في
العام الدراسيّ 2014/2015، وبعد صيفٍ مشتعلٍ شهدته مدينةُ القدس إثر استشهاد الطفل
محمد أبو خضير، بدأت تِسعُ مدارس إعداديّة وثانويّة تابعة لبلدية الاحتلال ووزارة
المعارف الإسرائيليّة، ومن مدارس الأولاد فقط، بتفعيل برنامج تعليميّ لامنهجيّ
باسم "اليوم الدراسيّ المطوّل". يَبقى الطلاب في مدارسهم بعد انتهاء
الدوام، وينتظمون في دروسٍ للدبكة والتصوير، وغيرها.
وُضِعت
حينها قائمة المدارس التي طبّقت ذلك البرنامج باتفاق بين شرطة الاحتلال وبين
البلدية، فاختيرت المدارس التي اعتقل عددٌ كبيرٌ من طلابها بتهمة إلقاء الحجارة،
أو تلك التي تقع في مناطق المواجهات مع الشّرطة، كالعيسوية وسلوان وشعفاط. النتيجة
المرجوة حسب خطّة الشّرطة: لا يخرج الطلاب من مدارسهم إلا في ساعات متأخرة،
الرابعة والخامسة مساءً، فلا يعد هناك وقتٌ كافٍ لإلقاء الحجارة، وهكذا تؤدّي
"الحصص اللامنهجيّة" دوراً أمنيّاً في تخفيف حدّة المواجهات. كلّف
البرنامج في ذلك العام 900 ألف شيكل، ثُمّ وُسِّع في العام الدراسي 2015/2016
ليشمل 15 مدرسة.
ما
بدأ كبرنامجٍ محدودٍ، وضمن استجابةٍ طارئةٍ لـردع "هبّة أبو خضير"، وما
لحقها من مواجهات، توّسعت فكرتُه في السنوات الأخيرة لتصبح جزءاً من بين أجزاء
كثيرة تتضمنها خطّة حكوميّة إسرائيليّة باسم "الخطّة الخمسيّة"،
بميزانية 2.3 مليار شيكل.
الخطّة
الخمسيّة.. في حال لم تتعرفوا مسبقاً
في
13 مايو/ أيار 2018، وفي مناسبة احتفال "إسرائيل" بمرور 51 عاماً على
احتلالها شرق المدينة، أو ما تُسمّيه "يوم القدس"، أُعلِن عن القرار
الحكوميّ الإسرائيليّ رقم 3790. يصادق القرار على خطّة بعنوان: "الخطّة
الخمسية: تقليص الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتطوير الاقتصاديّ لشرقيّ
القدس، 2018-2023". وقد حددّت الخطّةُ ستّة قطاعات ستعمل فيها: التعليم والتعليم
العالي، الاقتصاد والتجارة، التشغيل والرفاه، المواصلات، تحسين جودة الحياة
والخدمات المُقدّمة للسكان، وتخطيط وتسجيل الأراضي.
أما
عن الهدف، فيقول القرار إنّ الخطّة نبعت من "الحاجة لتعزيز قدرة سكان شرق
القدس [أي الفلسطينيّين] على الاندماج في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليّ، وبذلك
تعزيز حصانة العاصمة اقتصاديّاً واجتماعيّاً". الهدف إذاً واضح:
"دمج" المقدسيّين بالاقتصاد الإسرائيليّ حتى تُربّط أياديهم ولا
يستطيعون منه فكاكاً ويصبح خيار التعامل مع السّوق والمؤسسات الإسرائيليّة هو
"الوحيد" و"المُفضّل"، وبالتالي تعميق وتثبيت السيطرة
الإسرائيليّة لا على المدينة فحسب، بل على ناسها كذلك.
