Adbox
وفا- قبل عامين كانت اطارات المركبة تدور مكانها.. لم تستطع تجاوز الصخور في الطريق الواصلة الى إحدى قمم التلال المحيطة في منطقة الحمة بالأغوار الشمالية، والتي كانت تشهد بناء اللبنة الأولى لبؤرة استيطانية.
البؤرة الجديدة التي كانت بلا اسم ولا عنوان ولا حدود، اقيمت تحت جنح الظلام، تزامنا مع تصاعد أعمال البناء والتوسعة في مستوطنة "سلعيت" التي تبعد عشرات الامتار عن الموقع.
عاد سائق المركبة أدراجه بعد فشله بالانتصار على معيقات الطريق، ومشينا مسافات الى الأعلى، نحو هدف بلا اسم وحدوده كومة حجارة يحركها المستوطن حسب رغبته، أملا بالاستيلاء على المزيد من الأرض.
اليوم وبعد عامين عدنا لزيارة المنطقة، وصلنا حدود البؤرة الاستيطانية والتي أطلق عليها اسم " شيرات هسافيم"، وأصبح لها شبكة طرق ومياه ويسهل الوصول إليها، و توسعت أعمال البناء فيها.
"هذه سياسة الاحتلال للتوسع في هذا المكان الاستراتيجي، في هذا المثلث الذي يربط طوباس بالأغوار الشمالية مع منطقة اريحا" يقول رئيس هيئة الجدار والاستيطان وليد عساف، الذي وصل الى الموقع الذي بنى فيه المواطنون قرية الشهيد ياسر عرفات، وهدمها الاحتلال.
ويؤكد خبراء في مجال الاستيطان وسياسيين، أن لا دولة فلسطينية من دون منطقة الاغوار، وذلك ردا على تصريحات سياسية اسرائيلية حول عدم تخلي الاحتلال عن هذه المنطقة.
" قبل عامين تم بناء قرية الشهيد ياسر عرفات، هنا على مقربة من هذه البؤرة الاستيطانية، وهدمها الاحتلال"، أضاف الوزير عساف بعد ان قطعت اصوات مركبة للمستوطنين تحميها دورية لجيش الاحتلال الحديث.
أوقف جنود الاحتلال المركبة بشكل عرضي منتصف الطريق، بعد ان هاتفتهم المستوطنون الذين أرادوا استفزاز الحاضرين وبعد توفير الحماية من قبل الجيش.
الناشط في حقوق الانسان جاي هيرشفيلد، وهو يهودي يحاول ومجموعة يساريين إسرائيليين منذ اقامة هذه المستوطنة مساعدة المواطنين الذي خسروا أراضيهم فيها، قال "أعتقد أنهم جاءوا من مستوطنات قرب نابلس".
 أدار الناشط هيرشفيلد محرك مركبته الصغيرة وهبط من التلة نحو المفرق بلدة عين البيضا، بعد مشادة كلامية مع احد المستوطنين، وبدأ بالتحدث عن المضايقات التي يتعرض لها الفلسطينيون في المنطقة، التي شهدت على مدار الأسابيع القليلة الماضية احتكاكا جسديا ولفظيا بين مجموعات يهودية يمينية متطرفة وأخرى يسارية من مجموعات حقوق الانسان.
الاحتلال صادر مركبة هيرشفيلد ذات الدفع الرباعي، في خطوة من أجل منعه ممارسة نشاطه في الاغوار، بعد اعتقاله عدة مرات، الى أن وصل الحد تحذير وتهديد المواطنين من التعامل معه.
"جاءوا الى هنا وحُرم الفلسطينيون من الخروج للرعي بمواشيهم، حقيقة الأمور صارت صعبة عليهم" يقول الناشط هيرشفيلد، بينما كان مستوطن يحاول منعه همن التقدم نحو باب المستوطنة الجديدة.
وتابع: "انظر الجيش جزء منهم، مسموح لهم أن يكونوا هنا مع مركباتهم ويقومون بحماتيهم، هذا ما أقول عنه فصل عنصري".
إسرائيل تستولي على الأراضي المصنّفة كـ"أراضي دولة" والمعدّة بوصفها كذلك لخدمة السكّان المحلّيين- لتكرّسها لاحتياجاتها حصرًا، والسياسة التي تتّبعها في هذه المنطقة منذ سنين طويلة وتسعى من خلالها إلى تهجير التجمّعات الفلسطينية عن المنطقة، وتطبّق بالجمع بين الأوامر العسكريّة والوسائل الإداريّة والتنظيميّة والعمليات العسكرية، حسب تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم".
وتستخدم دولة الاحتلال المستوطنين في البؤر الاستيطانية الجديدة كذراع طويلة لها: "من خلال استغلالهم لمكانتهم كمواطنين إسرائيليين في منطقة تحتلّها إسرائيل يهاجم المستوطنون الرّعاة الفلسطينيين ويمنعونهم من الوصول إلى الأراضي التي تشكّل مصدرًا أساسيّا لمعيشة هذه التجمّعات منذ عشرات السنين" تقول "بتسيلم" .
وبينما كان أحد المستوطنين ينقل عبر التلال مواد بناء اضافية لتوسعة المستوطنة، تصل رسالة للوزير عساف تفيد بقرار المحكمة العليا الاسرائيلية، أن على سكان الخان الأحمر هدم المباني بشكل ذاتي، وذلك لغاية 1-10-2018. فقال: هنا في الحمة بالأغوار امتداد للخان الأحمر الشمالي، وفي الجنوب سوسيا امتداد للخان الأحمر، هذا العمل الذي يسير في خطوط ثلاثة، يستهدف كافة السفوح الشرقية، لمن يقرأ المخططات ويطلع على الأحداث".
