يُواصل الاحتلال إغلاق معابر قطاع غزة للأسبوع الثاني على التوالي، بينما تتواصل تداعيات هذا الإغلاق على المواطنين في القطاع، من خلال توقف المخابز، وشح السلع، وغيرها من الأمور.
"الأيام" تواصل رصد مشاهد جديدة من قلب القطاع، تُوثق المعاناة المتفاقمة للمواطنين، جراء استمرار الحصار والتجويع، وفرض أمر واقع في مدينة رفح، إذ نقلت مشهداً بعنوان "توقف المخابز"، ومشهداً آخر يرصد أحلام المواطنين بالعودة إلى بيوتهم في مدينة رفح، ومشهداً ثالثاً ينقل مناشدات الدفاع المدني ووزارة الأشغال في قطاع غزة، للمواطنين والنازحين، بسرعة إخلاء الأبراج والمنازل الآيلة للسقوط.
توقف المخابز
لا تزال تبعات الحصار الإسرائيلي المُشدد على قطاع غزة تتوالي، وتتزايد معاناة المواطنين في القطاع مع زيادة التأثيرات، والتي وصلت مؤخراً لتوقف المخابز عن العمل، فقد شهدت الأيام الماضية توقف المزيد من المخابز عن العمل، بسبب نفاد الوقود، ما فاقم معاناة المواطنين والنازحين، ممن كانوا يعتمدون عليه في توفير قوت يومهم.
وأكد رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة، عبد الناصر العجرمي، أن جميع المخابز العاملة بـ"غاز الطهي" في خان يونس توقفت عن العمل، وعددها 5 مخابز، منها مخبزان آليان، والبقية نصف آلية.
وأكد العجرمي أن كمية السولار المتبقية لتشغيل بقية المخابز تكاد تكفي لمدة أسبوعين فقط، والمخازن شبه فارغة، ولا تحتوي على كميات كافية من السولار أو المواد الغذائية، مشدداً على أن استمرار الحصار يهدد بتجويع سكان قطاع غزة، ما يستوجب تحركاً سريعاً.
في غضون ذلك تعالت أصوات ومناشدات المواطنين، من أجل سرعة فتح المخابز، بعد توقف تدفق الخبز الجاهز المدعوم من قبل مؤسسات إغاثية دولية.
وقال المواطن إبراهيم عدوان: إنه كان يشتري ربطة الخبز الجاهز المدعوم من برنامج الغذاء العالمي مقابل 2 شيكل، وهذا وفر لهم السلعة على الدوام في المنزل طوال الأسابيع الخمسة الماضية، لكن مؤخراً أغلق المخبز الذي كان يشتري منه، وبدأ يُلاحظ اختفاء الخبز من القطاع.
وأشار إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يُعيده إلى خيارات صعبة، كان استغنى عنها في السابق، مثل اللجوء لإعداد الخبز في المنزل، وهذه تُعد مشكلة، فلا يوجد لديه غاز طهي من أجل إتمام هذه المهمة، ولا خيار أمامه سوى إشعال النار بوساطة الخشب أو الحطب، وثمن الكيلوغرام الواحد من الخشب تجاوز 5 شواكل، وهذا أمر مُكلف، عدا أسعار الطحين المُرتفعة، ما يعني أنهم عادوا لنفس المربع الأول من حيث معاناة الخبز.
وبيّن أنه وغيره من المواطنين يعيشون على أمل أن يتم فتح المعابر، ورفع الحصار، وعودة توفر الخبز في القطاع بشكل طبيعي كما السابق، لافتاً إلى أن الاحتلال يواصل فرض سياسات العقاب الجماعي على سكان القطاع.
العودة إلى رفح
لا تزال عشرات الآلاف من العائلات محرومة من العودة إلى منازلها وأحيائها السكنية في مدينة رفح، جراء سيطرة الاحتلال على مناطق واسعة من وسط وجنوب وغرب المدينة.
ولا تزال الأسر التي تقع منازلها وأحياؤها في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، تُقيم في مناطق المواصي، ومناطق أخرى في القطاع، حتى أضحت العودة للبيت حُلماً يراود النازحين.
يقول المواطن سمير صالح: إنه بحسب الاتفاق كان من المفترض أن يكتمل انسحاب الاحتلال من محور فيلادلفيا في اليوم الخمسين من بدء المرحلة الأولى، لكن هذا اليوم حل وما زال الاحتلال جاثماً على المحور، ودباباته تتقدم كل يوم وصولاً حتى منتصف رفح، بينما تحكم المُسيّرات الغطاء الجوي على نصف مساحة رفح.
