جريدة الايام - ما زال المواطنون والنازحون في قطاع غزة يعيشون المعاناة، رغم دخول اتفاق التهدئة أسبوعه السادس، مع تواصل خروق الاحتلال، وتشديد الحصار، ومنع وصول الكثير من المستلزمات الضرورية.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، في اليوم الـ35 للتهدئة، منها مشهد يُوثق بناء جدران وغرف جديدة باستخدام الطين، ومشهد آخر تحت عنوان: "عشرات الضحايا في رفح خلال التهدئة"، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على استعدادات الجهات المختصة لنقل النازحين إلى رفح.
البناء باستخدام الطين
أجبرت الأزمة الحالية، وما رافقها من حصار إسرائيلي خانق، المواطنين في قطاع غزة على استخدام وسائل بدائية في عمليات البناء المحدودة، التي يضطرون لها في بعض الأحيان.
وعاد مواطنون إلى استخدام الطين الأحمر، لبناء بعض الغرف الصغيرة، بدلاً من الإسمنت والخرسانة، إذ راحوا يبحثون عن الطوب من مُخلفات منازلهم المدمرة، لبناء جدار، أو غرفة صغيرة يُقيمون فيها.
وقال المواطن عبد الرحمن جودة، إنه كان بحاجة إلى بناء جدار لإغلاق غرفة واحدة في منزله، الذي تعرض لتدمير جزئي شرق رفح، جنوب قطاع غزة، وبعد عمل استمر أسبوعاً، وفرّ بعض الطوب من بقايا منزله المدمر، استطاع إخراجه من تحت الركام، وتنظيفه، وبقيت مشكلة توفر الإسمنت، وبحث لكنه مفقود من القطاع.
وبيّن أن البعض نصحه باستخدام الطين الأحمر كمادة بديلة للبناء، لكنه عمل على خلطها بكمية قليلة من الإسمنت أعطاها له جاره، وبالفعل نفذ عملية البناء، حيث كان يضع الطين بين الحجارة، ويبني صفاً فوق الآخر، حتى انتهى من بناء الجدار.
وأوضح جودة أنه يُدرك تماماً بأن البناء بالطين ليس حلاً عملياً، وقد لا يصمد فترة طويلة، خاصة إذا ما هطلت أمطار وأصاب الجدار البلل، وهذا يؤدي إلى ذوبان الطين وسقوطه عن الجدار، لكنه لا يمتلك خياراً آخر.
من جهته، أشار المواطن سعيد زكريا إلى أن العودة لاستخدام الطين في مختلف المجالات عاد وبقوة في قطاع غزة، سواء لبناء جدران، أو إنشاء أفران طين، أو غيرهما من الاستخدامات.
وأكد أن قيود الاحتلال المشددة، وفرض الحصار بشكله الحالي، جعل المواطنين يعيدون استخدام طرق ومواد بدائية، كانوا استغنوا عنها منذ عقود طويلة، وهناك أشخاص بدؤوا فعلاً بصنع الطوب من الطين، فالحاجة تُجبر الناس على فعل كل شيء.
وشدد زكريا على ضرورة أن تقوم جهات هندسية مختصة بتقديم مشورة للمواطنين بشأن البناء باستخدام الطين، وتبيان الطرق الصحيحة لذلك، وإظهار المخاطر المترتبة على هذه العملية، وكيفية استخدام الطين بالطريقة المُثلى.
عشرات الضحايا خلال التهدئة
ما زالت مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، تشهد خروقاً يومية منذ بدء تطبيق اتفاق التهدئة الحالي قبل نحو 35 يوماً.
ولا يمر يوم دون حدوث خروق خطيرة للاتفاق، تتمثل في إطلاق النار المباشر باتجاه مواطنين يحاولون الوصول إلى منازلهم، وأحيائهم السكنية، خاصة في مناطق جنوب ووسط المحافظة، ما يتسبب بسقوط شهداء وجرحى.
وذكر مواطنون أن ما يحدث في مدينة رفح، هو عمليات قتل يومية، جميعها غير مبررة، فالرافعات الإسرائيلية والآليات التي تتواجد جنوب مدينة رفح، تُطلق النار صوب المواطنين بهدف القتل، حتى وإن كانوا بعيدين عن مناطق تواجدها، وهناك ضحايا سقطوا على بعد أكثر من كيلومترين من مكان تواجد جيش الاحتلال.
وقال المواطن علي أبو عبيد، الذي يقطن في حي الجنينة، إن قوات الاحتلال تطلق كل يوم آلاف الطلقات من الرشاشات وأسلحة القنص باتجاه رفح، وأصوات صافرات سيارات الإسعاف التي تصل لإخلاء ضحايا إطلاق النار تُسمع على مدار اليوم، بينما تستقبل مستشفيات مدينة خان يونس المجاورة، ضحايا قادمين من رفح بشكل يومي.
