وفا- منذ استئناف دورتها الشتوية في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أقرت "الكنيست" الإسرائيلية مجموعة قوانين ذات طابع استعماري عنصري، استمرارا لسلسلة سابقة من القوانين التي أقرتها، خاصة مع بدء العدوان الإسرائيلي على شعبنا في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وبحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، "ستكون هذه الدورة الشتوية للكنيست واحدة من أخطر الدورات التي سيتم ذكرها في السنوات اللاحقة، نظرا لما على أجندتها من قوانين خطيرة وشرسة، تزيد على ما هو قائم من قوانين دعم الاحتلال والاستيطان، والتمييز العنصري، والتضييق على حرية التعبير، والحريات العامة والنشاط السياسي، إذ إن سلسلة من مشاريع القانون مطروحة منذ عامين على جدول أعمال الكنيست، ومنها ما دخل مسار التشريع في مراحله الأولى، وقد يتم استكماله في هذه الدورة بالذات، تحت أدخنة حرب الإبادة المستمرة".
وضمن تلك السلسلة من القوانين، أقرت الكنيست في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بالقراءة النهائية، بأغلبية الأصوات ودعم الحكومة، مشروع قانون يقضي بوقف دفع مخصصات اجتماعية لمن أسمتهم "إرهابيين" وعائلاتهم، مقيمين خارج إسرائيل، والقصد هنا في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا في حال ثبت بأن الشخص ارتكب مخالفة "إرهاب" بموجب القانون الإسرائيلي.
ويدّعي القانون أن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية تدفع سنويًا لأشخاص أو عائلات في قطاع غزة ما مجموعه 7.2 مليون شيقل، (قرابة 1.9 مليون دولار)، وأن على السلطات الإسرائيلية إجراء فحص دقيق بوضعية الأشخاص وعائلاتهم، إذا ما كانوا شاركوا أو يشاركون في "أعمال الإرهاب". والحديث هنا، هو عن عمال سابقين من قطاع غزة، كانوا يدفعون من رواتبهم رسومًا لمؤسسة الضمان، أو من تضرر خلال عمله وأصيب بعجز جسدي، بموجب القانون الإسرائيلي، أو من الممكن أن الحديث عن أبناء عائلات دون سن 18 عامًا، وأحد والديهم من أراضي الـ48، ومسجلين في السجلات الإسرائيلية كمواطنين أو مقيمين في إسرائيل.
وفي 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أقرت "الكنيست" قانونا يجيز فرض أحكام طويلة بالسجن على أطفال دون سن 14 عاما، بالقراءة النهائية، وهو قانون طوارئ مؤقت لخمس سنوات، يقضي بأن يكون من صلاحية المحاكم الإسرائيلية فرض أحكام بالسجن على أطفال دون سن 14 عاما، إذا كان في المخالفة ما يتم وصفه في إسرائيل "عملا إرهابيا"، أو عملا على خلفية قومية، وليس فقط الإدانة بعملية قتل، كما هو القانون القائم.
كما أقرت بالقراءة النهائية ترحيل أحد عائلات منفذي العمليات، في حال أعلن دعمه أو علم بالعملية قبل وقوعها أو أنه أعرب عن تأييده أو نشر مديحًا له ولعمليته أو منظمة تصفها إسرائيل بـ"الإرهاب".
وأقرت "الكنيست" بالقراءة النهائية في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر قانونا لفصل موظف في جهاز التربية، ومنع ميزانيات عن مؤسسة تعليمية معترف بها، في حال صدر عنه تعبير يؤيد ما تعتبره إسرائيل "إرهابا"، أو "منظمة إرهابية" أو "عمليات إرهابية".
وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر، أقرت الكنيست تعديل قانون أساس "القدس- عاصمة إسرائيل" بحيث يشمل حظر فتح ممثليات دبلوماسية في القدس الشرقية لتقديم خدمات للفلسطينيين.
وأقرت "الكنيست" في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، قانونين يحظران عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في مناطق "السيادة الإسرائيلية" ويحظران التعامل معها.
