إن قرار وزير العمل اللبناني الذي يفرض قيودا تعجيزية مانعة
من عمل اللاجئين الفلسطينيين لكسب لقمة عيشهم في لبنان ليس إنسانيا، ويناقض حمل
لبنان للقضية الفلسطينية ونصرتها والدفاع عنها في المنظمات الدولية، وهو أمر غير
مقبول.
ثم
ما بالنا نحن اللبنانيين نتحدث عن حقوق الفلسطينيين بالقدس وفلسطين، وإسقاط صفقة
القرن التي تنهي قضية فلسطين، ولا نتكلم عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين المقيمين
على الأرض اللبنانية وحرمانهم عملا ومعيشة إنسانية تضمن استمرار وحرارة قضيتهم
ليعودوا إلى وطنهم الذي سلبهم إياه يهود وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا بعد الحرب
العالمية الثانية.
ثم
إن القيود التعجيزية المانعة من عمل الفلسطينيين اللاجئين في لبنان هي غاية
إسرائيل التي لا تريد فلسطينيا واحدا مستقرا على وجه الأرض بل تريد استئصال
الفلسطينيين أينما وجدوا كما استأصلت أميركا الهنود الحمر من أميركا، فهل نشارك
إسرائيل بقصد أو بغير قصد بملاحقة الفلسطينيين والتضييق عليهم حتى في لقمة عيشهم
وحياتهم؟.
ولماذا
لا نجد في مصر ولا في سوريا ولا في الأردن عقدة خوف تمنع من السماح للفلسطينيين
بالعمل لكسب لقمة عيشهم وحياتهم، بينما نجد هذه العقدة قابعة في ذهن بعض لبنان
مصرة على منع الفلسطينيين المقيمين على أرضه من العمل لكسب لقمة عيشهم بدعوى وهمية
خوف التوطين، وما علاقة التوطين بحرمان الفلسطيني من عمل يكسب منه لقمة عيشه وقوت
يومه؟ فليعامل لبنان اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرضه بنفس المعاملة التي
يعاملهم بها العرب في مصر وسوريا والأردن لكسب لقمة عيشهم ثم ليواجه لبنان مع
الفلسطينيين أنفسهم ومع إخوانه العرب عرض التوطين الذي تطرحه إسرائيل ونرفضه جميعا
لأنه يذيب الفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين ويقضي على القضية الفلسطينية ويسلب
الفلسطيني حق العودة إلى أرضه ووطنه في فلسطين، فهو إن كنا جادين أجدى وأقوى.
ثم
لماذا يكون هذا في لبنان؟ ومن أين يأكل الفلسطيني في لبنان إذا لم يكن له عمل يكسب
منه لقمة عيشه وعيش عياله كاللبناني سواء بسواء؟ ولن يأخذ الفلسطيني رزق اللبناني
من طريقه أبدا فذلك تفسير خاطئ في الحياة الاقتصادية أو تلك مقولة الحاسدين
والكارهين والمبغضين، ثم هل تبقى قضية فلسطين قضية تحرير وطن وتستمر بدون
الفلسطينيين وأمانهم في عيشهم؟.
فلا
يهولن علينا أحد ولا على الفلسطينيين بضرورة ذلك خوفا من توطينهم في لبنان لنمنع
الفلسطينيين من عمل يكسبون منه لقمة عيشهم في لبنان، فهذا خوف وهمي، أو هو تمويـهٌ
عنصري وطائفي بدلا من التصريح بخوف وهم آخـر يصرحون به لماما بين وقت وآخـر، وهل
يحارب التوطين بحرمان الفلسطيني من العمل لتحصيل لقمة عيشه وحياته وحياة عياله حتى
يموت ليموت معه شبح التوطين؟، أم أن الفلسطيني إذا أكل وشرب من عمله وكسبه سيصبح
أكثر قدرة على فرض التوطين؟ هذا منطـق جدلـي لا يقره العقل السوي والسليم.
إن
لبنان الدولة قد أقـر في اتفاق الطائف وخصوصا بعد صياغة مقرراته في الدستور
اللبناني في عام 1990 توافق اللبنانيين على رفض التوطين وتأكيد دعم حقوق الشعب
الفلسطيني في العودة إلى أرضه ووطنه في فلسطين، وإقامة دولته المستقلة على ترابه
الوطني وفق قرارات الأمم المتحدة.
وقد
اعتمدت الحكومة اللبنانية في العام 2005 تأسيس "لجنة الحوار اللبناني
الفلسطيني" التي أكدت حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا سيما لجهة
الحقوق الإنسانية باعتبار الدولة هي المسؤولة بمؤسساتها عن سلامتهم على الصعد
الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والتي صدر عنها يومها وثيقة سياسية بعنوان
"رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان" وهي تعبر عن
الموقف الجامع للبنانيين والفلسطينيين فأنهت جميع المخاوف من شبح التوطين وألزمت
الدولة اللبنانية نفسها برعاية حقوق الفلسطينيين الإنسانية والمعيشية حتى عودتهم
إلى وطنهم فلسطين فليس لها أن تؤذي من لجأ إليها في لقمة عيشه وعيش أبنائه، فيجب
العودة إلى تلك الوثيقة ومقرراتها ومندرجاتها.
ولذلك
يجب على اللبنانيين وساستهم أن يرفضوا أي قرار في هذا السياق يؤذي الفلسطينيين في
لقمة عيشهم وعملهم، والأولى بهذا الرفض بداية من يرفع راية فلسطين ومقاومة
الصهاينة من القوى اللبنانية الفاعلة في نصرة فلسطين وتمكينا للفلسطينيين من
الصمود حتى تحقيق عودتهم وقيام دولتهم على أرضهم ووطنهم في فلسطين المغتصبة، فلا
قضية فلسطين ولا تحرير فلسطين إذا هلك شعب فلسطين واندثر، فالقضية لا تموت بضياع
الأرض فقط بل تموت بموت أبنائها أيضا.
وهل
يأمن اللبنانيون ودولتهم العتيدة يا ترى أن يصيبهم ما أصاب الفلسطينيين يوما ما
بسبب أو بآخر؟ فيذوقوا وبال أمرهم وعاقبة معاملتهم لغيرهم؟ وما يدريك لعل الساعة
قريب؟، لا أقصد ساعة القيامة، بل ساعة الانتكاسة، اللهم سلم.
وعسى
أن يتدارك ولاة الأمور بإلغاء بنود منع اللاجئين الفلسطينيين من العمل لكسب لقمة
عيشهم وتعليمهم وعملهم وترجمة ما بدت تباشيره صباح اليوم ترجمة سليمة وتامة وكاملة
وشاملة حفاظا على سلامة واستقرار لبنان وأمانه وأمان الفلسطينيين أنفسهم وأمان
عوائلهم وأبنائهم وأعمالهم في اختصاصاتهم واستقرارهم وهم الذين لم يصدر عنهم ما
يسيء إلى لبنان واللبنانيين بل كل تجاوب وتعاون دولته وحكومته، ليتفرغوا لنهضتهم
وقضيتهم ومواجهة عدوهم قبل لات ساعة مندم.