وأوضح أنه كل يوم يسمع عن سقوط ضحايا جدد، بينهم جيران وأقارب، والوضع في المدينة أصبح شديد الخطورة، والدبابات باتت تصل حتى مسافة كيلومترين شمالاً، متجاوزة منطقة الحدود المصرية بكثير.
ووفق لجنة الطوارئ المركزية في محافظة رفح، فقد جرى تسجيل العديد من التجاوزات والانتهاكات الخطيرة لجيش الاحتلال، منذ الإعلان عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل 35 يوماً، تمثلت في قتل أكثر من 30 مواطناً وإصابة واعتقال آخرين، إضافة إلى التوغل المستمر لدبابات الاحتلال في مناطق وسط رفح وغربها، متجاوزة الحدود المصرية الفلسطينية.
وقالت اللجنة: "إنه وأمام هذه التجاوزات الخطيرة ندعو الوسطاء إلى الوقوف عند مسؤولياتهم بلجم الاحتلال، وإلزامه بتنفيذ بنود الاتفاق، والعمل على وقف تجاوزاته التي تعد خرقاً واضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار".
كما أكدت لجنة الطوارئ أن الدمار الإسرائيلي طال كل مناحي الحياة في المحافظة، التي اجتاحها جيش الاحتلال لقرابة ٩ أشهر، نشر خلالها الخراب والدمار في كل حارة وشارع، فدمّر البنى التحتية ومنازل المواطنين والمؤسسات الحكومية والمجتمعية.
ولفت رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي إلى أن المدينة خارج وقف إطلاق النار، وهناك 35 شهيداً ارتقوا منذ بدء التهدئة، و٦٠% من المدينة تحت سيطرة ونيران جيش الاحتلال، والمؤسسات المختصة والهيئات لا تقوم بالدور المطلوب تجاه أهل رفح، مطالباً بإغاثة أهالي رفح، والوقوف إلى جانبهم.
نقل النازحين إلى رفح
تتواصل الاستعدادات بشكل مكثف في مناطق شمال مدينة رفح، تمهيداً لإقامة مخيمات تؤوي نازحي المدينة، الذين يقيمون حالياً في مناطق مواصي خان يونس.
وتواصل جرافات تابعة لبلدية رفح، تسوية الأرض في محيط منطقة "البركسات"، وبلدة "عريبة"، شمال المدينة، تمهيداً لبدء إقامة المخيمات.
وأشارت بلدية رفح إلى أن هناك خططاً لإقامة مخيمات في المناطق الشمالية للمدينة، وهي مناطق تُعد آمنة نسبياً، لبعدها عن محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، الذي يخضع حالياً لسيطرة إسرائيلية كاملة.
ووفق مصادر مطلعة، فإن هناك خططاً لإقامة خيام منظمة، لتجنب العشوائية التي سادت في مناطق مواصي خان يونس، بحيث سيتم نصب خيام ضمن تجمعات، ويتم تسليم العائلات النازحة خياماً حسب عدد أفراد كل أسرة، بما يضمن إقامة آمنة ومُنظمة للمواطنين.
ومن المقرر أن يتم إيصال المخيمات الجديدة بالخدمات، خاصة مياه الشرب، ومياها للاستخدام المنزلي، على أن تتم متابعة أوضاع النازحين، وتوزيع معونات غذائية عليهم بانتظام.
وقال المواطن مصطفى سالم، إنه وعائلته ما زالوا يتواجدون في مناطق مواصي خان يونس، رغم مرور أكثر من 5 أسابيع على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، حيث يقع منزلهم جنوب مدينة رفح، وعلى الأغلب جرى تدميره، ولا يستطيعون العودة إلى تلك المنطقة، بسبب تواجد قوات الاحتلال فيها.
ونوّه إلى أنه سمع عن بدء إقامة مخيمات في مناطق شمال رفح، وهو وعائلته يستعدون للانتقال إليها، ومغادرة مواصي خان يونس، ويأمل بأن يتم تسليمهم خيمة جيدة، تحميهم من الأمطار والبرد، وكذلك أشعة الشمس في فصل الصيف.
وأشار إلى أهمية إقامة مخيمات منظمة، ترعاها جهات إغاثية، وتُقدم لقاطنيها المساعدات، وتتدخل حال في احتاجوا ذلك.
ومن المتوقع أن تمتد مخيمات النازحين الجديدة شرقاً حتى تصل إلى نهاية بلدة خربة العدس، نظراً لعدد النازحين الكبير، والحاجة لإقامة المزيد من المخيمات.
ووفق تقديرات بلدية رفح، وجهات أخرى، فإن نحو 80% من المنازل التي تقع جنوب ووسط وغرب وشرق رفح، تعرضت للتدمير الكلي، وأن هناك بين 150 و200 ألف شخص يقطنون المحافظة أصبحوا بلا مأوى، مع مطالبات بتوفير مخيمات لإيوائهم جميعاً.