Adbox


مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" - منذ زمن طويل أصبح عُنف المستوطنين ضدّ الفلسطينيّين خدمة للدولة جزءاً من روتين الاحتلال وتشمل نتائج هذا العُنف المسّ بحياة الفلسطينيّين وسلامة أجسادهم وإتلاف ممتلكاتهم وأراضيهم. يسمح الجيش بهذه الاعتداءات بل أحياناً يحمون المستوطنين خلال تنفيذها، وفي أحيان أخرى يعتدون بأنفسهم منضمّين إلى المستوطنين. فقط في حالات نادرة (النص بالعبرية) تحقّق أجهزة إنفاذ القانون في هذه الاعتداءات ويندر أكثر أن تُتخذ إجراءات ضدّ المتورّطين في الاعتداء. يعلم المستوطنون جيّداً أنّ تحمّل العواقب في حال اعتدائهم على الفلسطينيّين احتمال ضئيل جدّاً ولذلك يواصلون هجماتهم دون رادع أو عائق.
في حالتين وثّقتهما بتسيلم خلال شهرّي نيسان وأيّار لم يكتف المستوطنون بإيذاء الفلسطينيّين وإتلاف ممتلكاتهم بل أمعنوا في عُنفهم زاعمين أنّ الفلسطينيّين هم من اعتدوا عليهم. بدعم الجيش يعيش المستوطنون في عالم يتمتعون فيه بحصانة شبه تلقائيّة. وعلى نقيض ذلك يبقى الفلسطينيّون مُدانين حتى تثبت براءتهم: تقديم شكوى ضدّهم يعني عموماً اعتقالهم الفوريّ ثمّ تكبيدهم كفالة باهظة لقاء إخلاء سبيلهم - حتى في غياب أدلّة تثبت صحّة مزاعم المستوطنين.
في إحدى الحالتين اللّتين وثّقتهما بتسيلم اعتقل جنود ثلاثة أشقّاء حاول المستوطنون طردهم أثناء رعي أغنامهم. ظلّ الثلاثة رهن الاعتقال طوال خمسة أيّام وفي النهاية أخلي سبيلهم لقاء دفع كفالة قدرها 3,000 شيكل. في الحالة الثانية اعتقل جنود المعتدى عليه وهو سائق تراكتور وظلّ رهن الاعتقال طوال عشرة أيّام حتى أخلي سبيله لقاء كفالة قدرها 4,000 شيكل، لا لشيء سوى أنّ المستوطنين زعموا أنّه حاول دهسهم.
أيّ شخص يُعتدى عليه أو على ممتلكاته يتوقّع ضمناً أنّ السّلطات ستحاسب المعتدين. ولكن في واقع الحياة العارية التي يعيشها الفلسطينيّون تحت نير الاحتلال الإسرائيليّ لا ينالون حتى الحدّ الأدنى من الحماية. علاوة على ذلك في الحادثتين المفصّلتين أدناه تعرّض الفلسطينيّيون لجَوْر مضاعَف: أوّلاً من قبَل المستوطنين وبدعم السّلطات وثانياً من قبَل السّلطات بتشجيع المستوطنين.
أدناه وصْف لوقائع الحادثتين:
10.5.20 : ترمسعيا، محافظة رام الله - مستوطنون يهاجمون مزارعين وأحد المزارعين يُعتقل لمدّة عشرة أيّام
أقيمت عند تخوم الأراضي الزراعيّة التي يفلحها أهالي قرية ترمسعيّا بؤرة "عدي عاد" الاستيطانيّة ثمّ أقام المستوطنون قبل سنتين بؤرة استيطانيّة أخرى إلى جوارها. بسبب وجود البؤر الاستيطانيّة يستنكف المزارعون الفلسطينيّون في السّنوات الأخيرة عن الوصول إلى أراضيهم خشية التعرّض لاعتداء أو مضايقات. لكي يتمكّن المزارعون من العودة إلى فلاحة أراضيهم بادرت اللّجنة الزراعيّة في القرية في هذا العام إلى تنظيم أعمال الحراثة بنفسها واستأجرت لهذا الغرض خدمات تراكتورين زراعيّين يقوم صاحباهما بأعمال الحراثة.
نحو الثامنة من صباح يوم الأحد الموافق 10.5.20 وصل إلى أراضي ترمسعيّا الحرّاثان سليمان عصفور (27 عاماً) ويوسف مزاحم (38 عاماً) كلّ على تراكتوره ومعهما عدد من المزارعين أهالي القرية.
ما أن بدأت أعمال الحراثة حتى وصل إلى المكان ثلاثة مستوطنين يحملون الحجارة والأنابيب وأخذ اثنان منهم يضايقان الحرّاثين ويحاولان منعهما من مواصلة حراثة الأرض. ضمن ذلك حاولا منع تقدّم التراكتورين تارة بمحاولة سحب المفاتيح وتارة بالاستلقاء على الأرض أمامها، بل بلغ الأمر بالمستوطنين أن حاولا إيقاع الحرّاثين عن التراكتورين عبر شدّهما من ملابسهما أثناء عملهما.
في مرحلة معيّنة تعثّر أحد المستوطنين ووقع أرضاً أثناء محاولته شدّ سليمان عصفور من ملابسه وإيقاعه عن التراكتور. تظاهر هذا المستوطن أنّه تعرّض لعمليّة دهس وأخذ يصرخ ويتأوّه لكنّه عاد بعد بضع دقائق واستأنف مضايقة الحرّاثين وكأنّ شيئاً لم يكن.
