خلفت التداعيات الكارثية للحرب المستمرة على القطاع، معاناة شديدة للمواطنين، وأسهمت في نشر أمراض خطيرة، مهددة السكان من جميع الأعمار.
"الأيام"، رصدت مشاهد جيدة تسلط الضوء على تداعيات الحرب على الوضع الصحي في القطاع، منها مشهد يرصد تزايد عدد مرضى السرطان، والخطر الكبير الذي يتهدد حياتهم، ومشهد آخر يوثق زيادة كبيرة في تشوهات الأجنة والولادات المبكرة، ومشهد ثالث يُسلط الضوء على أزمة نقص الأدوية وتداعياتها على المرضى.
مرض السرطان يتفشى في غزة
شهدت معدلات الإصابة بمرض السرطان في القطاع ارتفاعاً كبيراً في الأشهر الماضية، في ظل وضع صحي مترد، وصعوبة في علاج المرض، خاصة بعد تدمير مستشفى الصداقة التركي، وهو المشفى الوحيد المخصص لعلاج مرضى السرطان.
ووفق أطباء فإن هناك ارتفاعاً ملحوظاً طرأ في تشخيص حالات إصابة جديدة بالسرطان من جميع الأنواع، ولكافة الأعمار من كلا الجنسين.
وأكد مختصون أن مسببات انتشار المرض عديدة، منها التلوث البيئي وسببه الحرب المستمرة التي يتعرض لها القطاع، والأخطر من ذلك إلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات التي تحوي مواد مسرطنة وخطيرة، مثل المعادن الثقيلة، غير القابلة للهدم البيولوجي، وكذلك قنابل تحوي "يورانيوم منضب".
ووفق مختصين فإن أخطر ما في الأمر أنه يتم تشخيص الكثير من مرضى السرطان في مراحل متأخرة جداً، بينما لا يتمكن آخرون من اكتشاف إصابتهم بسبب غياب وسائل التشخيص، وهذا يقلل فرص النجاة ويزيد من وفيات المرض.
وبحسب وزارة الصحة في غزة هناك أكثر من 12 ألف مريض سرطان في القطاع، ويشخص 2000 مريض جديد سنوياً، 35% منهم نساء مصابات بمرض سرطان الثدي، وبالتالي فإنه خلال عامين من الحرب توجد 4 آلاف حالة سرطان جديدة تضاف إلى الحالات القديمة، و70% من هؤلاء بحاجة ماسة للسفر من أجل العلاج بسبب عدم توفر العلاجات كافة لمرضى السرطان في القطاع.
وأكد مركز غزة لحقوق الإنسان، أن ما يحدث من منع وصول الأدوية، وحظر سفر مرضى السرطان شكل واقعاً لا يترك مجالاً للشك بأنّ إسرائيل تنفّذ سياسة قتل بطيء بحق آلاف المرضى، بحرمانهم المتعمّد من حقهم في الحياة والعلاج، وتحويل معاناتهم إلى وسيلة عقاب جماعي قاسية.
وأكد وجود 12500 مريض بالسرطان في القطاع، بينهم أطفال في أعمار صغيرة، 52 % منهم من الإناث.
وأوضح المركز أن نقص أدوات التشخيص وتوقف معظم أقسام الفحص والتصوير الطبي أدى إلى تشخيص ما لا يتجاوز 1000 مريض فقط، فيما يُقدّر أن هناك نحو 3000 مريض آخرين لم تُشخّص حالاتهم بعد، ويواجهون خطر تفاقم المرض دون رعاية طبية، ما يُنذر بكارثة صحية صامتة تهدد حياتهم.
وأشار إلى أن انقطاع العلاج الكيميائي والعلاجات الموجهة للأورام تسبب وفاة ما لا يقل عن 615 مريضاً بالسرطان منذ بدء العدوان على القطاع، من بينهم 179 حالة في الربع الأول من العام 2025 فقط.
تزايد تشوهات الأجنة
بعد أن كانت تشوهات الأجنة في القطاع تعتبر نادرة الحدوث، باتت في ظل الحرب ظاهرة مقلقة، ليس في زيادة عددها فحسب، بل عبر ولادة أطفال يعانون تشوهات غريبة وغير معهودة.
ويربط أطباء بين تزايد حدوث التشوهات وبين ما يتعرض له القطاع من حرب مدمرة، تُلقي قوات الاحتلال خلالها آلاف الأطنان من المتفجرات، التي أدت لانتشار التلوث، الذي تعرضت له الأمهات، وتسبب بتشوهات أجنتهن إضافة إلى المجاعة الشديدة التي عاشتها الحوامل، والتي انعكست سلباً على صحة الأجنة.
ووفق مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، فإن وفيات الأطفال المواليد زادت 5 أضعاف، إذ كانت 9 لكل ألف مولود ووصلت اليوم إلى 50.
