Adbox

الغد الاردنية– تحت ستار من الغموض، تجهد الإدارة الأميركية، وأركانها، في الترويج لصفقة السلام في الشرق الأوسط، التي باتت معروفة بـ”صفقة القرن”، والدفاع عنها.
وتفرض الولايات المتحدة جدارا من السرية حول تفاصيل الصفقة، التي يشاع بأن من يعرفها هم فقط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصهره ومستشاره جاريد كوشنير، فضلا عن مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي يقال إنه يعرف فقط ما هو مطلوب منه في كل مرحلة دون أن يطّلع على الصفقة كاملةً، وكذلك السفير الأميركي في القدس المحتلة ديفيد فريدمان.
الغموض والكتمان، كما يراه هؤلاء، يستهدف في الأساس “إرباك” العرب وإدخالهم في دوامة التحليل والتفسير لأمر، رغم عظم آثاره على قضاياهم المصيرية، فإنه ما يزال مجهولا لديهم.
حتى الآن، يرفض العرب شيئا لا يعرفون عنه شيئا، وفي أحسن الأحوال يعرفون النُزر اليسير، مما سرّبته الإدارة الأميركية، في خطوة يمكن القول عنها إنها بالونات اختبار، لكن هدفها هذه المرة ليس فقط “جس النبض”، بل تهيئة الرأي العام العربي؛ أولا، والعالمي، ثانيا، لما هو قادم.
ما هو قادم كما تقول الإدارة الأميركية وأركانها، يتطلب “تنازلات كبرى”، لا أحد يعرف حدودها، وكل ما ينشر عنها يتعلق بملفات خطيرة وحساسة تشمل القدس المحتلة، بحيث يتم الإعلان عن عاصمة فلسطينية خارج حدود القدس الشرقية، والتنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وسواها.
هذه التنازلات، مطلوبة من الفلسطينيين والعرب كما هو واضح. وفي المقابل؛ يتم الحديث فقط عن تنازلات “مؤلمة” على الجانب الإسرائيلي تقديمها، دون تحديد ماهيتها، سوى ما يتم الحديث عنه من “الاعتراف الإسرائيلي” بدولة فلسطينية منزوعة السلاح والحدود، على أجزاء من الضفة الغربية، دون حتى تحديد مصير قطاع غزة المحاصر.
تسلسلت الأحداث، تباعا، وكأن الأمر يتم في جنح من الليل، فنال الإسرائيليون ما يريدون، شيئا فشيئا، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، والآن يتم الحديث عن الاعتراف بضم إسرائيل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية تشمل الأراضي المحتلة المقام عليها مستوطنات إسرائيلية.
عمليا، بدأت الإدارة الأميركية تنفيذ كل ما يخدم إسرائيل ويحقق مصالحها، وكذلك يحقق شعار واشنطن الشهير والذي يعطي الأولوية لأمن إسرائيل. في المقابل يحصل العرب على “تغريدات” متلاحقة عبر منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” من مختلف أركان الإدارة الأميركية المعنية بالصفقة الغامضة.
في البداية، كان ترامب يعلن أن الصفقة ستعلن وعلى الجميع الالتزام بها. شيئا فشيئا تبدل الأمر، فأصبح الأمر وكأن الصفقة، مطروحة على طاولة المفاوضات للاتفاق عليها.
لوح ترامب بصفقة القرن مرارا، في محاولة منه لإجبار الفلسطينيين على العودة لطاولة المفاوضات، التي أعلنوا مقاطعتها، بعد اعتراف الرئيس الأميركي في 6 كانون الثاني (ديسمبر) 2017 رسميا بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
منذ ذلك التاريخ، كان ترامب يطالب الفلسطينيين بالعودة إلى مفاوضات السلام، التي كانت أساسا قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود. نفس الأمر تكرر في العام 2018، حين حاول ترامب صراحة إرغام الفلسطينيين على العودة لطاولة المفاوضات في مقابل “تأجيل” تنفيذ صفقة القرن.
عمليا، وعلى أرض الواقع، يعتبر العرب أن ترامب بدأ فعليا تنفيذ مخططه، دون أن يعلن تفاصيله، فإدارته، خالفت كل سابقاتها منذ العام 1995، فنقلت السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة فعليا بتاريخ 14 أيار (مايو) 2018، تزامنا مع الذكرى 70 للنكبة، وإعلان تأسيس الكيان الإسرائيلي.
الخطوة الثانية في تنفيذ ما تريده إسرائيل، جاءت في 25 آذار (مارس) عندما وقع ترامب إعلانا تعترف الولايات المتحدة بموجبه بسيادة إسرائيل “الكاملة” على مرتفعات الجولان المحتلة، والتي كانت استولت عليها عام 1967 وضمتها إليها في 1981.
في المقابل، كان العرب يترقبون ما ستفضي إليه الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت في التاسع من الشهر الحالي. حيث كان غرينبلات، قال في اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي في التاسع من آذار (مارس) الماضي، إن الصفقة لن تعلن إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية.
وقتها اعتقد الجميع أن بنود الصفقة ستعلن فور انتهاء الانتخابات، لكن غرينبلات عاد في 14 من الشهر الحالي ليغرد بأن “الإدارة الأميركية لن تكشف عن تفاصيل صفقة القرن مسبقا”. واعتبر أن “التكهنات” بشأن هذه القضية يلحق ضررا بالجهود، داعيا إلى وقف ما أسماها بالتخمينات فيما يتعلق ببنود صفقة القرن.
الأمر ذاته أكده كوشنر حين غرد في 17 من الشهر الحالي أن الإعلان عن الصفقة سيجري بعد شهر رمضان.
وبعد تسريبات واسعة بضم أراض من سيناء للفلسطينيين، ضمن بنود الصفقة، جاءت تغريدة جديدة، في 19 من الشهر الحالي، نفى فيها غرينبلات الأمر بتأكيده أن الصفقة “لن تشمل منح أرض من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين”.
وفي تغريدة أخرى، يوم أمس الأربعاء، نفى غرينبلات أن تكون الصفقة “ تنص على كونفدرالية بين الأردن وفلسطين وإسرائيل، أو أن يكون الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين. وأضاف أنّ “الإشاعات غير صحيحة يرجى عدم نشرها”، مؤكداً أن الأردن وجلالة الملك عبد الله الثاني حلفاء أقوياء لبلاده.
وبينما كان غرينبلات يطلب، في تغريدات متلاحقة، “التريث وعدم الحديث عن بنود الصفقة، خرج كوشنر ليصفها بـ”المقترح” الذي قد يقبله أو يرفضه أصحاب العلاقة المباشرة؛ الفلسطينيون والإسرائيليون، وكأن “الصفقة” التي كانت “إلزامية” غير خاضعة للنقاش بعد 25 عاما من تعثر مفاوضات السلام، تحولت إلى مبادرة للتفاوض حولها.
وبينما تؤكد واشنطن أن صفقتها تتضمن مقترحات عملية لتحسين حياة الفلسطينيين، يخشى العرب أن تكون الصفقة “المقلقة” تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، خصوصا وأن ما تسرب منها يمنع بصورة قاطعة، إن صح، قيام دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب إسرائيل.
أحدث أقدم