Adbox

في خضم أوضاع تتوسع بها آثار الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضد العالم للحفاظ على هيمنتها، وفي ظل معاناة مليارات البشر من الآثار المدمرة لهذه الحرب على حياتهم، من تفاقم انعدام الأمن الاقتصادي والتضخم والبطالة، وتوسع هجمات الطبقة البرجوازية على معيشة الجماهير، ترى الحكومة الفاشية الإسرائيلية أن الوقت مناسب لتصعيد حملة الإبادة الجماعية ضد جماهير فلسطين وتعزيز سياساتها الرجعية والفاشية في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث استأنفت هجماتها الوحشية ضد هذه الجماهير.

وبعد انتهاء الجولة الأولى من وقف اطلاق النار في قطاع غزة - الذي رافقته انتهاكات إسرائيلية يومية من قبل الجيش والمستوطنين الفاشيين في الضفة الغربية - وصلت الجولة الثانية من المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب رفض إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تواصل إسرائيل هجماتها البربرية دون توقف على سكان غزة المحرومين. هذه المرة، لم تكتفِ إسرائيل بمنع دخول المواد الغذائية والدواء والوقود و....فحسب، بل عادت لقصف المدنيين المشردين، ومهاجمة المستشفيات وملاجئ النازحين وسيارات الإسعاف وعمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة والصحفيين وخيامهم، فضلاً عن المنازل المدمرة جزئياً التي يلجأ إليها المدنيون يائسين، مع استئناف عمليات التطهير العرقي. وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، قُتل حوالي 1500 شخص وأصيب أكثر من 3700 آخرين في قطاع غزة منذ 18 مارس-اذار2025. كما تواصل الحكومة الفاشية الإسرائيلية ارتكاب جرائمها في الضفة الغربية بأشكال مختلفة.

بعد 16 شهراً من الحرب والقصف والقتل، تحول أمل وتطلع جماهير فلسطين المحرومة بانهاء هذه الوحشية والمجزرة بحقها وحق ابنائهم إلى كابوس آخر. إذ يعيش اليوم جميع سكان قطاع غزة، الذين يقارب عددهم مليوني نسمة، في حالة تشرد وتيه في هذا الشريط الضيق، تحت وطأة القصف المكثف والقنابل الفوسفورية والعنقودية المحظورة دولياً، يعانون من مجاعة مطلقة وسط النار والدماء.

إذا كان هجوم حماس في 7 أكتوبر قد شكّل ذريعة لإسرائيل وحكومات الغرب الداعمة لها لشن أكثر الجرائم دموية في التاريخ ضد جماهير فلسطين، فإن استئناف المجزرة اليوم يثبت حتى لأكثر الناس جهلاً وحماقة أن حماس مجرد ذريعة، وأن إبادة جماهير فلسطين وسفك دمائها هي السياسة الرسمية للفاشيين الحاكمين في إسرائيل، بغض النظر عن وجود حماس أو عدم وجودها، وبغض النظر عن وجود أحداث 7 أكتوبر أو عدمها. وبمعزل عن 7 أكتوبر وعن وجود حماس من عدمه، تبذل إسرائيل كل جهودها لتدمير جماهير فلسطين بالكامل وضم ما تبقى من أراضيها. لقد تم التوصل إلى وقف اطلاق النار والمفاوضات التي أوقفت المجزرة لمدة شهرين تحت ضغط الاحتجاجات العالمية وضغط جماهير إسرائيل التي كانت تطالب بإطلاق سراح أسراها، وهو ما وضعت له الحكومة الفاشية الحاكمة في إسرائيل حداً.

إن استئناف الهجمات على جماهير فلسطين واستمرار قصف غزة، ومخططات ترامب وأحلامه "الذهبية" لطرد الفلسطينيين من غزة، واستمرار هدم المنازل والاعتقالات والاغتيالات والهجمات اليومية في الضفة الغربية، كل ذلك يحدث تحت حماية الإعلام الرسمي، وهو ليس سوى حلقة من حرب الإبادة التي تجري منذ 77 عاماً ضد جماهير فلسطين. إن مخططات الحكومة الفاشية الإسرائيلية وجلاديها في السلطة، والتي تشمل استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومحاولة احتلال أجزاء من قطاع غزة وتقسيم المنطقة إلى شمال وجنوب، واحتلال وتواجد الجيش الإسرائيلي على حدود غزة مع مصر وإغلاق جميع طرق المساعدات والاتصال بالمنطقة، والحصار الكامل لسكان غزة، كل هذه ليست سوى جوانب من مخطط أوسع وأكثر وحشية يهدف إلى التدمير الكامل لملايين البشر والاحتلال الكامل لفلسطين.