وأوضح أبو سلمية أن التشوهات الخلقية والولادات المبكرة والأوزان القليلة ستكون لها تداعيات كبيرة على أجيال بأكملها.
كما أشار إلى أن وفيات الأمهات الحوامل زادت 6 أضعاف، إذ كانت 27 لكل 100 ألف وأصبحت اليوم 145.
وسبق وحذر مدير الإغاثة الطبية في مدينة غزة والشمال محمد أبو عفش، من ارتفاع عدد حالات تشوّه الأجنّة بشكل غير مسبوق وخطير للغاية وبنسبة تجاوزت 25%، جراء استخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليا.
وأكد أبو عفش، عدم وجود أي أجهزة مخبرية أو تحاليل للتأكد المسبق من وجود تشوهات خلقية في الأجنة، محذّراً من الخطر الشديد الذي يتهدد حياة 150 ألف سيدة حامل في القطاع جراء استنشاقهن غازات سامة ومعاناتهن من نقص المناعة.
من جهته أكد الدكتور أسعد نواجحة، مختص طب الأطفال في مجمع ناصر الطبي بمحافظة خان يونس، أنه لم يسبق له أن رأى هذا العدد الكبير من الأطفال المولودين قبل الأوان أو المصابين بعيوب خلقية، مؤكداً أن النقص الحاد في المعدات الطبية يجعل علاج الأطفال المولودين بعيوب خلقية أمراً شبه مستحيل.
ونشرت صحيفة "تليغراف"، عن طبيبين كبيرين يعملان في غزة إن "سوء التغذية في غزة يؤدي إلى زيادة في العيوب الخلقية التي تهدد الحياة، بما في ذلك "استسقاء الرأس والسنسنة المشقوقة"، ويقول الأطباء إنهم لاحظوا زيادة في عيوب الأنبوب العصبي، وهي تشوهات نمو خطرة تؤثر على الدماغ والحبل الشوكي وترتبط بنقص حمض الفوليك أثناء الحمل.
استمرار أزمة الدواء
تواصلت أزمة الدواء والمستهلكات الطبية في القطاع، رغم مرور أكثر من 23 يوماً على بدء التهدئة الحالية.
وتعاني المستشفيات والعيادات، وكذلك الصيدليات الخاصة، من شح شديد وغير مسبوق في الدواء، والعقاقير والمستهلكات الطبية، جراء قيود الاحتلال المشددة على إدخال الأدوية، سواء المصنفة كتبرعات للمستشفيات، أو الأدوية التجارية المخصصة للبيع في الصيدليات.
ووفق مواطنين وصيادلة ومختصين، فإن هناك شحاً كبيراً وغير مسبوق في الأدوية والعقاقير الطبية في المستشفيات والصيدليات، خاصة المضادات الحيوية، والمسكنات، والأدوية المنقذة للحياة.
وأكد جرحى ومرضى أنهم يعانون جراء شح الأدوية، إذ قال المواطن عبد الرحمن سليمان إن ابنه مصاب بجروح غائرة في القدم، وتتشكل بكتيريا باستمرار على الجروح، وهو بحاجة لمضادات حيوية من الجيل الرابع، لكنه يعاني من أجل توفيرها، فهي غير متوفرة في المستشفيات، وكذلك في الصيدليات، ويبحث باستمرار لتوفيرها.
وأكد سليمان أنه يواجه صعوبة كبيرة في توفير المسكنات القوية لابنه، الذي يعاني من نوبات ألم شديدة، موضحاً أن نقص الأدوية حوّل حياتهم إلى جحيم، فمعاناة الإصابة في ناحية، ومعاناة البحث عن الأدوية وتوفيرها في ناحية أخرى.
وأوضح أن حال ابنه حال غيره من المرضى والجرحى، ممن يعانون جراء نقص الأدوية، وضعف النظام الصحي في القطاع، موضحاً أن التهدئة لم تغير شيئاً من حالهم.
من جهته أكد مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش، أن الاحتلال ينتهج سياسة التقطير في دخول المساعدات والإمدادات الطبية، وما زال يمنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية رغم الحاجة الماسة لها.
وأكد أن مستشفيات غزة تواجه كارثة غير مسبوقة لإصرار الاحتلال على منع دخول الدواء والمستلزمات الطبية، خاصة الأدوية منقذة الحياة كأدوية العمليات والطوارئ.
وأكد البرش أن الاحتلال يمنع أيضاً دخول المكملات الغذائية الخاصة بالأطفال، على الرغم من أهميتها الكبيرة.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 350 ألف مصاب بأمراض مزمنة في القطاع لا يجدون أدويتهم الخاصة كأدوية الضغط والسكري، مطالباً بفتح المعابر للإجلاء الطبي للحالات التي تحتاج إلى علاج خارج القطاع.