قوانين قيد التشريع
وإلى جانب هذه القوانين التي أقرت، هناك سلسلة من القوانين قيد التشريع، بحسب الرصد القانوني للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، منها: مشروع قانون يمنع منح تأشيرة دخول لشخص أو ممثل جهة تؤيد مقاطعة إسرائيل، ومشروع قانون آخر يوسّع مفهوم "دعم الإرهاب" لمنع مرشح وحزب من المشاركة في الانتخابات، ومشروع قانون يستولي على أموال الضرائب الفلسطينية "المقاصة" قيمة غرامات مالية مفروضة على سائقين في الضفة الغربية، ومشروع قانون يجيز لـ"مركز جباية الغرامات الإسرائيلي" جباية غرامات من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومشروع قانون يشدد منع نشاط السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في المناطق الواقعة تحت "السيادة الإسرائيلية"، ومشروعا قانون لفرض ضريبة على البضائع الداخلة لقطاع غزة ولا تندرج تحت تصنيف الإغاثة، ومشروع قانون يحظر على أي جهة إسرائيلية فرض قيود على إسرائيلي فرضت عليه عقوبات دولية، ومشروع قانون لقرصنة أموال ضرائب فلسطينية بقيمة الأضرار الإسرائيلية من عمليات فلسطينية، وتعديل قانون المحاكم لمنع كل جهة متهمة بدعم "الإرهاب" من مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الإسرائيلية، ومشروع قانون يمنع زيارات لأسرى من تنظيمات تحتجز "رهائن إسرائيليين"، وتعديل قانون الانتخابات للكنيست لزيادة أسباب شطب الترشيح وتغيير طريقة عرض القرار على المحكمة العليا.
مسار التشريع في "الكنيست"
ووفقا لمركز "مدار"، يتم التشريع في "الكنيست" بثلاثة طرق أساسية: الأولى بمبادرة من الحكومة (مشروع قانون حكومي)، والثانية بمبادرة من عضو كنيست أو مجموعة من أعضاء الكنيست (مشروع قانون خاص)، والثالثة بمبادرة من قبل لجان الكنيست. ومن الممكن في مشروع القانون، اقتراح قانون جديد، أو تعديل أو إلغاء قانون قائم. ويتم تقديم القوانين إلى الجلسة العامة على مراحل عدة تسمى "القراءات"، وتشمل: إدراج القانون على جدول الأعمال قبيل الدخول إلى مسار التشريع، ثم القراءة التمهيدية، والتحضير للقراءة الأولى، ثم مناقشة القانون بالقراءة الأولى، قبيل التحضير للقراءتين الثانية والثالثة، وتمريره في القراءة الثانية، ثم المصادقة عليه بالقراءة الثالثة والنهائية.
استهداف المشروع الوطني الفلسطيني
وقال الباحث والصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي لـ"وفا" إن سلسلة القوانين والقرارات التي أقرتها الكنيست الإسرائيلية، تأتي في ظل حكومة اليمين الحالية ومكونات الائتلاف الحكومي وأن لكل طرف مصالحه الخاصة، حيث إن حزب "الليكود" يسعى لبقاء بنيامين نتنياهو في الحكم أطول فترة ممكنة وسن ما يسمى بقوانين الانقلاب القضائي لضمان منحه الحصانة، و"الصهيونية الدينية" تسعى إلى إحكام السيطرة والاستيلاء على أراضي الضفة الغربية أو أكبر مساحة منها والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني، والأحزاب الحريدية تريد قانون تجنيد يعفيها من الخدمة العسكرية والإبقاء على مليارات الشواقل التي تمنح للمدارس الدينية وطلابها.
وأضاف أن هذه التشكيلة في الحكومة الإسرائيلية تجعل كل مكون من مكونات الائتلاف الحكومي بحاجة إلى الآخرين، لذلك تكون هناك فرصة لكل من يريد سن قوانين أن يبتز الطرف الآخر إذا كان يعارض، ما يوفر فرصة ذهبية لحزبي "الليكود" و"الصهيونية الدينية" لسن قوانين بهدف تسريع عملية السيطرة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية أو الاستيلاء عليها وربما ضمها، إلى جانب أن ما يشجع هذا هو ضعف الشارع الإسرائيلي حتى في الاحتجاج على قضية عدم وجود صفقة وإنهاء الحرب، وأيضا أمام ما يسمى بالانقلاب القضائي، ما يمنح نتنياهو الفرصة مع شركائه لسن القوانين التي تخدم الأيديولوجية الخاصة بهم.
