Adbox

هآرتس  - توم مهاجر| الناطق باسم مركز "عدالة" للإعلام باللغة العبرية - حتى قبل نحو عشرين عامًا، كان بإمكان الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة رفع دعاوى تعويض أمام المحاكم الإسرائيلية، بسبب أضرار جسدية أو مادية لحقت بهم جراء عمليات الجيش أو الشرطة. وفي إطار هذه الإجراءات، وبعد أن يثبتوا أنهم لم يشاركوا في أي نشاط قتالي، كانت المحاكم تقرّ لهم تعويضات مالية. إلى جانب الحق الفردي، عكست هذه السياسة رؤية مؤسساتية تعتبر السكان غير المشاركين في القتال بمثابة مدنيين محميين إلى حدّ ما.

قضية الصيادين جهاد ومحمد الحسّي تجسّد مدى التغيير الذي طرأ على هذا الواقع. ففي عام 2022، صادرت البحرية الإسرائيلية قواربهم أثناء الصيد قبالة شواطئ غزة، وطلبت الدولة من المحكمة مصادرتها نهائيًا. لكن الصيادين، اللذين مثّلهما منظمتا "جيشا" و"عدالة"، أكدا أن القيود التي تفرضها إسرائيل على الصيد غير قانونية وفق القانون الدولي، وأنها لا تملك صلاحية احتجاز قوارب الصيد. المحكمة أصدرت قرارًا مؤقتًا بإعادة القوارب إلى أصحابها مقابل كفالة مالية قدرها 150 ألف شيكل، لكن بعد السابع من أكتوبر، وبعد أن دمرت إسرائيل القوارب، أمرت المحكمة بإعادة المبلغ لأصحابه.

في الماضي، كان يمكن للصيادين أن يزعموا أنهم غير متورطين في القتال وأن يطالبوا بتعويض عن الضرر الذي لحق بممتلكاتهم ومصدر رزقهم. أما اليوم، فقد أُلغيت فعليًا التفرقة بين المقاتلين والمدنيين، وأُغلقت أبواب المحاكم أمامهم. لم يبقَ لهم سوى الاكتفاء بقرار المحكمة بإعادة أموالهم — تلك التي كانت لهم أصلًا.

الفكرة التي ترى في جميع الفلسطينيين جزءًا من المعركة، بحيث تُلغى التفرقة بين المقاتلين والسكان المحميين وفق القانون الدولي، ليست جديدة ولم تبدأ بعد السابع من أكتوبر. ففي عام 2005 أقرّ الكنيست تعديلًا على قانون الأضرار المدنية منح وزير الأمن صلاحية إعلان منطقة ما في الأراضي المحتلة "منطقة قتال" – وبأثر رجعي – الأمر الذي يمنع سكانها الفلسطينيين من تقديم دعاوى تعويض. ورغم أن المحكمة العليا أبطلت التعديل عام 2006، فإن الدولة بدأت عمليًا تمنع الفلسطينيين من دخول إسرائيل لتقديم الدعاوى، فتم شطبها جميعًا. لاحقًا وسّعت الدولة تعريف "منطقة القتال" و"أراضي العدو"، بحيث شمل أيضًا المدنيين غير المنخرطين، بمن فيهم الأطفال، الذين جرى التعامل معهم كـ"رعايا عدو" لا يحق لهم المطالبة بالتعويض.

وفي الميدان الجنائي، أثبتت وحدتا التحقيق العسكري والشرطي (مِتساح وماحش) مرارًا وتكرارًا أنهما لا تنويان إجراء تحقيقات نزيهة في شبهات الجرائم التي ارتكبها جنود أو شرطيون في الأراضي المحتلة. وهكذا يعيش الفلسطينيون منذ عقود في واقع بلا قانون ولا محاسبة. أحداث السابع من أكتوبر كانت بمثابة شرارة – أو ذريعة، كما يقول البعض – لتشديد الموقف القائل إنه "لا يوجد فلسطيني بريء". التصريحات التي أطلقها كبار المسؤولين، الداعية إلى الإبادة والتجويع والإيذاء الجماعي لسكان غزة، قوبلت بصمت من جهاز القضاء، فيما لم تُفتح أي تحقيقات في الأعمال الوحشية على الأرض. لم يعد هناك نظام قضائي يضع حدودًا أو يفرض مسؤولية.

لذلك ليس من المستغرب أن تصدر المحاكم الدولية أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، وأوامر مؤقتة تُلزم إسرائيل باتخاذ خطوات معينة. بهذه القرارات، تملأ محاكم لاهاي – ولو جزئيًا – الفراغ الذي خلّفه انهيار المنظومة القضائية الإسرائيلية.

أحدث أقدم