وزير
شؤون القدس، زئيف ألكين، والذي يُشرف على تطبيق الخطّة الخمسيّة، يُعبّر عن ذلك
كالتالي: "كلّما أصبحت الفجوات بين شرق وغرب القدس أقلّ، كلما أصبح ثمن
الخسارة الذي سيدفعه سكان شرقيّ القدس نتيجة أي احتكاك أمنيّ أعلى بكثير، وبالتالي
تنخفض إمكانيات تشكيل الخطر الأمنيّ من قبلهم".1 أي أن الشعار الذي يقول
"الحدّ من الفجوات" ترجمته الفعليّة على الأرض: تقييد المقدسيين
بإنجازات ومكتسبات شخصيّة اجتماعيّاً واقتصاديّاً، وهذا ما يقود -حسب منطق الخطّة-
إلى تخفيض حدّة المواجهة مع الاحتلال في القدس.
تفاصيل
الخطّة
تُدفع
ميزانية الخطّة للسنوات الخمس -2.3 مليار شيكل- من مختلف الوزارات الإسرائيليّة،
وَوُضِعَت مسؤولية تنفيذها الرئيسة على وزارة شؤون القدس والتراث الإسرائيليّة،
بمشاركة كلّ من "الشركة لتطوير شرق القدس"2ومرافقة "معهد ألخا -
جوينت يسرائيل"3 إضافةً إلى ذلك، تشارك في تنفيذ الخطّة 8 وزارات إسرائيليّة
أخرى كوزارتي المعارف والصحة، وسلطة المياه، وشركة "هجيحون" (شركة مياه
إسرائيلية)، وبلدية الاحتلال. فيما يرافقها "معهد القدس لبحث السياسات"،
من ناحية البحث الأكاديميّ ومن ناحية تقييم تطبيقها وآثارها.
كما
ترافق الخطّة لجنةٌ دائمةٌ مُكَوّنة من ممثلين عن: وزارة شؤون القدس، ووزارة
الماليّة، وديوان رئيس حكومة الاحتلال، وبلدية الاحتلال، تجتمع بشكلٍ دوريٍّ
وتتابع تطبيق الخطّة، ومنها اجتماعها الأخير في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،
بمناسبة مرور العام الأول من الأعوام الخمسة للخطّة. كما تلقى الخطّة اهتماماً من
مختلف الجهات الإسرائيليّة الرسميّة وغيرها؛ إحدى الجمعيات غير الحكوميّة مثلاً
تُصدر تقريراً ربعيّاً لمتابعة ورصد نشاط الخطّة وتقدم تطبيقها.
يمكن
لمتابع أحوال القدس أن يرصد -بسهولة- ملامح تطبيق هذه الخطّة، ما يعكس تسارعاً
مُقلقاً يفرض على المجتمع المقدسيّ واقعاً "جديداً" وسط غياب الأجوبة
والبدائل. وظائف كثيرة يشغلها شبان وشابات من القدس ازدادت وانتشرت بعد إقرار
الخطّة الخمسيّة: مُركّز لبرنامج تعليميّ بعد الظهر، مُدّربة دبكة، مدرّب كشافة،
مدرّب تصوير، باحث مع وزارة المواصلات، إلخ. فروع جديدة للمؤسسات الإسرائيليّة
داخل الأحياء المقدسيّة. العمل الواسع والمكثف على شق الشّارع الأميركي- أكبر
مشروع لشق شارع في شرق القدس منذ احتلالها عام 1967.5. الإعلان على حافلات شرق
القدس عن قرب دمجها بخطّ "الراف- كاف" الإسرائيليّ. مئات الطلاب
المقدسيين في الجامعات والكليات الإسرائيلية. إعلان على "فيسبوك" يبحث
عن مهتمات للعمل مع بلدية الاحتلال في مجال مناهضة العنف ضدّ المرأة! وصور لمراكز
تعليميّة جديدة تابعة لبلدية الاحتلال تنشر صوراً لنشاطات الأطفال والفتية، وغير
ذلك كثير.
