وفا-
على بعد أمتار من باب العامود بين أزقة البلدة القديمة في القدس يقترب الزائر من
سوق الجزارين، ليشتمّ رائحة اللحوم الطازجة، إذ يحتوي السوق على نحو 100 محل تجاري
اختصت جميعها ببيع اللحوم.
في الوقت الحالي، تغيرت ملامح المكان ليس من
ناحية البناء الأثري، حيث حافظ المقدسيون قديما على تراث ومصداقية المكان، إنما لم
يعد متخصصا ببيع اللحوم فحسب، بل أصبح يحتوي على الخضار والفواكه والأدوات الأخرى،
إلى جانب مطاعم تقدم الأكلات الشعبية للزائرين.
تم
بناء السوق في الحقبة الصليبية وتعرض لانتهاكات عديدة في حينها، وتم ترميمه في
العهدين الأيوبي والمملوكي، ولكنه فيما بعد تعرض للسيطرة الإسرائيلية بعد احتلال المدينة
المقدسة عام 1967، وجرت محاولات عدة لإعادة ترميمه لكن دون جدوى، بسبب رفض سلطات
الاحتلال التي تعمل على تغيير الهوية العربية والإسلامية للمكان.
واليوم
تشهد المنطقة ركودا اقتصاديا كبيرا وغير مسبوق، بسبب إجراءات الاحتلال العنصرية
والتعسفية لسكان المنطقة والزائرين.
وقال
الجزار أبو أحمد الذي يملك محلا في السوق: "نعاني كثيرا في المردود المالي،
ولا يأتي إلينا زبائن إلا بأعداد قليلة حتى الذين تعودنا عليهم لا يأتون، نتيجة
الانتهاكات التي يتعرض لها المقدسيون عند وصولهم إلى البلدة القديمة من الاحتلال
الإسرائيلي".
وقالت
مديرة البرامج التجارية في الغرفة التجارية في القدس رنا صندوقة: "سوق
الجزارين كان يحتوي على 100 محل لبيع اللحوم الطازجة والفوارغ وغيرها، ولكن في
الوقت الحالي لم يبق إلا سبعة محلات فقط، فتحول السوق إلى حوانيت ومحلات شعبية
وتقليدية، نظرا للظروف الاقتصادية، فلم تعد الحركة الشرائية في البلدة القديمة كما
كانت".
وأضافت
يبعد سوق الجزارين في البلدة القديمة عدة كيلومترات عن مركز القدس، ووجود الاحتلال
الإسرائيلي في المنطقة وفرض قيود على المقدسيين للوصول إلى الداخل، وحالة الرعب
التي يبثها في قلوب المواطنين، كل ذلك تسبب بأزمة اقتصادية انعكست على
السوق".
وتطرقت
إلى الضرائب التي يفرضها الاحتلال على أصحاب المحلات كضريبة "الأرنونا"،
إلى جانب البضاعة الإسرائيلية التي يغرقون بها السوق بهدف ضرب المنتج الوطني
وإلحاق أضرار اقتصادية بالفلسطينيين".
وأكد
المواطن المقدسي علاء جمجوم ان البلدة القديمة من أجمل الأماكن في القدس، ولكن
السوق في طريقه إلى زوال، وذلك للبعد الجغرافي عن النقطة المركزية للقدس، عدا عن
الحواجز الإسرائيلية التي تعترض طريق المقدسيين في كل مرة يريدون الوصول إلى
البلدة القديمة، عدا عن الضريبة التي يفرضها الاحتلال على الجزارين وغيرهم في
المنطقة".
وأضاف:
"انه يشتري من هذه المحلات ولكن هناك آلاف المقدسين يشترون اللحوم من خارج
أسوار القدس، عدا عن الخوف الذي يلاحقهم من إجراءات الاحتلال التعسفية".
بدورها،
قالت هبة القريناوي من البلدة القديمة: "وضع البلدة من سيئ إلى أسوأ نظرا
لظروف المعيشة المتردية، وحالة المباني القديمة التي لا يسمح لأحد بتجديدها أو حتى
إعادة تأهيلها، وهذا هو الاحتلال الاسرائيلي".
في
تسعينيات القرن الماضي كان السوق يعج بالناس وشهد انتعاشا في الحركة الشرائية، قبل
بناء جدار الفصل العنصري وتنفيذ الإغلاق القمعي للمدينة المقدسة، ولكن اليوم يخلو
حتى من الزائرين والسياح الأجانب.
ولكن
بالرغم من كل محاولات الاحتلال فرض السيطرة على البلدة القديمة وتغيير معالمها
التاريخية، إلا أن المقدسيين مصرون على المحافظة على قدسية المدينة وأسواقها وكل
مكوناتها، وينتظرون اليوم الذي يزول فيه الاحتلال لتكون فعليا العاصمة الأبدية
لدولة فلسطين.