Adbox

جريدة الايام - لا يزال شمال قطاع غزة المحاصر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ18 على التوالي، بينما تتواصل المجازر، وتتعمق المعاناة، وينتشر الموت والخراب في كل شارع وحيّ.

"الأيام" تواصل نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان على شمال القطاع، منها مشهد بعنوان "جباليا.. عشرات المفقودين تحت الركام"، ومشهد آخر جاء تحت عنوان "تفجيرات ورصاص يقتل المواطنين في بيوتهم"، ومشهد ثالث يرصد إجبار الاحتلال المواطنين على النزوح قسراً عن منازلهم.

عشرات المفقودين

خلّف العدوان الإسرائيلي المُتصاعد على شمال القطاع أكثر من 600 شهيد ومئات الجرحى، بالإضافة إلى عشرات المفقودين تحت الركام، وداخل المنازل ومراكز إيواء، لا يُعرف مصيرهم.
ووفق مصادر متطابقة، فإن المفقودين في مناطق شمال القطاع انقسموا إلى قسمين، الأول مواطنون فُقدوا تحت ركام منازل جرى قصفها، وانتشلت فرق الإنقاذ عدداً من الشهداء وبقي آخرون تحت الركام، والقسم الآخر منازل قصفت في مناطق الاجتياح، وفُقد كل من كانوا بداخلها، ولم يعُرف مصيرهم حتى الآن، ولم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهم.
ووفق إعلاميين ونشطاء في مناطق شمال القطاع، فهناك عدد كبير من المواطنين المحاصرين فُقد الاتصال بهم، ولا يُعرف مصيرهم، وسط مخاوف من أن يكونوا استشهدوا بنيران الاحتلال، أو جراء الجوع والعطش، حيث يمنع الاحتلال وصول الماء والطعام للعائلات المحاصرة، منذ 18 يوماً.
وأكد المواطن إبراهيم نصار أنه نقل روايات مُروعة عن أقربائه المتواجدين في مدينة غزة، والذين نجحوا بالنزوح من منطقة جباليا البلد، تفيد بوجود عشرات الشهداء في الشوارع وتحت أنقاض المنازل التي جرى تدميرها، وأن جرافات الاحتلال هدمت بيوتاً على رؤوس ساكنيها، ولم يتم الوصول لهم حتى الآن أو انتشالهم.
وأشار نصار إلى أن ثمة مواطنين أصيبوا واستشهدوا داخل منازل، إما بسبب الرصاص، أو جراء الجوع والعطش، ولا يعلم عنهم أحد، ولا أحد يستطيع الوصول إليهم حتى الآن، مبيناً أن الناجين ممن استطاعوا الوصول لمدينة غزة ينقلون روايات صادمة حول جرائم مُروعة يرتكبها الاحتلال، منها جرائم إعدام ميدانية.
وأكد مدير مستشفى كمال عدوان، الدكتور حسام أبو صفية، أن هناك عشرات المفقودين تحت ركام منازل جرى قصفها في الساعات الماضية، وللأسف لا تستطيع فرق الإنقاذ انتشالهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: إنه وثق جرائم مُروعة ضد المدنيين في مخيم جباليا وعموم شمال قطاع غزة، مع تصاعد وتيرة الهجوم الإسرائيلي الذي بلغ ذروته مطلع الأسبوع الجاري، بقصف بات يستهدف مربعات سكنية مكتظة.
وأكد المرصد أن أعداداً أخرى من المواطنين لم يعرف عددهم لا يزالون في عداد المفقودين، ويُرجح أنهم فارقوا الحياة تحت الأنقاض، ليرتفع عدد الضحايا الذين استشهدوا منذ بداية الهجوم الأخير على شمال القطاع إلى أكثر من 500 شخص.