التعليم
أول المستهدفين
يستحوذ
قطاع التعليم على الحصّة الأكبر من ميزانيّة الخطّة الخمسيّة، بقيمة 445 مليون
شيكل على الأقلّ، أي أن "إسرائيل" تصرف من عام 2018 حتى 2023 ما يقارب
89 مليون شيكل سنويّاً على تشكيل القطاع التعليميّ في القدس وفق مصالحها.6
داخل
قطاع التعليم تُركّز الخطّة الخمسيّة على عدة مستويات، أبرزها زيادة الإقبال على
المنهاج الإسرائيليّ في المدارس (بميزانية 200 مليون شيكل تشمل حوافز تعليمية
وميزانيات استئجار مبانٍ وغيرها)، وتوسيع نطاق التعليم اللامنهجيّ (بميزانيّة هي
الأعلى: 206 مليون شيكل)، وتعليم اللغة العبريّة (بميزانية 15 مليون شيكل)،
والتعليم التكنولوجيّ (بميزانيّة 12.5 مليون شيكل).
في
الميزانيّة الأكبر داخل قطاع التعليم أي التعليم اللامنهجيّ، تُحوّل كل المدارس
التابعة لبلدية الاحتلال بمختلف مراحلها في ساعات ما بعد الدوام المدرسيّ إلى ما يُعرف
بـ"المدرسة الجماهيريّة" (في المرحلة الابتدائية يُسمّى البرنامج
"دورة لكل طالب")، وتُطبق خلالها مختلف الفعاليات والبرامج اللامنهجيّة.
من تلك الفعاليات: الكشافة، والفن، والدبكة، واللغة العبريّة، ورياضة المغامرات،
وتصليح الحاسوب، وإنشاء التطبيقات، ورياضة الـ"زومبا"، بل إنّ الأموال
تكفي حتى لاصطحاب الطلاب في فعاليات خارج القدس كدورة ركوب الأمواج!
في
مجال تعليم اللغة العبريّة، وإن كان تعلّمها مصلحة كذلك لأهالي القدس، فإنّها أصبحت
مسعىً إسرائيليّاً يرتبط بهدف تعزيز "الاندماج". بدأت مظاهر ذلك بإنشاء
مراكز تعليميّة في الأحياء تُعلّم اللغة العبريّة للأطفال. ومن الـ15 مليون شيكل
التي خصّصتها الخطّة لتعليم اللغة العبريّة هناك 4 ملايين شيكل تستهدف أطفال
الروضات، نعم الروضات! يقوم هذا البرنامج على تعليم أطفال من أعمار 3-5 سنوات
كلمات وتعابير أساسية باللغة العبريّة.
وفي
مجال التشغيل والرفاه، تُركّز الخطّة على "زيادة دخل العائلات
المقدسيّة"، عن طريق المساعدة في العثور على عمل. يتم ذلك من خلال: المساعدة
في تعليم الباحث عن عمل اللغة العبريّة - هذا ضمن افتراض أن مجال العمل
"المتاح" هو سوق العمل الإسرائيليّ، وثانياً توفير دورات تدريبيّة
ومهنيّة لإكسابه بعض المهارات في المجال الذي يميل إليه، وثالثاً، التشبيك مع
المُشغّلين الإسرائيليين لتعريف المقدسيين بإمكانيات العمل المتوافرة، سواء عن
طريق عمل أيام توظيف مفتوحة، أو زيارات للمصانع والمؤسسات الإسرائيلية. يستهدف هذا
القطاع النساء بشكلٍ خاصّ. في "مركز ريان للتشغيل" مثلاً، والذي يقع على
عاتقه تطبيق حصّة كبيرة من قطاع التشغيل في الخطّة الخمسيّة، يتضمن برنامج العمل
هدف الوصول إلى 1500 شخص جديد سنوياً، بشرط أن يكون 70% منهم من النساء. هذا
بالإضافة إلى مراكز أخرى تُقدّم منحاً وقروضاً لدعم النساء في فتح مشاريع
اقتصاديّة.7
السّابق
هو جزء بسيط من المجالات الكثيرة والمتشابكة التي تعمل عليها الخطّة الخمسيّة، فهل
تريد "إسرائيل" حقاً تحسين مستويات المعيشة في القدس؟ ولماذا؟ خدمةً لأي
هدف؟
الاجتماعيّ
والاقتصاديّ في خدمة الأمنيّ والسياسيّ
بدأ
الاهتمام بوضع خطط حكوميّة واسعة تستهدف "تطوير الجوانب المعيشية"
للفلسطينيين في القدس قبل 6 سنوات تقريباً. في نهاية عام 2013، تشكّلت في
"إسرائيل" لجنة وزاريّة من مستوى عالٍ، ضمّت إلى جانب الوزارات ممثلين
عن المخابرات الإسرائيليّة والشّرطة وبلدية الاحتلال، ومكتب رئيس الحكومة. كان القلق
الأساسي المحرك لهذه اللجنة الأرقام المرتفعة لحالات إلقاء الحجارة والزجاجات
الحارقة والمواجهات التي تجري في مختلف بلدات القدس، مما أثّر، حسب الدراسات
الإسرائيليّة، على "شعور الإسرائيلي بالأمان خلال تجواله في عاصمته". لم
تكن سلطات الاحتلال بطبيعة الحال قد وفّرت جهداً لإخماد تلك المواجهات؛ اعتقال،
حبس منزلي، قتل، هدم بيوت، إلخ. لكن هذا النوع من "الحلول" لم يكن
كافياً.
