** المقالة نُشرت في كتاب "الفلسطينيون في
اسرائيل" الصادر عن مركز مدى الكرمل، حرره نديم روحانا وأريج صبّاغ-خوري
مقدمة
في
ساعات بعد ظهر الإثنين 29\10\1956، يوم بدأ العدوان الثلاثي على مصر، قرّرت قيادة
الجيش الإسرائيليّ فرض حظر التجوّل على سكان كفر قاسم وقرى عربية أخرى مجاورة (مثل
كفر برا وجلجولية والطيرة الطيبة وقلنسوة)، ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً. وقد
نُقلت أوامر حظر التجوّل من قائد المنطقة الوسطى، تسفي تسور، إلى الضباط
الميدانيين ثم إلى وحدات من شرطة حرس الحدود وُضعت تحت تصرف الجيش لتنفيذ حظر
التجوّل في تلك القرى.
وقد
نقلت الأوامر بسرعة في ساعات بعد ظهر ذلك اليوم، ووصلت إلى علم المختار، وديع أحمد
صرصور، في نحو الساعة الرابعة والنصف، أي قبل بدء سريان حظر التجوّل بنصف ساعة
فقط. ولمّا أعلن المختار للضابط المسؤول أن مئات الأهالي يعملون خارج القرية
وسيعودون بعد الساعة الخامسة، جرت طمأنته أن الجيش سوف يهتم بأمرهم.
كانت
الأوامر التي صدرت من القائد الميداني للجيش، يسسخار شدمي، إلى الرائد شموئيل
ملينكي –قائد كتيبة حرس الحدود- مشدّدة وحازمة بإطلاق النار على كل مَن يشاهَد
خارج بيته في القرية بعد الساعة الخامسة، وإن كانوا من العائدين من عملهم دون
معرفة بفرض حظر التجوّل. وبالفعل، قام جنود وضباط الوحدة المكلّفة بتنفيذ المهمّة
في كفر قاسم، ومنذ الساعة الخامسة مساءً، بإيقاف أهالي القرية العائدين إلى بيوتهم
عند مدخلها الغربي وأماكن أخرى، وأطلقوا عليهم النار بدم بارد، فكانت المجزرة.[1]
هكذا،
خلال ساعة واحدة، ما بين الخامسة والسادسة من مساء ذلك اليوم، أطلقت النار على
عشرات المواطنين العزّل وهم في طريق عودتهم إلى بيوتهم. وقام الملازم غبريئيل دهان
بإبلاغ قيادته، تدريجياً، بعدد القتلى بقوله مثلاً: "15 عربيّا أقل"،
للتعبير عن عدد القتلى. ولما صدرت أوامر القيادة بعد نحو ساعة من بدء المجزرة بوقف
إطلاق النار على الأهالي، تبيّن أن حصيلة هذا العمل كانت 49 قتيلاً من الرجال
والنساء والأطفال. أما أهالي كفر قاسم، ففرضت عليهم بعد عام ونيّف من المجزرة
"صلحة" عبّرت عن استخفاف السلطات بالمواطنين العرب وأرواحهم. كذلك
قُدّمت "تعويضات" هزيلة لأهالي القتلى أكّدت نهج تلك السلطات في تعاملها
مع الفلسطينيّين.
تتميّز
مجزرة كفر قاسم، عن غيرها من المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضدّ الفلسطينيّين،
بأنّ ساحتها هي قرية وادعة في منطقة المثلّث الذي صار جزءًا من أراضي الدولة –حسب
اتفاقية رودس مع الأردنّ في أعقاب حرب 1948. كما أن هذه المجزرة رغم وقوعها في
الوقت نفسه الذي انضمّت فيه اسرائيل إلى العدوان الثلاثي على مصر، كانت ساحتها
بعيدة عن جبهات القتال في قطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء.
لقد
أصدرت قيادة الجيش الإسرائيليّ أوامر حظر التجوّل المشدّدة على الأهالي، وسمحت
لجنودها بإطلاق النار على من يكون منهم خارج البيوت، رغم عملها بوجود مئات منهم في
أعمالهم، وبأنّهم سيعودون إلى منازلهم بعد الساعة الخامسة مساءً. هكذا جرى ترتيب
مسرح الأحداث بشكل أصبح فيه وقوع المجزرة بأيدي عساكر حرس الحدود نتيجةَ طبيعيّة
لتلك الأوامر والترتيبات. وتفاصيل ما جرى في هذه المجزرة معروفة وموثّقة، لا خلاف
عليها بين العرب واليهود، على العكس من العديد من المذابح الأخرى (منذ دير ياسين
في نيسان 1948، حتّى صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، وجنين في أبريل 2002، وغيرها من
المجازر). لذا، فإنّ هذا المقال –بنطاقه الضيّق- لا ينوي سرد تفاصيل الحدث ونتائجه
المعروفة، بل سيخصّص صفحاته القليلة لموضعة هذه المجزرة في سياقها التاريخيّ،
وإبراز خصوصيّتها ومغزاها وتداعياتها بالنسبة للفلسطينّيين داخل اسرائيل.