وأكد صالح أنه وغيره من النازحين اشتاقوا للعودة إلى بيوتهم وأحيائهم، وهناك من غلبه الشوق والحنين، وغامر بالعودة إليها، لكن قناصة الاحتلال ومُسيّراته قتلوهم أو أصابوهم.
وأشار إلى أن الناس في مدينة رفح يُتابعون باستمرار الأخبار المتعلقة بالتهدئة، وكلهم أمل أن يتم التوصل لاتفاق جديد يفضي إلى الانسحاب من محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، ما يُمكنهم من العودة إلى أحيائهم السكنية.
ولفت إلى أن سكان مدينة رفح ظُلموا، ومنذ بدء التهدئة قبل أكثر من 50 يوماً، لم يشعروا بالمطلق بأي جديد، فما زالوا يعيشون في الخيام حياة بائسة وصعبة، ويأملون بانسحاب الاحتلال من رفح، في أسرع وقت ممكن.
في حين يقول المواطن عبد الله النجار: إن وجود الاحتلال في رفح تسبب بتقسيم المدينة، ومنع غالبية السكان من العودة إليها، والجميع يحلمون باليوم الذي ينسحب الاحتلال فيه من رفح، حتى يعودوا إلى بيوتهم وأحيائهم، فحتى من يثق أن بيته دُمر، يتمنى أن يعود لأنقاضه.
وأكد النجار أن الاحتلال ما زال يستخدم ورقة محور صلاح الدين "فيلادلفيا" كورقة تفاوض، ويبتز الفلسطينيين بها، واستمرار بقاء الدبابات في محور صلاح الدين سيُواصل خلق واقع صعب في المدينة.
ورفض الاحتلال الانسحاب من محور صلاح الدين، والذي يمتد على طول جنوب مدينة رفح، بطول 13 كيلومتراً، وقد فرضت قواته منطقة عازلة يصل عمقها إلى 1.5 كيلومتر شمال المحور المذكور.
مناشدات بإخلاء البنايات المُتداعية
شهدت الفترات الماضية مزيداً من الحوادث المُفجعة، التي نجمت عن انهيار مبان ومنازل آيلة للسقوط، ما تسبب بسقوط عدد من الضحايا.
ودفع تكرار تلك الحوادث الجهات المعنية في قطاع غزة لإصدار المزيد من التحذيرات للمواطنين، لمطالبتهم بتجنب الإقامة في المنازل الآيلة للسقوط، خاصة في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية إسرائيلية في الآونة الأخيرة.
وطالبت وزارة الأشغال العامة والإسكان، والدفاع المدني، المواطنين النازحين المقيمين داخل المباني والأبراج السكنية التي تعرضت للقصف الإسرائيلي سابقاً، وتصنف بأنها خطرة، بضرورة إخلائها، والتوجه إلى مراكز إيواء وأماكن سكنية آمنة.
وأكدت الوزارة أن فرقها المختصة أجرت جولات ميدانية على المباني المرتفعة، والأبراج السكنية، التي استهدفها جيش الاحتلال سابقاً في محافظة غزة، وصنفت جزءاً منها بأنها خطرة آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن.
وأضافت: إنها أخطرت المواطنين الذين يسكنون هذه المباني والأبراج بضرورة إخلائها، والتوجه إلى أقرب مركز إيواء في منطقتهم.
وطالبت وزارة الأشغال والدفاع المدني، سكان "برج زهرة المدائن" بمنطقة الشاليهات غرب مدينة غزة، وسكان أبراج الكرامة، شمال محافظة غزة، بوجوب إخلائها والتوجه إلى أماكن سكنية آمنة، نظراً لخطورة السكن فيها وهي آيلة للسقوط، محذرة أيضاً السكان المقيمين في محيط هذه الأبراج، وطالبتهم بإخلائها والتوجه إلى أماكن آمنة.
وأكدت الوزارة أنها تنسق حالياً مع الدفاع المدني لإزالة الأخطار من أبراج ومبان سكنية أخرى تم تصنيفها ضمن المباني الصالحة للسكن، لكنها تحتاج إلى إزالة خطر كتل وجدران إسمنتية.
وكان الدفاع المدني أكد وجود آلاف المباني، والجدران، والكتل الإسمنتية الآيلة للسقوط أو المعلقة، وهي خطر كامن، يُهدد أمن وسلامة المواطنين، ومن الممكن أن ينهار في أي وقت.
وأكد مدير الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني، محمد المغير، أن فرق الإنقاذ تعاملت مع عشرات المباني، وأزالت الكثير من الأخطار، لكن حجم المباني المتداعية كبير، وهي تجتاح إلى معدات، وخبراء، وهذا كله غير متوفر حالياً، لذلك يجب الحذر والابتعاد عن المنازل الخطرة، لحين التعامل معها.