اقترحت
اللجنّة المذكورة أن تعمل الحكومة الإسرائيليّة على تحسين الظروف الاقتصاديّة
والاجتماعيّة لأهالي القدس كوسيلة للتعامل مع "عدوانيتهم" المتصاعدة.
افترضت هذه اللجنة أن إلقاء الحجارة ناجمٌ عن "الفقر"، وبالتالي فإنّك
"إذا حسّنت من أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة، سيتوقفون عن إلقاء
الحجارة"، دون أي ذكر للسياق السياسيّ: الاحتلال وممارساته.
بناء
على هذه التوصية، صدر في 29 يونيو/ حزيران 2014، القرار الحكومي رقم 1775، بعنوان:
"الخطّة لتعزيز الأمن الشخصيّ والتطوير الاقتصاديّ الاجتماعيّ في القدس لصالح
كلّ سكانها". خُصص لهذه الخطّة مبلغ 200 مليون شيكل بما يشمل قطاعات التعليم
والتشغيل وتطوير بعض ملامح البنية التحتيّة، والخدمات البلديّة، إضافةً إلى 90
مليون شيكل لتعزيز نظام الرقابة البلديّة والشرطيّة، وتمتد فترة تطبيقها من 2014
إلى 2018. بعد ذلك، ظهرت ملامح العمل على هذه الخطّة: برنامج "روّاد"
الذي يعمل على زيادة عدد الطلاب في الجامعات الإسرائيليّة، وفتح مراكز تشغيل
وتدريب -منها مركز ريان المذكور أعلاه، وغيرها.
لاحقاً،
وبعد "أخطاء" في تطبيق خطّة عام 2014 أُسست لجنة إسرائيليّة للتخطيط
لخطّة جديدة وواسعة تمتد على عدّة سنوات، تعمل بفاعلية وعمق أكبر، وتستهدف ذات
الأمر وبذات المنطق الأمنيّ السياسيّ. عام 2018، صدرت المصادقة على الخطّة
الجديدة، أو ما نعرفه اليوم باسم "الخطّة الخمسيّة"، لتُكمل العمل على
ما لم تنتهِ منه خطّة عام 2014.
تنطلق
الخطّتان من رغبةٍ أمنيّةٍ إسرائيليّةٍ تربط الفعل السياسيّ المقاوم بالوضع
المعيشي. يفترض هذا المنطق أنّ من يعيش حياة جيدّة على الصعيد الاقتصاديّ؛ معاش
ثابت، ووظيفة جيّدة، وعلى الصعيد الاجتماعيّ؛ تعليم جيّد، بيئة وبنية تحتية
مناسبة، ومساعدة في حالات العنف والطلاق، لا "مصلحة" له، ولا
"دافع" له للمشاركة في أي نشاطٍ سياسيّ، إذ أن هذا النشاط السياسي
سيُكلّفه خسارة هذه المكتسبات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وبالتالي لن يُشكّل "خطراً
أمنيّاً".