فما
هي الخلفيّة والظروف التي جعلت وقوع مثل هذه المجزرة ضد مواطنين أبرياء ممكنًا
وبأيدي شرطة حرس الحدود، المسؤولين، بحكم وظيفتهم، عن تطبيق القانون وحماية
الأهالي؟ ومن يتحمل مسؤولية ما جرى؟ أفراد حرس الحدود الذين قاموا بتنفيذ المجزرة،
أم ضبّاط الجيش الإسرائيليّ الذين أعطوهم الأوامرَ والقياداتُ العسكريّة
والسياسيّة التي وافقت على خطّة حظر التجوّل وملابساتها؟ وبعد تسرّب أخبار
المجزرة، كيف كانت ردود فعل القيادات السياسيّة والنخب الدينيّة والفكريّة في
إسرائيل تجاه هذا الحدث الفظيع؟ هل جرى تعلّم الدروس واستخلاص العبر مما جرى لمنع
تكرار مثل ذلك العمل؟ وكيف كان أثر المجزرة على المواطنين العرب في إسرائيل، وعلى
العلاقات بينهم وبين الدولة والأغلبيّة اليهوديّة؟ هذه هي بعض الأسئلة المهمّة
التي تجدر مناقشتها في أيّة محاولة لدراسة مذبحة كفر قاسم ووضعها في سياقها
التاريخي. فهذه المجزرة وتداعياتها تشكّل مفصلًا مهمًا في تاريخ الفلسطينيّين داخل
إسرائيل منذ عام 1948.
الخلفيّة
والأسباب
مع
انتهاء الحرب في فلسطين في أوائل عام 1949، وتوقيع اتّفاقيّات الهدنة بين إسرائيل
والدول العربيّة المجاورة، في ربيع نفس العام، تبيّن أنه لم يبق من الفلسطينيّين
في ذلك الجزء من الوطن الذي قامت عليه الدولة العبريّة الّا نحو 160.000 نسمة. وفي
اتّفاقيّة رودس بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل، اتّفق على نقل قرى
المثلّث –من كفر قاسم جنوبًا حتّى أم الفحم وقراها المجاورة شمالاً- من الجانب
الأردني إلى الجانب الإسرائيليّ، وقد جرى النقل بصورة فعليّة في الفترة الواقعة
بين 19 و21 أيار 1949. ورغم أنّ اتّفاقيّة رودس نصّت على بنود تحمي أهالي المثلث
وأملاكهم، ظلّت إسرائيل ومؤسساتها ودوائرها الحكوميّة تنظر إلى الأقليّة العربيّة
عموما كشوكة في حلقها. لذا، فإن بعض قياداتها، بمن فيهم بن غوريون، ظلّوا يخطّطون
للتخلّص من الأقلّيّة العربيّة –إما بالطرد او التهجير. ومن هذه الخطط، مثلا،
إرسال بن غوريون عام 1954 مساعده نافون لفحص إمكانيّة تهجير الفلسطينيّين من
إسرائيل إلى مندوسة في الأرجنتين، وإسكانهم هنا على أراضي البارون هيرش.[2]
لقد
انتهت الحرب عسكريًا في فلسطين في شباط 1949، لكن تداعياتها استمرّت بأشكال مختلفة
لعدّة سنوات بعد ذلك. فتحت غطاء وحجج محاربة "المتسللين" مثلا، قام جهاز
الحكم العسكري المفروض على السكان العرب بعمليّات مداهمة واعتقالات وطرد للأهالي
إلى خارج حدود الدولة. مثل هذه العمليّات استمرّت بعد انتهاء الحرب، وخلال السنوات
الأولى من الخمسينيّات، ونفّذها عساكر الجيش الإسرائيليّ والشرطة وأفراد أجهزة
الأمن الأخرى. فإطلاق النار على الفلسطينيّين وقتلهم، على الحدود بخاصّة، كان
سياسة رسميّة لمنع عودتهم إلى بيوتهم ووطنهم.
