جريدة
الحياة – العدد-7965
- نبض الحياة.. الكاتب: عمر الغول/
عندما قبلت القيادة الفلسطينية باتفاقية اوسلو عام 1993، وارتضت بالرعاية
الأميركية لعملية السلام، رغم معرفتها المسبقة بطبيعة العلاقات الاستراتيجية
للولايات المتحدة مع إسرائيل الاستعمارية. ويعلم الفلسطينيون جميعا أن أميركا، هي
من ساهم في مدها مع باقي دول الغرب الرأسمالي بكل مقومات البقاء والتفوق،
والانتصار على الجيوش والدول العربية. لم تكن القيادة السياسية تجهل الخلل البنيوي
في معادلة الرعاية الأميركية لعملية التسوية السياسية. ولكن شروط اللحظة السياسية،
التي أملت قبول ذلك تختلف عما هي عليه الآن. حيث كانت أميركا سيدة العالم بلا
منازع، وهي صاحبة الباع الطويل الممسك في مقاليد السياسة في إقليم الشرق الأوسط
عموما والعالم العربي خصوصا. أضف إلى ان قيادة (م.ت.ف) حرصت على إبقاء القضية الفلسطينية
على طاولة المشهد السياسي، وجزءا رئيسيا من معادلات الجيوبوليتك في المنطقة،
وتجاوز كل الحواجز والعقبات وعوامل التصحر السياسي، التي كانت تعيشها دول وشعوب
الأمة العربية بعد اجتياح العراق للكويت، وما تلا ذلك من انهيارات متلاحقة حتى
دخول مرحلة الخريف العربي نهاية 2010 حتى الآن.
مع
ذلك تعاملت القيادة الفلسطينية منذ مؤتمر مدريد في 31 تشرين الأول/ اكتوبر 1991
وحتى اعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة لإسرائيل الاستعمارية في السادس من كانون
الأول/ ديسمبر 2017 الماضي بمرونة عالية. وقفزت عن الكثير من المكائد والصعوبات،
واجتاحت الألغام الاسرائيلية والأميركية طيلة ربع قرن، وتمسكت بخيار السلام، وقبلت
باستقلال فلسطين على مساحة 22% من فلسطين التاريخية، لصالح دفع عربة السلام
للأمام. لكن التراخي والتواطؤ والتساوق الأميركي، والخاصرة العربية الرخوة، وعدم
تمكن الأقطاب الدولية الأخرى من فرض إرادتها المتوافقة مع قرارات الشرعية الدولية
على دولة الاستعمار الاسرائيلية لفرض التسوية السياسية من خلال إزالة الاحتلال
الإسرائيلي، والسماح باستقلال دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من حزيران
1967، وضمان عودة اللاجئين على اساس القرار الدولي 194، لأنها لم تستطع تجاوز
الدور الأميركي، ولأن الوظيفة والدور الأميركي في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية
لم ينتهِ بعد في ظل التقاسم السياسي بين الأقطاب الدولية، رغم كل التراجع الملحوظ
في مكانة ودور الولايات المتحدة على المستوى العالمي، كل ذلك أملى على قيادة منظمة
التحرير الفلسطينية التعامل بمرونة شديدة.
غير
ان تلك المرونة السياسية تلاشت بشأن الرعاية الأميركية، وليس المرونة نفسها، لأن
الرئيس ترامب أسقطها، وليس القيادة الفلسطينية، لا سيما أن المقاول ترامب اعتبر
القدس عاصمة لإسرائيل، رفض وإدارته الضغط على إسرائيل بوقف الاستيطان الاستعماري،
لا بل اعلنوا أن الاستيطان لا يؤثر على المفاوضات؛ ثم لاحقت الإدارة الأميركية
المصالح والحقوق الوطنية في المنابر الدولية لصالح إسرائيل؛ وايضا هدد ممثلو
الإدارة المؤسسات الدولية بعظائم الأمور إن سمحت بتمرير أي قرار لصالح فلسطين،
ويدين إسرائيل، ولم تكتف بذلك بل انسحبت من منظمة اليونسكو قبل إسرائيل، لأنها
أصدرت عدداً من القرارات أنصفت فيها الحقوق والمصالح الفلسطينية في القدس والخليل
وبيت لحم، واستخدمت حق النقض "الفيتو" ضد الحقوق الوطنية في مجلس الأمن؛
ولم تلتزم بما وقعت عليه مع الرئيس ابو مازن بشأن مكتب ممثلية منظمة التحرير
الفلسطينية في واشنطن؛ وأصرت على إبقاء سيف الإرهاب مسلطا على رأس منظمة التحرير؛
وأصدر الكونغرس قرارات معادية لفلسطين، منها مشروع القانون المتعلق برواتب الأسرى
والشهداء... إلخ.
في
ضوء ما تقدم، لم تعد الرعاية الأميركية مقبولة من حيث المبدأ، واتخذ المجلس
المركزي في دورته الـ28 الأخيرة قرارا بهذا الشأن. وبالتالي على بعض العرب ان
يكفوا عن التدخل في الشأن الفلسطيني. وألا يحملوا القيادة الفلسطينية أكثر مما
تحتمل. ولم يعد الفلسطينيون ينتظروا صفقة ترامب العقارية. وإذا كان لا بد من رعاية
للسلام، فيجب ان تكون رعاية أممية حتى لو كانت أميركا ممثلة فيها، ولكن لا مجال
لقبول رعاية أميركية صرفة، لأن الثقة بالدور والرعاية الأميركية انتهت. ويعلم
الأشقاء العرب ان القيادة الفلسطينية تتمسك بشعارها الناظم مع الدول الشقيقة:
"عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية"، وعليهم ألا يتدخلوا في القرار
السياسي الفلسطيني. وإذا كان لديهم رأي ما فليقولوه داخل الغرف المغلقة مع القيادة
الفلسطينية، لأن إطلاق المواقف في المنابر الدولية وأمام المسؤولين الأميركيين يضر
بالمصالح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، ومرفوض فلسطينيا جملة وتفصيلا.