شهداء داخل بيوتهم

باتت الأخطار التي تتهدد المواطنين من سكان شمال القطاع كبيرة، ولا تقتصر على قصف الطائرات، وقذائف الدبابات فحسب، بل امتدت لتشمل شظايا التفجيرات، ورصاص القناصة، الذي يستهدف المواطنين وهم داخل منازلهم.
وشهدت الأيام الماضية سقوط شهداء وجرحى برصاص وشظايا وهم داخل منازلهم، إذ نعت الصحافية فاطمة الدعمة والدتها التي استشهدت بشظايا دخلت عليها في الغرفة، بينما كانت تؤدي صلاة الظهر في منزلها بمخيم جباليا.
وأكدت الدعمة أن الاحتلال أصيب بالجنون، وليس لديه هدف سوى قتل الناس ممن رفضوا النزوح عن بيوتهم، وبات القناصة والدبابات تستهدف المنازل المأهولة بالرصاص.
وأكدت الدعمة أن ابن شقيقها أصيب قبل استشهاد والدتها بوقت قصير، موضحة أن الوضع في شمال القطاع بات شديد الخطورة.
وأكد نشطاء أن الاحتلال بات يضع حاويات ممتلئة بالمتفجرات تحت المنازل، وفي شوارع مكتظة، ويقوم بتفجيرها بوساطة التحكم عن بعد، فيموت الناس ويصابون في بيوتهم.
في حين أكد مواطنون لهم أقرباء شمال القطاع أن المعلومات التي تصل من تلك المناطق تؤكد أن الاحتلال قام بنصب رافعات مرتفعة، أعلاها بنادق قنص آلية مُتطورة، تُطلق النار بوساطة التحكم من جندي، مُستهدفة المواطنين في المنازل والشوارع.
كما انتشر عشرات القناصة من جنود الاحتلال داخل مبان ومنازل تُشرف على مناطق شديدة الاكتظاظ، ويطلقون النار على النوافذ، وشرفات المنازل، بهدف قتل المتواجدين داخل منازلهم.
وأكدت العديد من المصادر أنه وبسبب هذا الأمر بات المواطنون ممن تبقوا شمال القطاع يتجمعون في منطقة واحدة داخل المنزل، وعادة تحت السلم، أو في غرفة معاكسة لمصدر إطلاق النار، والبعض لجؤوا إلى بيوت جيرانهم بعد إحداث فتحات في الجدران مكنتهم من التنقل من بيت لآخر.
وأكد الدفاع المدني في قطاع غزة أن الوضع في شمال القطاع ازداد صعوبة خلال الأيام الماضية، وبات الاحتلال يسعى لقتل كل من يتواجد في تلك المناطق، وسط صعوبة شديدة في التحرك لإنقاذ العالقين أو انتشال الضحايا، وأنه حال توقفت العملية، أو سُمح للمنقذين بالتحرك، قد يكون عدد الضحايا ممن يجري انتشالهم أكبر بكثير من المُتوقع.

الإجبار على النزوح

بعد فشل الاحتلال في دفع المواطنين من سكان شمال القطاع إلى النزوح القسري باتجاه الجنوب، بعد رفض المواطنين أوامر الإخلاء، بات الخيار الإسرائيلي القادم يتمثل في الإجبار على النزوح، من خلال اقتحام المنازل، ومراكز الإيواء، وتجميع المواطنين، خاصة النساء والأطفال، وإجبارهم على التحرك قسراً باتجاه الجنوب.
وشهد اليومان الماضيان اقتحام الاحتلال عدداً من مراكز الإيواء، إضافة إلى اقتحام المستشفى الإندونيسي الذي لجأ إليه المئات من المواطنين الفارين من الموت.
ووفق المصادر المُتطابقة، فقد قام الاحتلال بتجميع الرجال وعصب أيديهم وأعينهم، وأعدم بعضهم، واعتقل آخرين، فيما أخرج الجنود النساء من المراكز المذكورة، وأجبروهن على النزوح من خلال شارع صلاح الدين باتجاه الجنوب، حيث كان الجنود يطلقون الرصاص فوق رؤوسهن، ويصرخون بصوت عال من أجل منعهن من العودة إلى مخيم جباليا، وباقي مناطق شمال القطاع.
وقال مواطنون: إنهم شاهدوا وصول شاحنات عسكرية فارغة إلى مناطق شمال القطاع، وسط مخاوف من أن يقوم الاحتلال باقتحام المنازل وإجبار المواطنين على الركوب في الشاحنات، ومن ثم نقلهم عنوة إلى جنوب وادي غزة.
وقال المواطن شادي جبريل: إن كل المُعطيات تُشير إلى إصرار وتصميم الاحتلال على تنفيذ خطة "الجنرالات"، ودفع الناس عنوة إلى النزوح، بهدف تفريغ مناطق شمال القطاع من السكان تماماً، وصمود الناس وتمسكهم ببيوتهم دفع الاحتلال لتعميق المجازر وزيادة الضغط، وحال فشل هذا الأمر من المتوقع أن يصل الأمر للنقل القسري للمواطنين، رغم أن ذلك يخالف المواثيق الدولية.
وأشار جبريل إلى أن صمت العالم، والغطاء الأميركي للاحتلال في مجلس الأمن، والضغوط التي تُمارس على محكمة الجنايات الدولية، والتي منعت إصدار أوامر اعتقال بحق قادة الاحتلال حتى الآن، يمنح الحكومة اليمينية المتطرفة مزيداً من الوقت لتنفيذ جرائمها، وسط عجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الجرائم.
وأوضح أنه تحدث قبل يومين إلى أقارب يقيمون في منطقة بيت حانون، وقد عزموا أمرهم وأكدوا رفض النزوح مهما حدث، وجهزوا طعاماً وماء في بيوتهم، ويستعدون لمواجهة الأسوأ، حتى لو وصل بهم الأمر إلى الموت فلن يتركوا منازلهم وينزحوا باتجاه الجنوب، ولن يكرروا خطأ أجدادهم في العام 1948، ويعيشوا بقية حياتهم في خيام مهجرين للمرة الثانية.

أحدث أقدم