وإضافة
إلى وحدات حرس الحدود والشرطة، شكّل الجيش وحداتٍ خاصّة، أشهرُها "الفرقة
101" بقيادة أريئيل شارون لمحاربة المتسلّلين والمتعاونين معهم. وقد قامت تلك
الفرقة بعدّة عمليّات انتقاميّة من أهالي بعض القرى الحدوديّة الفلسطينيّة في
الضفّة الغربيّة (التي كانت تحت الحكم الاردني) بحجّة إيوائهم للمتسللّين
والفدائّيين. هذه المذابح التي كان أبرزها مجزرة قبية في 15 أكتوبر (تشرين الأوّل)
1953، والتي راح ضحيتّها 69-70 شخصًا، غالبيتهّم من نساء تلك القرية وأطفالها.
وعلى وجه العموم، إنّ عدد الفلسطينيّين الذين قتلتهم إسرائيل في ما صار يُعرف
بحروبها الحدوديّة بعد انتهاء حرب 1948 حتى عام 1956، يقدّر بما يقارب ثلاثة الآف
شخص على الأقلّ[3] .
وقعت
مجزرة كفر قاسم في اليوم ذاته الذي بدأ فيه العدوان الثلاثيّ على مصر. وتجدر
الإشارة إلى أنّ موشيه دايان، قائد أركان الجيش الإسرائيليّ، أعطى أوامره بتصعيد
العمليّات الانتقاميّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. آملاً أن يجرّ الأردن أو
مصر إلى حرب ثانية هم غير مستعدّين لها. وقد تسارعت بالفعل وتيرة العمليّات
الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة خلال الأسابيع القليلة التي سبقت أحداث مجزرة كفر
قاسم.
لقد
شنّ الجيش الإسرائيليّ عمليّات ضدّ الجيش الأردنيّ، راح ضحيتّها عشرات الجنود
والمتطوّعين المحلّيّن لحماية القرى الفلسطينيّة. ففي قرية حوسان القريبة من بيت
لحم، على سبيل المثال، قام الجيش الإسرائيليّ في 26/9/1956 بالهجوم على الأهالي،
فقتل 39 شخصًا، وجرح 12 آخرين. وفي قلقيلية القريبة من كفر قاسم نفّذ الجيش
الإسرائيليّ عمليّة أخرى كانت نتيجتها مقتل 18 إسرائيليًّا وجَرْح 88، وفي الطرف
الفلسطينيّ مقتل 88 شخصًا وجَرْح 14 آخرين. في تلك الفترة، وُضعت الخطط تحسّبًا
لإمكانيّة نشوب حرب قريبة على الجبهة الأردنيّة، كما وُضع مخطّط "نقل"
أهالي كفر قاسم والقرى العربيّة المجاورة إلى معسكرات اعتقال داخل إسرائيل
(روزينطال، 2000).
المجزرة
وتداعياتها
لقد
نفّذت مجزرة كفرقاسم وحداتٌ من شرطة حرس الحدود، وبتوجيه وأوامر قيادة الجيش
الاسرائيليّ التي خطّطت لحظر التجوّل، وأصدرت الأوامر المشدّدة بإطلاق النار على
كلّ من يكون خارج بيته بعد الساعة الخامسة مساءً. وكان 43 من القتلى ال49 قد لاقوا
حتفهم، في تسع موجات إطلاق النار على المدخل الغربيّ من القرية، وهم في طريق
عودتهم من أعمالهم إلى بيوتهم. فخلال ساعة من الزمن، قُتل 49 مواطنًا عربيًّا بدم
بارد، بينهم 15 إمراة وأحد عشر طفلا ويافعا، تتراوح أعمارهم بين ثمانية وخمسة عشر
عاما.
وقد
نُقل الجرحى، وعددهم قليل قياسًا إلى عدد القتلى، إلى المستشفى بسرّية وتكتُّم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ قلّة عدد الجرحى كان مردّها إلى ان الأوامر المشدّدة كانت
تقضي بإطلاق النار بهدف القتل. فقد أُطلِقت النار على الأهالي عن بعد أمتار،
وفُحِص منَ سقطوا من بينهم على الأرض للتيّقن من وفاتهم. هذا ما حدث في كفر قاسم،
وبخاصة على الحاجز الغربيّ الذي سلكه معظم أهالي القرية العائدين إلى بيوتهم.
وتجدر الإشارة، توخّيًا للحقيقة، إلى أن غالبية ضبّاط وحدات حرس الحدود في القرى
المجاورة تصرفّوا بشكل مختلف، رغم سماعهم للأوامر عينها من ملينكي. هذا التصرّف
المختلف (في الطيرة وجلجولية والطيبّة وقلنسوة، وغيرها من القرى التي فُرض عليها
حظر التجّول منذ الساعة الخامسة أيضاً) منع وقوع مجازر مشابهة لما جرى في كفر قاسم
ذلك اليوم.
