بقلم: أمي أيالون، جلعاد شيروأورني بيتروشكا
time - أعلنت عدة دول، منها المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، أنها ستحذو حذو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالاعتراف بدولة فلسطينية خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل. يمثل هذا التطور تحولاً جوهرياً من شأنه أن يُسهم في خلق زخم جديد نحو حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، مع تقويض أيديولوجية المقاومة العنيفة التي تتبناها حماس وغيرها من المنظمات الجهادية. ينبغي على المزيد من الجهات الغربية الفاعلة الرئيسية الانضمام إلى هذه الخطوة للاعتراف بدولة فلسطينية.
بالطبع، رؤية دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب ليست بجديدة. ففي عام ١٩٤٧، صوّتت الأمم المتحدة على إنشاء دولتين لشعبين - إحداهما يهودية والأخرى عربية - بشروط محددة. رفض القادة العرب خطة التقسيم، ثم تأسست إسرائيل بعد ذلك بوقت قصير. وحتى الآن، اعترفت ١٤٧ دولة عضوًا في الأمم المتحدة من أصل ١٩٣ دولة بفلسطين، بينما حافظت ١١٤ دولة على علاقات دبلوماسية كاملة مع السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، امتنعت معظم الديمقراطيات الغربية الرائدة عن الاعتراف حتى وقت قريب، رغم دعمها العلني لحل الدولتين.
اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل المعترف به دوليًا للشعب الفلسطيني، بحق إسرائيل في الوجود منذ عام ١٩٨٨، وهو اعترافٌ أُعيد تأكيده خلال عملية أوسلو، ورُسِخ في مبادرة السلام العربية. في المقابل، لم تعترف إسرائيل قط بدولة فلسطينية، ولا حتى خلال المفاوضات التي يُزعم أنها تهدف إلى تحقيق تلك النتيجة. هذا الخلل هو ما بدأت الخطوة التي بادرت بها فرنسا، والتي تعارضها الحكومة الإسرائيلية، بمعالجته.
قد يُشكّل الزخم الدبلوماسي الذي أحدثته الدول الغربية الكبرى نقطة تحول. فمن شأنه أن يضعها في طليعة إجماع عالمي يتجلى بالفعل في قراري مجلس الأمن الدولي رقمي 242 و338، واتفاقيات أوسلو، ومبادرة السلام العربية لعام 2002، وخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط لعام 2020. وللأسف، تجاهلت إدارة ترامب تصريحات هذه الدول.
بصفتنا إسرائيليين وطنيين، نؤمن بأن حل الدولتين لشعبين يظل السبيل الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام والأمن على المدى الطويل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. بدلًا من الرفض الانفعالي للمبادرة الدبلوماسية الفرنسية، ينبغي على إسرائيل استغلالها والإعلانات اللاحقة لمصلحتها لتعزيز أمنها القومي ومكانتها الدولية.
ونحن نرحب بالاعتراف الدولي المتزايد لعدة أسباب.
أولا، إنها ترسل رسالة قوية إلى المتطرفين على الجانبين: إن الرؤى المتطرفة للسيادة الحصرية على الأرض بأكملها ليست شرعية ولن يحظى بتأييد المجتمع الدولي.
ثانيًا، يُوفر الاعتراف ثقلًا أيديولوجيًا بنّاءً لحماس وغيرها من التنظيمات الجهادية. فالعمل العسكري وحده لا يكفي لهزيمة التطرف؛ بل يجب أن يقترن برؤية سياسية بديلة موثوقة. يُمثل الاعتراف بفلسطين كدولة مسارًا سلميًا وواقعيًا يُقوّض رواية المقاومة العنيفة، ويُعطي أملًا للفلسطينيين الساعين إلى حل دبلوماسي . وهكذا، يصبح البديل واقعًا ملموسًا، ولا بد أن يُعزز القوى المعتدلة داخل المجتمع الفلسطيني، ويُهمّش المتطرفين، ويُعزز الأمن. وفي الوقت نفسه، ينبغي على إسرائيل أن تتحمل مسؤولية أمنها وتُواصل كفاحها ضد حماس وغيرها من التنظيمات الجهادية.
ثالثًا، للاعتراف بالدولة الفلسطينية تداعيات على المفاوضات المستقبلية، لا سيما فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين الشائكة. فالدولة الفلسطينية المعترف بها توفر حلاً واضحًا لاستيعاب اللاجئين وإعادة تأهيلهم، مما يُسهم في حل أحد أكثر جوانب الصراع تعقيدًا وتأثيرًا.
رابعًا، يمكن أن يؤدي هذا الاعتراف المُسبق إلى ترسيم حدود واضحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مما قد يُعزز الأمن في الدولتين. وبمجرد ترسيم هذه الحدود، سيحمل تقرير المصير الوطني ضمن حدود متفق عليها مسؤولية الحد من العنف.
خامسًا، كانت عواملُ التعطيل، كالإرهاب والعنف وتوسيع المستوطنات ونزع الشرعية المتبادلة، هي المسيطرة على المفاوضات خلال العقد والنصف الماضيين. بعد مذبحة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول وحرب غزة التي تلتها، تباعدت الروايات. إن بدء محادثات مستقبلية بالاعتراف المتبادل بالدولة الفلسطينية من شأنه أن يُسهم في تضييق الهوة وبناء مفاوضات أكثر مرونة.
أخيرًا، إن انضمام المملكة العربية السعودية إلى فرنسا في دعوة الدول في الأمم المتحدة لدعم إعلان يحدد "خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا ولا رجعة فيها" نحو تطبيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، يُضفي بُعدًا استراتيجيًا جديدًا. فهو يُعقّد المعارضة التي سبق أن عبّر عنها الرئيس ترامب، نظرًا للمصالح الجيوسياسية الأمريكية في الرياض. بالإضافة إلى ذلك، يُعزز إطار مبادرة السلام العربية، التي طرحها السعوديون أولًا، والتي تتوخى سلامًا إقليميًا شاملًا. يُعدّ هذا الإطار حيويًا لمستقبل غزة، التي ستُشكّل مع الضفة الغربية الدولة الفلسطينية، وخاصةً لإعادة إعمار غزة بعد الحرب والإنعاش الإنساني، وإطلاق سراح الرهائن. وعلى الصعيد الإقليمي، فبدون مسار موثوق نحو الدولة الفلسطينية، لن يكون هناك تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وستظل المنطقة متقلبة.
لقد أعاق الغموضُ عمليةَ السلام حتى الآن، وهو يكتنف هدفها النهائي: دولتان لشعبين. ينبغي تحديدُ نتيجةِ قيامِ إسرائيل يهودية ديمقراطية آمنة، ودولة فلسطينية فاعلة، وإن كانت منزوعة السلاح، بوضوح، وتنفيذُها من خلال عمليةٍ تدريجيةٍ قائمةٍ على معايير الأداء.
إن الاعتراف بفلسطين، الذي انضمت إليه جهات غربية رئيسية أخرى، قد يُمثل نقطة تحول في طرح خارطة طريق بنّاءة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن شأنه أن يُسهم في الانتقال من نهج إدارة الصراع، الذي جلب الألم والمعاناة لكلا الشعبين، إلى نهج حل الصراع. وإذا تبنت هذه الخطوة ووسّعت نطاقها جهات دولية أخرى، فقد تُحفّز جهودًا عالمية مُجدّدة لصياغة واقع جديد من التعايش والسلام والأمن في الشرق الأوسط.
ولا ينبغي للرئيس ترامب أن يتخلى عن معارضته لهذه الخطوة فحسب، بل ينبغي له أن يتولى زمام المبادرة في هذا الصدد.
