تتواصل معاناة المواطنين والنازحين في قطاع غزة، رغم مرور 42 يوماً على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وهو اليوم الذي شكّل نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق، وما زال الجميع يعيشون ظروفاً عصيبة، وسط حالة من القلق والترقب، لما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات قد تؤدي إلى عودة الحرب.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، منها مشهد حول غرق خيام النازحين بالتزامن مع تناول أول وجبة سحور، ومشهد آخر يُوثق شهادات مروّعة لتعذيب صحافيين كانوا معتقلين في سجون الاحتلال، ومشهد ثالث تحت عنوان "170 ألف طن نفايات صلبة في مدينة غزة".
غرق الخيام خلال السحور
فوجئ النازحون المقيمون في مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، وغيرها من المناطق في القطاع، بأمطار غزيرة هطلت بشكل مفاجئ، بالتزامن مع أول وجبة سحور في شهر رمضان.
وتسببت الأمطار الغزيرة في غرق المئات من خيام النازحين، لا سيما أنها هطلت بشكل مفاجئ، ومن دون إعلان مسبق من دوائر الأرصاد الجوية، ما أحدث حالة من الإرباك في صفوف النازحين، الذين لم يستعدوا مسبقاً للأمطار.
وقال النازح عبد الله شيخ العيد: إنه استيقظ وعائلته لتناول وجبة السحور في خيمته، وبينما كانوا جالسين وإذا بأصوات رعد قوية في البحر ظنها في بادئ الأمر قصفاً، وما هي إلا دقائق معدودات، حتى بدأت الأمطار بالهطول، وكانت غزيرة.
وأكد شيخ العيد أنه وبعد أقل من 5 دقائق غرقت الخيمة بالكامل، ودخلت المياه من الجوانب والسقف، ما اضطرهم إلى مغادرتها فوراً.
وأوضح أنه وبدلاً من تناول وجبة السحور، خرجت عائلته تحت جنح الظلام تبحث عن مأوى، بينما عمل هو ونجله البكر على إخراج المياه من الخيمة، وإنقاذ الأثاث، والفراش والأغطية.
وأشار إلى أنها المرة الرابعة التي تغرق فيها خيمته هذا الشتاء، لكن هذه المرة ربما تكون الأصعب، لأن الأمر تزامن مع غرة شهر رمضان، وأول وجبة سحور، وهذا زاد معاناة العائلة وحزنها.
بينما ذكر المواطن محمود فيصل أن خيمته صمدت هذه المرة بعد الإصلاحات التي أحدثها في السابق، إضافة إلى وضع نايلون وشوادر وغيرها من الأشياء فوقها، لكنه بدلاً من تناول وجبة السحور خرج لمساعدة جيرانه الذين غرقت خيامهم، وجلب النساء والأطفال إلى خيمته لحمايتهم من المطر.
ولفت إلى أن معاناة الشتاء في رمضان لن تتوقف، فقد تابع دوائر الأرصاد الجوية، وعلم أن موجة ماطرة أخرى ستصل المنطقة نهاية الأسبوع الجاري، وربما تكون غزيرة، وهذا يعني أن النازحين على موعد مع تجدد المعاناة.
وتساءل نازحون عن الخيام والبيوت المتنقلة، التي وُعد بإدخالها إلى قطاع غزة، من أجل توفير حياة أفضل للنازحين؟ مؤكدين أن المعاناة باتت كبيرة، بعد اهتراء وتمزق الخيام التي يقيمون فيها.
شهادات لتعذيب الصحافيين
لم يكتفِ جيش الاحتلال بقتل أكثر من 200 صحافي في قطاع غزة، وتدمير عشرات المقرات الإعلامية، ومصادرة حرية التعبير، وملاحقة العاملين في مجال الإعلام واعتقال العشرات منهم، إذ مارست قوات الاحتلال أبشع عمليات التعذيب والتنكيل بحق الصحافيين المُعتقلين.
فقد قدّم صحافيون من قطاع غزة، تحرروا مؤخراً ضمن صفقات التبادل، بعد قضاء فترات اعتقال متفاوتة، شهادات مُروّعة، عن تعذيب وتنكيل تعرضوا له داخل سجون الاحتلال.
ونقل مركز حماية الصحافيين الفلسطينيين، بعضاً من شهادات صحافيين تعرضوا للتنكيل داخل سجون الاحتلال، وبعض هذه التفاصيل كانت مُروعة وصادمة، إذ أكد صحافيون أن ظروف التحقيق في أقبية المخابرات الإسرائيلية كانت قاسية، حيث تعرضوا للعنف الجسدي والنفسي بشكل ممنهج.