إن هذه الجولة من المذابح والإبادة الجماعية في فلسطين قد تم تهميشها من قبل وسائل الإعلام الرئيسية تحت ذرائع متعددة، مثل تصاعد التوترات العالمية والإقليمية، وخطابات ترامب ومرافقيه العدائية، وذرائع التهديدات الحربية لإيران والهجمات في الشرق الأوسط، وصراعات الدول الرجعية في سوريا، والصراعات بين أمريكا وأوروبا والحرب في أوكرانيا، والدعاية الحربية الأوربية لاستمرارها، وأخيرًا تحت ذريعة الحرب الاقتصادية الواسية بين أمريكا والصين.  هذه الوسائل الإعلامية، التي اضطرت تحت ضغط الحركة العالمية الداعمة لجماهير فلسطين إلى نقل وعكس جزء من جرائم إسرائيل والاحتجاجات العالمية ضدها، أصبحت اليوم تُخفى وتُفرض رقابة صارمة حتى على أوسع الاحتجاجات، بما في ذلك تلك التي تحدث في دول الشرق الأوسط مثل مصر وتونس والمغرب وغيرها، ضد وحشية إسرائيل. 

لقد هدد زعماء إسرائيل صراحةً بـ"سنغلق أبواب غزة ونفتح أبواب الجحيم". لكن، ومنذ عام ونصف، أصبحت غزة أسوأ من الجحيم ذاته. السؤال هو: هل سيتحقق هذا اليوم المشؤوم لحفنة من مجرمي الحرب وجزاري جماهير فلسطين، حفنة من الفاشيين والقتلة المحترفين، بدعم وتواطؤ ومشاركة مباشرة من العديد من الحكومات الغربية؟ هل يمكن لأفران الإبادة الإسرائيلية، التي لم تنطفئ ولو لساعة واحدة في كل أنحاء غزة وحتى في الضفة الغربية، أن تستمر في قتل وإحراق وتدمير ملايين البشر لمجرد كونهم فلسطينيين؟ هل يمكن لوحشية وجرائم إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وحلفائهم ضد جماهير فلسطين واغتصاب أراضيها أن تستمر أمام أنظار العالم؟ 

إن الجواب على كل هذه الأسئلة هو "لا" بلا شك. فالعالم اليوم يغلي بالغضب والكراهية على حكومات العالم الكبرى، وعلى النظام الرأسمالي السائد، باعتباره السبب الرئيسي للفوضى والفقر وإنعدام الأمن والعسكرة. إن جماهير العالم المتمدنة تحترق غضبًا من مذابح جماهير فلسطين، ومن حكومة إسرائيل وشركائها الغربيين، ومن صمت وخطابات الأمم المتحدة الفارغة والمؤسسات الدولية والدول التي تدعي عدم مشاركتها في جرائم فلسطين، وضد مساومات حكومات المنطقة والعالم العربي، مثل إيران وتركيا ومصر والسعودية وغيرها، التي تستغل الحرب الدموية الإسرائيلية ومآسي جماهير فلسطين تحت شعارات كاذبة مثل "الدفاع عن فلسطين" لتحقيق أهدافها الرجعية ومصالحها الأنانية. 

أصبح واضحًا الآن أكثر من أي وقت مضى أن ليس جماهير فلسطين المحرومة أي داعم سوى جماهير العالم المتمدنة، والطبقة العاملة والمنظمات والمؤسسات العمالية. اليوم، لا تستطيع جماهير فلسطين أن تعوّل على أي حكومة أو مؤسسة دولية أو إقليمية سوى دعم هذه القوى واستمرار احتجاجاتها وإضراباتها ضد إسرائيل وحلفائها. يمكن للطبقة العاملة العالمية أن تلعب دورًا محوريًا في الضغط على إسرائيل وحلفائها، وعلى الحكومات الرجعية في المنطقة. إن انخراط هذه الطبقة بشكل كامل في هذه الحملة الإنسانية لن يعزل إسرائيل أكثر من أي وقت مضى ويضع حدًا لوحشيتها فحسب، بل سيضع أيضًا حداً للحكومات الرجعية في المنطقة من المساومة على مآسي جماهير فلسطين. 

هذه الحركة الإنسانية مستمرة منذ عام ونصف بصورة حية وفعالة. ولا شك أن تحرك الطبقة العاملة في هذه الحركة وفي دفاعها الموحد عن جماهير فلسطين سيفتح الباب أمام دخول أوسع لهذه الطبقة للدفاع بصورة موحدة ضد الفقر والحرمان، ضد الاستغلال وانعدام الحقوق، وضد الحرب والجرائم والعسكرة على مستوى العالم.

 

الحزب الشيوعي العمالي العراقي

الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني

الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)

10 نيسان 2025

أحدث أقدم