بعد
أن علمت الحكومة ورئيسها دفيد بن غوريون بما حصل في كفر قاسم، جرت محاولات كثيرة
للتعتيم على المجزرة، ومنع تسرّب أخبارها للرأي العامّ المحلّي والعالميّ. لكن تلك
المحاولات أخفقت في النهاية، بسبب قيام بعض أعضاء الكنيست بنشر أخبار المذبحة
(وعلى رأس هؤلاء: توفيق طوبي، ومئير فلينر، وقيادات سياسيّة يهوديّة معارضة،
أبرزهم لطيف دوري وأوري أفنيري). وحين اضطُرّت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق، ثم
تقديم المتّهمين بارتكاب المجزرة إلى محكمة عسكريّة، عملت بكل الوسائل لتخفيف
الأحكام مرّة بعد أخرى. وما أن جاء عام 1960، حتّى كان آخر المحكومين قد غادر
السجن وبذلك دُفن هذا الحدث. كما أنّ بن غوريون وغيره من القيادات العسكريّة
والسياسيّة حاولوا "تعويض" بعض المشاركين في المجزرة بالوظائف المهمّة،
بدلاً من نبذهم عن المجتمع.
دلّت
هذه المعاملة تجاه من نفّذ تلك الجريمة بحقّ عشرات المواطنين العزّل على الموقف
الحقيقيّ للقيادات الإسرائيليّة من مسألة حياة العرب في إسرائيل. وكانت قمّة ذلك
الموقف الحكمُ الذي صدر على المسؤول لأعلى رتبة عن اوامر حظر التجوّل وإطلاق
النار، يسسخار شدومي، وهو عبارة عن توبيخ ودفع قرش واحد كغرامة. وقد أصبح هذا
العقاب، في ما بعد، مثالاً للاستهتار الإسرائيليّ بحياة العرب، والرغبة بالتستّر على
فظاعة الجريمة.
تجدر
الإشارة هنا إلى سؤال يتعلق بالأهداف من وراء المجزرة. فما الذي أرادت قيادة الجيش
الإسرائيليّ تحقيقه من وراء حظر التجوّل بشكل جعل حدوث المجزرة نتيجة طبيعية
لأوامر إطلاق النار على العمّال العائدين إلى بيوتهم؟ ليس من السهل تقديم إجابات
واضحة وقاطعة بهذا الشأن، وبخاصة أنّ التحقيق والمحاكمة لم يشملا كبار ضباط الجيش
والسياسيّين المسؤولين عن اتخاذ القرارات. لكن ما جرى الكشف عنه من وثائق وشهادات
يشير إلى خطّة لتفريغ القرى العربيّة الحدوديّة في منطقة المثلث من السكّان،
ووضعهم في معسكرات اعتقال إذا نشبت الحرب مع الأردن.
سُميّت
هذه الخطّة "حفرفيرت" (أي الخلد؛ او الطابور الخامس مَجازا)، وقد جرى
وضعها والتدرّب عليها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية في الأسابيع التي سبقت
المجزرة في كفر قاسم (روزينطال، 2000). ورغم إلغاء الخطّة، لعدم نشوب حرب مع الأردن،
لم يغيّر الجنود وأفراد شرطة حرس الحدود نظرتهم المعادية لأهالي كفر قاسم والقرى
العربيّة المجاورة. فاعتقال الأهالي في معسكرات للجيش أُلغيَ في اللحظة الأخيرة،
امّا التفكير بالتخلّص منهم إن أمكن، ودَبّ الفزع فيهم، فلم يتغيّر في ذهنيّة
قيادة الجيش. في حالة كفر قاسم وغيرها من القرى المجاورة، كانت الجهة الشرقيّة، أي
الحدود مع الأردن، الجهة الوحيدة التي أُبقيت مفتوحة. بدون حواجز ولا قوات أمن
إسرائيليّة. ويبدو أن البعض كان يحلم بالتخلّص من سكّان قرى المثلثّ الحدوديّة،
وكانت المجزرة وسيلة للوصول إلى ذلك الهدف. لكن ذلك لم يتحقّق هذه المرّة، رغم
نشوب الحرب في سيناء، لأن الفلسطينيّين كانوا- ومنذ مدّة بعيدة- قد تعلّموا الدروس
والعبر من نكبة 1948 ونشوء مشكلة اللاجئين والمهجَّرين.