وحول القانون الذي يحظر عمل "الأونروا"، أوضح البرغوثي أنه استهداف لقضية اللاجئين التي هي أساس القضية الفلسطينية، وإطلاق هذا الملف بالنسبة لدولة الاحتلال ليس جديدا حتى على هذه الحكومة، وأن الهجمة على "الأونروا" سبقت هذه الحكومة لمحاولة استهداف الوكالة وإنهاء تفويضها، والآن يتم استهدافها بشكل مباشر بالقضاء على البنى التحتية الخاصة بها في قطاع غزة واستهدافها بالقانون الذي أقر، من أجل إنهاء قضية اللاجئين كبداية لإنهاء القضية الفلسطينية.
ولعل أبرز ما ميز الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلية هو الزخم الكبير في القوانين كما ونوعا، ولكن سبقها الكثير من القوانين التي حملت نفس الطابع الاستعماري والعنصري، منها القرار السياسي الذي أقرته الكنيست في 17 تموز/ يوليو 2024، والذي ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية في أي مكان من فلسطين التاريخية، وهذا القرار شبيه بما أقرته يوم 21 شباط/ فبراير من العام نفسه.
وفي هذا الإطار، قال البرغوثي إن نتنياهو أعلن منذ فترة طويلة أنه ضد حل الدولتين، وأنه لن يقبل بقيام دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل حسب تسميته، وإن شركاءه في الائتلاف الحكومي ليسوا فقط ضد قيام دولة فلسطينية، بل مع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإن هذه القناعة الموجودة لديهم تأتي ضمن مشروع السعي لتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وأضاف أن هذا هو المشروع الذي يتبلور الآن، وربما حكومة نتنياهو تريد مسابقة الوقت قبل انتهاء ولايتها من أجل تمرير كل هذه القوانين في الفترة المقبلة إذا بقي نتنياهو يخشى من عدم عودته إلى الحكم في الانتخابات المقبلة إذا حدثت.
وحول مشروع قانون جديد يدفع به حزب "الصهيونية الدينية" في "الكنيست" يسمح للمستعمرين الأفراد بتملك أراضٍ بالضفة، أشار البرغوثي إلى أن خطورة هذا المشروع في حال تم إقراره بأنه يجعل التعامل مع أراضي الضفة كأراضي عام 1948، بمعنى أن المنظومة التي تحدد المناطق التي يتم عليها الاستعمار والتي تحدد من سيحصل على وحدات استعمارية في المستعمرات هي المنظومة السياسية الإسرائيلية في الوزارات الخاصة بهذا الشأن وما يسمى الإدارة المدنية في الضفة الغربية التي تستولي على الأراضي وتعد خطط المستعمرات وبنائها، وأنه عندما يصبح الشراء مباشرا يتم تجاوز المنظومة الاحتلالية وجعل العلاقة بين الإسرائيلي والقانون المدني في إسرائيل دون أن تكون المنظومة الأمنية في الصورة، وهذا عمليا جزء من سياسة الضم الفعلي.
وأكد البرغوثي أن استهداف الوجود الفلسطيني الفعلي والسياسي قد يكون الأخطر في ظل أن أقصى ما يفعله العالم هو الإدانة والاستنكار دون اتخاذ إجراءات فعلية قد تجعل الاحتلال يمتنع عن الإقدام على هذه الخطوات، ما يشكّل فرصة ذهبية للحكومة الإسرائيلية.
وأضاف أن أي قانون يمكن تمريره في ظل الكنيست والائتلاف الحالي دون وجود رد فعل فعلي من قبل المجتمع الدولي، ما يوفر راحة لإسرائيل في ظل كل ما تقوم به الآن من جرائم في غزة والضفة وفي لبنان، والعالم عاجز عن فعل شيء تجاه هذه الجرائم منذ أكثر من عام، وأنه ربما لا يخرج العالم عن إطار رد فعله الحالي إذا ذهبت إسرائيل إلى تنفيذ كل مشروعها الاستعماري في الضفة والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني.