وفا- يمثل المدخل الشمالي لمدينة سلفيت إحدى البوابات الحيوية التي تربط المدينة بقرى المحافظة والمدن المجاورة، ويعكس جزءاً من تاريخ المدينة وهويتها.
ظل الطريق شاهداً على مراحل تاريخية متعاقبة، حتى وقوعه تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، الذي حوله إلى بؤرة للسياسات التقييدية وإجراءات التضييق التي تخدم مستعمريه فقط.
ويشهد المدخل الشمالي لمدينة سلفيت في الآونة الأخيرة تشديدات عسكرية من الاحتلال الإسرائيلي، تمثلت في إغلاق البوابة الحديدية ونصب الحواجز العسكرية التي تمتد إلى عدة أيام، ما يؤدي إلى تقييد حركة المواطنين واحتجازهم لعدة ساعات والتنكيل بهم.
كما شهد تصعيداً في اعتداءات المستعمرين الإسرائيليين، حيث دمروا البنية التحتية للطريق الرئيسي المؤدي إلى المدينة عدة مرات، وأغلقوا البوابة الحديدية المقامة عند المدخل.
الطريق يُعد واحدا من الطرق الرئيسية والمختصرة بين المدن الفلسطينية، خاصة بين مدينتي طولكرم وقلقيلية، ورام الله، كما أنه يُعتبر طريقاً مختصراً للوصول إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات، الذي يُعد المستشفى الوحيد في المحافظة.
وقال محافظ سلفيت عبد الله كميل لـ"وفا": إن الاحتلال ينتهج في سلفيت كل الوسائل للتضيق على المواطنين، التي تمثلت مؤخراً في الحواجز العسكرية المقامة منذ ثلاثة أيام متواصلة، بلا أسباب لكن للتضييق وخلق حالة من اليأس والإحباط لدى أبناء شعبنا.
وأضاف: هذه الإجراءات جزء من سياسة الاحتلال المستمرة لتقييد حرية الحركة للفلسطينيين، وعزل سكان المحافظة وأراضيها عن مركز المدينة، ما يفاقم معاناتهم ويعطل تواصلهم الطبيعي ووصولهم إلى المراكز الطبية والتعليمية والوظائف المختلفة، وهذا يتنافى مع القانون الدولي الذي يعطي الحق للإنسان بحرية التنقل والحركة على الطرق.
وتابع المحافظ: تشهد المحافظة هجمات من المستعمرين بشكل يومي في كل القرى بلا استثناء، في الوقت ذاته يشرع المستعمرون ببناء بؤر استعمارية جديدة، خاصة ما تسمى منطقة الحي الغربي لمستعمرة "أرئيل" المقامة على أراضي مدينة سلفيت، وإقامة بؤرة استعمارية جديدة على أراضي قرية فرخة.
ونوه كميل إلى أنه مع هذه الإغلاقات والسياسات يصبح هناك ممر واحد لمدينة سلفيت تجاه مدينة رام الله.
ووفقاً للأستاذ هاني جبر، ابن بلدة كفل حارس شمال سلفيت، فقد كان هذا المدخل أحد المسارات الرئيسية التي استخدمها السكان قديما للتنقل لأغراض التعليم والتجارة، وكان يسمى (مفرق سلفيت)، إذ كانت سلفيت محطة تجارية هامة وتضم المدرسة الثانوية الوحيدة التي يرتادها طلبة القرى المحيطة.
وأضاف، أن سلفيت تُشتهر بأراضيها الزراعية الخصبة المحيطة بها، وكان المدخل الشمالي يمثل نقطة دخول وخروج للمنتجات الزراعية التي تغذي الأسواق المحلية، وما يدلل على ذلك أن اسم سلفيت يعني "سلة العنب"، وهي معروفة بمنتجاتها من العنب والفواكه والزيتون، ما جعلها عاصمة للزيت والزيتون. ويربط هذا المدخل سلفيت بقرابة 25 قرية وبلدة، ما يعزز أهميته الإدارية والاقتصادية.
وبين أنه في فترة الانتداب البريطاني، كان المدخل الشمالي لسلفيت شرياناً يربط وسط نابلس بطريق القدس، وتم تعبيد الطريق من حوارة إلى سلفيت، وفي عهد الإدارة الأردنية توسع هذا الطريق ليصبح بحدود 6-9 أمتار، وافتتح الشارع والبلدية في الستينيات، وكان يحتضن احتفالات ترحيبية وأقواس النصر، بينما كانت سلفيت في الخمسينيات، بلدة صغيرة تضم مركز شرطة، ومكتب بريد، ومدرسة ثانوية، وكان الطلبة من جميع القرى المجاورة يسيرون على الأقدام من كفل حارس إلى مدرسة سلفيت الثانوية، حيث كانت الوحيدة في المنطقة.