لقد
فشلت مخططّات القيادات الإسرائيليّة لتهجير ما تبقى من الفلسطينيّين داخل إسرائيل
بعد حرب 1948، بمن فيهم أهالي كفر قاسم. لكن هذه المجزرة التي وقعت على خلفيّة قمع
واضطهاد المواطنين العرب، تحت نظام الحكم العسكريّ المفروض عليهم، دبّت الرعب
مجدَّدًا في العديد منهم وذكّرتهم بأن مجرّد بقائهم في وطنهم على أرضهم هي مسألة
غير محسومة من وجهة نظر السلطات الإسرائيليّة، فقد استمر الحكم العسكريّ وسياسته
التعسفيّة حتى عام 1966.
تداعيات
مجزرة كفر قاسم كثيرة، يتشابك بعضها مع نتائج العدوان الثلاثيّ وصعود نجم الرئيس
المصري عبد الناصر، وغيرها من الأحداث التي لا يتسّع المجال للحديث عنها، او حتّى
الإشارة إليها. لقد بقي الفلسطينّيون في إسرائيل وتعزّزت قوّتهم مع مرور الأعوام
والسنوات. ونشأت في الأجيال اللاحقة قيادات سياسيّة وثقافية وطرحت بعض التحدّيات
للسياسة الإسرائيليّة، وأكّدت على حقوق الفلسطينّيين للعيش في وطنهم بكرامة
ومساواة.
أمّا
الجدل الذي أُثير داخل المجتمع الإسرائيليّ في أعقاب مذبحة كفر قاسم، ومحاكمة من
قاموا بها فانحصر في قضيّة الأوامر العسكريّة التي يجب عدم الانصياع لها في حالة
كونها غير قانونيّة، أو التي "ترتفع فوقها راية سوداء" كما جرى تعريفها.
أمّا مسألة العلاقات بين الدولة ومؤسّساتها من جهة، والمواطنين العرب من جهة أخرى،
فلم تتأثر كثيرا بما جرى في كفر قاسم. فالصحافة الإسرائيليّة والمؤسسات الثقافيّة
والتربويّة لم تخصّص لهذا الموضوع مساحة أو وقتا لإعادة النظر في السياسات التي
سمحت بحدوث مثل تلك المذبحة. كذلك فإن المواطنين العرب أنفسهم تخوّفوا حتّى من تخليد
ذكرى المذبحة مدّة طويلة، حتّى أواسط السبعينيّات، ولم يقوموا بذلك إلاّ عام 1976،
في أعقاب يوم الأرض.
*
د.عادل منّاع هو مؤرخ متخصص في تاريخ فلسطين منذ بداية العهد العثماني وحتى القرن
العشرين.
[1]
لشهادات شفوية لسكان عاينوا المجزرة، انظروا: http://www.art.net/~samia/Fiftieth/witness/Tawfik%20Touby/Touby.html
هذه
الشهادات هي مقتطفات مستقاة من وثيقة نشرها توفيق طوبي في تاريخ 23 تشرين الثاني
1956 ، وقد نشرت على الموقع في الذكرى الخمسين للمجزرة. تم استقاء المعلومات من
الموقع الإلكتروني في تاريخ 20 آب 2007.
[2]
وقد روى يتسحاك نافون نفسه هذه الحادثة في فيلم "المتشائل" – وهو فيلم
من سلسلة أفلام حملت العنوان "تكوما"، وهي من إعداد وإخراج القناة
الأولى للتلفزيون الإسرائيلي (1998).
[3]
في كتابه حروب إسرائيل الحدوديّة، 1949- 1956، يقدّر بني موريس أن إسرائيل قتلت في
حروبها الحدوديّة ما بين 2700 و5000 من الفلسطينيين الذين أطلقت عليهم اسم
"المتسللّين" (موريس،1996، ص. 446).
المراجع:
العربية
أبو
جابر، إبراهيم (2006). الجرح القسماوي. كفر قاسم: مجلس كفر قاسم المحلي
حبيبي،
إميل (1976). كفر قاسم. حيفا: دار النشر غير مذكور.
طوبي،
توفيق (2001). كفر قاسم المجزرة والعبرة. حيفا: معهد إميل توما للأبحاث الفلسطينية
والإسرائيلية.
العبرية
روزينطل،
روبيك (2000). كفر قاسم: الأحداث والخرافة. تل أبيب: هكيبوتس همئوحاد
موريس،
بني (1996). حروب إسرائيل الحدوديّة 1949-1956. تل أبيب: عام عوفيد.