا جامعات لاستقبال الطلاب، ولا حتى مكان يمكن تجميعهم فيه.
بينما قال المواطن وائل شعبان: إنه يؤيد أي فكرة لإطلاق العام الدراسي الجديد، ويعتبر أن ما قاله وزير التربية أمر صائب، فأي شعب يمكن تدميره والقضاء عليه، من خلال ضرب التعليم، وتجهيل الأجيال الناشئة.
وشدد على ضرورة الاستفادة من تجارب دول استطاعت الاستمرار في العملية التعليمية رغم تعرضها للحرب، منها فيتنام، ودول إفريقية، وكذلك الاستفادة من تجارب ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وتطوير هذه التجارب بما يتماشى مع طبيعة غزة.
وأشاد شعبان بالخطوة المتقدمة لبعض الجامعات في قطاع غزة، التي بدأت باستئناف التعليم الجامعي عن بُعد، مقترحاً أن يبدأ الأمر في المدارس تدريجياً، من مرحلة الثانوية العامة، ثم باقي المراحل، من أجل تقييم التجارب وتصويب الأخطاء، وتطوير الأمر، بما يحقق أعلى نجاح.