وأضاف "هذه السياسة تأتي في اطار مشروع "خط الون"، التي تستهدف اخلاء السفوح الشرقية والاغوار من الفلسطينيين وعدم السماح بترخيص لبناء اية قرية أو تجمع فلسطيني، أو البناء خارج ما كان مرخصا قبل عام 67، كما حدث مع أهالي قرية عين الساكوت القريبة من المنطقة، رغم حصولنا على مجموعة قرارات من المحاكم واثبات ملكيتها للفلسطينيين".
"خط ألون" أعدّه يغال ألون، وزير "العدل" الإسرائيليّ في حينه؛ وذلك بناء على استراتيجيّة تضييق مجال الخيارات المتاحة للحلّ (التسوية)، بشأن السّيادة على الأرض المحتلّة، عبر تطبيق الأمر الواقع بالاستيلاء على الأرض وتنفيذ عمليّة استيطانيّة واسعة، على طول غور الأردن، من جنوب غور بيسان، وحتى جنوب صحراء الخليل، بطول 115 كم وعرض 20 كم.
منذ العام 1967 بنت دولة الاحتلال الاسرائيلية 37 مستوطنة في الأغوار وأقامت 90 معسكرا للجيش، فيما هدمت 36 قرية فلسطينية على الضفة الغربية لنهر الاردن، وسيطرت على 95% كم مساحة الاغوار التي تبلغ 1600 كيلومتر مربع
وتابع عساف "إن الاحتلال هدم تجمع الحمة واصدر اوامرا بإخلاء المكان، هذه سياسة الاحتلال للتوسع في هذا المكان الاستراتيجي في هذا المثلث الذي يربط طوباس بالأغوار الشمالية مع منطقة اريحا" واكد "أن إسرائيل تريد ربط المعسكرات مع التوسع في المستوطنات، وإغلاق المنطقة أمام الفلسطينيين، وبالتالي محاصرة القرى الثلاث: عين البيضا، وكردلة، وبردلة.. والزحف الى الشمال الغرب، والجنوب الغربي؛ بحيث يستطيع تهجير التجمعات الفلسطينية الواقعة على مقربة من تجمع الحمة والفارسية وتجمع المالح، كمخطط لإخلاء المنطقة، تمهيدا لضمها كجزء من مناطق مصنفة "ج".
المشهد في الجهة الجنوبية بين الوديان وعلى بعد قرابة ثمانية كيلومترات، لا يختلف كثيرا، فهناك اعمال بناء اخرى لإقامة مستوطنة جديدة على اراضي المواطنيين في منطقة المزوكح بالأغوار، اكتشف أمرها من قبل ناشطات في منظمة "لا للحواجز" عقب تعقب انبوب مياه يمتد من معسكر للجيش الى المستوطنة الجديدة.
رغم نفي الشرعية لهذه المستوطنات على الورق من قبل حكومة الاحتلال، إلا أن أعمال البناء في تصاعد مستمر، ويمكن مشاهدته يوميا.
صحيفة "إسرائيل اليوم"، أوردت في تقرير صحفي، أن الحكومة الإسرائيلية ترفض الاعتراف بمستوطنات في الضفة الغربية خشية من ردود فعل المجتمع الدولي وواشنطن. وقالت الصحيفة إن الرفض جاء في أعقاب توصيات من وزارة الداخلية الإسرائيلية، ووزارة الجيش، للاعتراف بمستوطنات جديدة في الضفة الغربية اعتبرت إلى اليوم جزء من كتل استيطانية قائمة، إلا أن ديوان نتنياهو رفض التوصيات مبررا ذلك لأسباب سياسية.
حركة "السلام الآن" الإسرائيلية اكدت أن البناء الاستيطاني في المستوطنات تضاعف ثلاث مرات في الربع الثاني من عام 2018 مقارنة بالربع الأول، حيث تم بناء 794 وحدة استيطانية، مقارنة بـ279 وحدة استيطانية تم بناؤها في الربع الأول من هذا العام، مشيرة إلى أنه في النصف الأول من عام 2018، تم بناء 1073 وحدة استيطانية في المستوطنات، مقارنة بـ870 وحدة فقط في النصف الأول من عام 2017.
وتقول منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية، "إن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت وتستغلّ هذه المساحة لاحتياجاتها هي. إنّها تمنعهم من المكوث في تلك الأراضي والبناء فيها ورعي أغنامهم وفلاحة أراضيهم الزراعية. تستند إسرائيل في ممارساتها هذه إلى ذرائع قانونية مختلفة، وتشكّل نسبة 53% من مجمل مساحة منطقة الأغوار وشمال البحر الميت كـ"مساحات مغلقة"، وأعلن الجيش في نهاية الستينيّات وبداية السبعينيّات 45.7% من أراضي الغور كـ"مناطق إطلاق نار" ومنع الفلسطينيين من دخولها أو المكوث فيها. كذلك أعلنت إسرائيل نحو 20% من أراضي الغور كـ"محميّات طبيعيّة" و"حدائق وطنيّة" وخصّصت أراضٍ أخرى للمستوطنات التي أقيمت في الأغوار بعد الاحتلال بوقت قصير".
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016 القرار 2334 الذي حث على وضع نهاية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومطالبة "إسرائيل" بوقف نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وعدم شرعنة "إسرائيل" لمستوطناتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967
أحدث أقدم