وقال الصحافي المُحرر محمود عليوة: إنه تعرّض لتعذيب مضاعف بسبب كونه صحافياً، حيث أخبره أحد الضباط بصراحة بأن مهنته هي سبب زيادة معاناته، وأنه كان يتعرض للشتم والضرب، والشبح، والحرمان من أبسط الحقوق.
وهو ذات الأمر الذي أكده الصحافي محمد السلطان، الذي خضع لجلسات تحقيق قاسية، تخللتها اعتداءات جسدية ولفظية، ومعاملة وحشية، موضحاً أن ضباط المخابرات كانوا ينكّلون به باستمرار، وأن السجانين كانوا يعذبونه فقط لكونه صحافياً.
بينما ذكر الصحافي خضر عبد العال أنه عانى من الحرمان من الطعام والعلاج والعبادة، طوال عشرة أشهر من الاحتجاز في مراكز التعذيب، وأن الاحتلال كان يتعمد مضاعفة تعذيبه لا لشيء سوى لأنه صحافي.
بينما بدت علامات التعب والإعياء واضحة على الأسير الصحافي أحمد شقورة، الذي أُفرج عنه مؤخراً، حيث كان نحيل الجسد، وقد فقدَ أكثر من ثلث وزنه.
وأكد شقورة أنه تعرض لمعاملة سيئة، وتعذيب مُستمر في سجون الاحتلال، إضافة إلى حرمانه من الطعام الكافي، موضحاً أن وضع الأسرى الذين تركهم خلفه في السجون لا يقل صعوبة عن حاله وحال باقي الأسرى المُفرج عنهم.
وشدد أسرى مُفرج عنهم مؤخراً على أن هناك العشرات من الأسرى خاصة الصحافيين، يتعرضون للإهمال الطبي المتعمد، ويُحرمون من أبسط حقوقهم في العلاج، بينما يتعرض باقي الأسرى للإذلال والتنكيل، ويحصلون على وجبات طعام قليلة جداً، تكفي فقط لبقائهم على قيد الحياة.
170 ألف طن نفايات في مدينة غزة
إلى جانب الدمار الكبير والهائل في مدينة غزة، تنتشر أكوام النفايات الصلبة في جميع أنحاء المدينة، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة سكانية، والتي عاد المواطنون إليها.
وتنتشر في مدينة غزة أكوام من النفايات الصلبة، ضمن مكبات عشوائية أقامها المواطنون، في ظل تراجع كبير في خدمات ترحيل النفايات الصلبة في المدينة، خاصة بعد إغلاق الاحتلال المكبّات الرئيسية.
وأكدت بلدية غزة أن المدينة تعيش أزمة بيئية وصحية كبيرة، نتيجة تراكم النفايات في الشوارع، خاصة في المكبات المؤقتة، التي تنتشر في مكان سوقَي اليرموك وفراس وسط المدينة.
وأشارت البلدية إلى أن النفايات تستمر في التراكم منذ بداية الحرب على القطاع، ما يُشكل تهديداً مباشراً على صحة المواطنين، ويزيد من معاناتهم اليومية في ظل الظروف الإنسانية الصعبة.
ونوهت إلى أن تزايد كمية النفايات يتسبب في انتشار الروائح الكريهة، ويزيد من خطر تلوث المياه الجوفية والأمراض المعدية.
وأوضحت أن أكثر من 170 ألف طن من النفايات تتراكم في الشوارع، ولا تستطيع آليات البلدية الوصول إلى المكب الرئيسي في منطقة "جحر الديك" جنوب شرقي المدينة، بسبب منع الاحتلال، وعدم توفر الآليات.
وناشدت البلدية المنظمات والمؤسسات الدولية التدخل العاجل، والتنسيق مع الجهات المختصة للسماح بالوصول إلى المكب الرئيسي لتفريغ النفايات بطريقة آمنة.
وتسببت النفايات المذكورة في تفاقم معاناة المواطنين، وانتشرت الحيوانات الضالة، والقوارض في الشوارع، وبين المنازل، خاصة أن النفايات المذكورة تتواجد في محيطها أكوام من الركام، وحولها يعيش المواطنون.
وذكر مواطنون من سكان مدينة غزة أن النفايات باتت تتحلل وتصدر عنها عصارات سامة، تسيل في الشوارع ووسط المناطق المأهولة، ما يهدد بانتشار الأمراض على نحو واسع، خاصة مع عودة مئات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة.
كما اشتكى مواطنون من سكان المدينة من اتساع ظاهرة طفح مياه الصرف الصحي في الشوارع، بسبب تدمير معظم شبكات المجاري، وزيادة استهلاك المياه بعد عودة النازحين.
وواصل مواطنون مناشداتهم لمختلف الجهات المحلية والدولية، مطالبين بضرورة حل المشكلات البيئية في مدينة غزة، من خلال ترحيل النفايات وأكوام الركام، وإصلاح شبكات الصرف الصحي، وعلاج باقي المشكلات.