وفي عام 1978، شهدت المنطقة تغييرات جذرية مع إقامة مستعمرة "أريئيل" على أراضي كفل حارس وسلفيت المستولى عليها. ورغم اعتراض الأهالي، لم يتمكنوا من منع الاستيلاء لعدم توفر صكوك ملكية واضحة. واستولى جيش الاحتلال على المنطقة والمدخل الشمالي، وأنشأ معسكرا على التلال القريبة التي تُعرف بأراضي الكرك والسنام. لاحقاً، تم شق طريق للمستعمرة من منطقة "وادي هياج"، ما أدى إلى الاستيلاء على جزء من الطريق الأصلي لسلفيت لصالح المستعمرة وتحكم المستعمرين والاحتلال بها" قال جبر.
ونوه إلى أنه عند شق طريق ما يسمى "عابر السامرة"، توسع المدخل الشمالي ليرتبط بمستعمرة "أريئيل"، وشمل دوار كفل حارس الذي ابتلع أراضي زراعية واسعة كانت تُزرع بأشجار الزيتون. وتم ربط هذا المدخل بالطريق العابر للساحل الذي يمتد من كفر قاسم إلى حاجز زعترة جنوب نابلس، ما جعله طريقاً رئيسياً للمستعمرين، الذين يمنعون في بعض الأحيان الفلسطينيين من استخدامه، ما اضطرهم إلى البحث عن طرق بديلة.
من جهته، قال الناشط في مجال الاستيطان عيسى صوف لـ"وفا": إن المدخل الشمالي لسلفيت، رغم هذه الظروف القاسية، يظل رمزاً للصمود في مواجهة سياسات الاحتلال والاستعمار، ورغم التحديات المستمرة، يتمسك الفلسطينيون بحقهم في التنقل بحرية على هذا الطريق الحيوي، الذي يمثل لهم جزءاً من تاريخهم وهويتهم، ومواجهة كل أشكال التضييق والعدوان التي تهدف إلى عزلهم عن محيطهم وتقليص وجودهم في المنطقة.
وأشار إلى أن الفلسطينيين يرفضون التخلي عن هذا المدخل التاريخي، كونه المدخل الرئيسي للمدينة، حتى في ظل محاولات ضمّه إلى حدود مستعمرة "أريئيل"، وسيبقى كما اعتاد الأجداد على تسميته (مفرق سلفيت) علامة جغرافية معروفة ومحفورة في ذاكرة الأبناء حتى لو تغيرت معالمه.
من ناحيته، أوضح منسق القوى الوطنية في محافظة سلفيت نعيم حرب لـ"وفا": يُعد التوسع الاستعماري من أكبر التحديات التي يواجهها المدخل الشمالي لسلفيت، إذ تحتل المستعمرات مساحات واسعة من الأراضي المحيطة بالمدينة، ما يقيد مجال التنمية ويزيد التوترات في المنطقة.
وقال: تسعى قوات الاحتلال إلى ربط المستعمرات الكبرى بشبكة من الطرق الالتفافية، ما يقطع تواصل المدن الفلسطينية، بما فيها سلفيت، مؤكدا أنه خلال فترات الانتفاضة الفلسطينية، تحوّل المدخل الشمالي إلى رمز للمقاومة، ونُظمت فيه العديد من الفعاليات الاحتجاجية والنشاطات الوطنية، وتتضح أهمية المدخل كعائق أمام التوسع الاستعماري، إذ يشكل حاجزاً جغرافياً أمام ما يُعرف بـ"إصبع أريئيل"، وهو سلسلة متداخلة من المستعمرات التي تمتد من "مستعمرة تفوح" حتى أراضي الـ48.
وأضاف: منذ بدء الاستعمار في سبعينيات القرن الماضي، تصدى الفلسطينيون لهذه المخططات عبر زراعة الأراضي، خاصة بالزيتون، كرمز للصمود على الأرض، ورغم محاولات الاحتلال اقتلاع هذه الأشجار وتدميرها، تواصلت المقاومة الشعبية بمواجهة المشاريع الاستعمارية من خلال فعاليات أسبوعية ومواقف قانونية ترفض فرض سياسة الاحتلال بالقوة.