ماذا
بعد؟
ثبّتت
"إسرائيل" القدس عاصمةً لها في قانون أساس (وهو بمثابة قانون دستوريّ)
عام 1980. وفيما طمح المفاوضون أن يحصلوا على "القدس الشرقيّة"، فإنّ
"إسرائيل" استغلت الوقت المهدر في الطموح لفرض الوقائع على الأرض:
الجدار حول القدس، التهويد واختلاق التاريخ، مشاريع الاستيطان، سحب الهويات، إغلاق
مؤسسات فلسطينيّة، محاصرة أي بذور لقيادة محليّة وطنيّة -إن لم يجدوا تهماً جاهزة،
كان الإبعاد عن القدس أو الاعتقال الإداريّ حلّاً أمامهم، الاعتراف الأميركي:
"القدس عاصمة إسرائيل" ونقل السّفارة، وظهر مُدار من العرب، واجتماعات
شكليّة تُختم ببيانات مُكررة من السلطة الفلسطينيّة وممثليها في المدينة.
إذا جمعنا هذا مع وسائل وسياسات الاحتواء وفتح الأحضان التي تشكّل
الخطةُ الخمسيّة ذروتها، يتكامل سعي "إسرائيل": سيطرة "كاملة"
على المدينة، سيطرة "كاملة" على المقدسيين،
أن تصبح هي "العنوان" في كلّ شيء. كأنها تقول للمقدسيين بعد أن تقمعهم
وتحاصرهم ماديّاً ومعنويّاً: "لا أفق لكم مع غيري، ولا فرصة لكم في مجتمعٍ
عصاميٍّ، الحل: فقط أنا". لذلك فهي تعمل جاهدة على قتل البديل، وتسعى إلى أن
يبقى أي نشاط اقتصاديّ أو اجتماعيّ تحت جناحها. والخطير في الخطّة أنها تخرج
للمقدسيين في احتياجاتهم الأساسيّة، في روتينهم اليوميّ، في أمّ تبحث لنفسها عن
عمل ولطفلها عن دورة رسم أو حتى دروس تقوية، في ربّ أسرة يبحث عن معاشٍ يسدّ
متطلبات عائلته، في حاجة شابٍ أو شابة لتقدمٍ أكاديميٍّ وبناء مستقبل مهنيّ.
في
المقابل، نجد تقصيراً على المستوى المجتمعيّ ومن ثمّ غياباً لأي خطّة رسميّة أو
غير رسمية أو رؤية بعيدة المدى. المليارات قد استثمرت في صناديق التبرعات والمنح
للقدس، دون أن تُحقق أثرها المطلوب. أن نرى مثلاً ملايين تُصرف على قطاع الشباب
والأطفال سنويّاً في مشاريع حُدّدت مواضيعها مسبقاً من المُموّل، ولا نرى في
المقابل أياً منها يُصرف على بناء مدارس مناسبة بما يكفي ليمنع التوجه لمدارس
حكوميّة إسرائيليّة، أو حتى لتطوير اقتصاد مقدسيّ ينهض بالمدينة.
في
ظلّ ذلك، يببقى أهالي القدس أمام امتحان الأسئلة وحيرتها، وفي ضغط البحث عن مقومات
البقاء والمستقبل. وبغض النظر عن نسب نجاح الخطّة الخمسيّة (فـ"إسرائيل"
ليست "سوبرمان"، والفلسطينيون ليسوا مجردين من التفكير) فإنّ أقل
الإيمان أن يُستثمر مجتمعيّاً في سياسات التحصين، في تحصين هؤلاء الأطفال، والطلاب
الثانويّين والجامعيّين وعائلاتهم، الذين تتسع يوماً بعد يوم درجات انكشافهم على
المؤسسات الإسرائيليّة وما تحمله من فكر وأدوات، والتي قد لا تنجح في تغيير
انتماءاتهم إلى الحدّ الجارف الذي قد يتخيله البعض، ولكنها ستُشكِّلُ -بلا شك-
تحدياً أمام مستقبل المدينة وأمام سقف العمل السياسيّ فيها.