أدناه إفادة يوسف مزاحم حول ما جرى - أدلى بها في13.5.20 أمام باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد:
فورَ أن وصلنا جاء ثلاثة مستوطنين تناهز أعمارُهم العشرينيّات والثلاثينيات. كانوا يرتدون ملابس رثّة ويعتمرون قبّعات المتديّنين الـ"كيباه" وفي أيديهم حجارة. اعترض اثنان منهم طريقنا حيث استلقيا على الأرض أمام التراكتورين وكان الثالث يصوّرهما. عندما حاولنا الالتفاف وتجاوزه المستوطنين تشبّثا بالتراكتورين وحاولا سحب المفاتيح بالقوّة وكذلك شدّانا من قميصينا في محاولة لإيقاعنا عن التراكتورين.
استمرّ ذلك نحو خمس دقائق. بعد ذلك أثناء تكرار محاولة المستوطن أن يشدّ سليمان من قميصه ويوقعه عن التراكتور تعثّر في أثلام الحراث العميقة ووقع. شاهدت ذلك عن بُعد نحو عشرة أمتار. في البداية حاول المستوطن أن يتظاهر أنّه تأذّى وأخذ يتأوّه كأنّما من الألم. لم نكترث له. ابتعدنا عنه وحاولنا مواصلة أعمال الحراثة. بعد لحظات قام المستوطن واستأنف محاولات اعتراضنا كأنّ شيئاً لم يكن.
بعد مضيّ دقائق معدودة وحين كان يوسف مزاحم يسوق التراكتور رشّ المستوطن نفسُه رذاذ الفلفل على وجه يوسف. شعر يوسف باختناق وحرَقة في عينيه فقاد التراكتور محاولاً الابتعاد عن المكان. في هذه الأثناء ألقى المستوطن نفسه بجسده أمام التراكتور الذي يقوده سليمان عصفور وتظاهر ثانية أنّه تعرّض للدّهس. في هذا الوقت وصل إلى المكان في مركبة أمنيّة مركّز أمن إحدى المستوطنات وحين رأى المستوطن ملقىً على الأرض أخرج من جيبه قنابل صوت وألقاها نحو سائقي التراكتورين.
كان سليمان عصفور في خضمّ جدال مع المستوطنين عند إلقاء قنابل الصّوت فصعد إلى تراكتوره وحاول الفرار من المكان لكنّ مركّز الأمن ركض يلحق به وتسلّق التراكتور وألصق سلاحه برأس سليمان مهدّداً بإطلاق النار عليه إذا لم يتوقّف. بعد أن توقّف سليمان وترجّل عن التراكتور أمره مركّز الأمن بالجلوس على الأرض وأخذ منه مفاتيح التراكتور وبطاقة هُويّته ثمّ استدعى الشرطة والجيش. جاء عناصر من شرطة حرس الحدود واعتقلوا سليمان عصفور. كبّلوا يديه وعصبوا عينيه واقتادوه إلى محطّة شرطة "بنيامين".
أمّا يوسف مزاحم فقد نقل إلى عيادة القرية في سيّارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر وعند السّاعة 10:00 توجّه مع أعضاء اللجنة الزراعيّة إلى محطّة شرطة "بنيامين" لأجل تقديم شكوى ضدّ المستوطن الذي رشّه برذاذ الفلفل. انتظر يوسف وأعضاء اللّجنة حتى السّاعة 17:00 وفقط آنذاك سجّل عناصر الشرطة شكواهم.
أدناه إفادة سليمان عصفور حول التحقيق معه في محطّة شرطة "بنيامين":
قلت للمحقّق إنّه ليست لديّ أقوال أدلي بها وكلّ ما أريده هو أن أريه مقاطع الفيديو التي صوّرتها حين هاجمنا المستوطنون والتي تثبت أنّني لم أدهس أحداً. شاهد المحقّق مقاطع الفيديو. استغرق ذلك نحو السّاعتين لأنّ هناك تقريباً 16 مقطع. أثناء مشاهدته مقاطع الفيديو كان المحقّق يسجّل ملاحظات ويوجّه إليّ الأسئلة. جميع المقاطع تثبت أنّنا لم نتصرّف بعُنف أبداً. في مقطع الدّهس المزعوم يظهر أنّ عجلات التراكتور لا تتحرّك وأنّ المستوطن يُدخل ساقه عمداً تحت العجلات لكنّ العجلات لا تطأ ساقه. أبقى المحقّق هاتفي النقّال معه وأعاده إليّ عندما كنت في غرفة الحجز. عند السّاعة 11:00 أو 12:00 ظهراً نقلوني إلى المعتقل في سجن "عوفر".
في 19.5.20 حكمت القاضية في المحكمة العسكريّة أنّ "في الحادثة ما يستدعي التحقيق والاعتقال على ذمّة التحقيق". ومع ذلك أمرت القاضية بإخلاء سبيل سليمان عصفور لأنّ التحقيق استُنفد مبدئيّاً ولأنّ النيابة لم تطلب اعتقاله لأسباب أخرى. في مساء اليوم نفسه بعد أن أمضى سليمان عشرة أيّام في المعتقل أخلي سبيله بكفالة أودعتها لجنة ترمسعيّا الزراعيّة.
في إفادته قال سليمان عصفور أيضاً:
رفضت النيابة والشرطة أن تعرضا أمام المحكمة مقاطع الفيديو التي تثبت براءتي. لقد سلبوني حرّيتي طوال عشرة أيّام دون أيّ مبرّر. نحن في نظرهم دائماً مذنبون حتى تثبت براءتنا أمّا حين يتعلّق الأمر بالمستوطنين فالعكس هو الصّحيح دائماً.
14.4.20 : تجمّع الكعابنة، شرقيّ الطيّبة، محافظة رام الله
نحو التاسعة من صباح الثلاثاء الموافق 14.4.20كان عبد الرّحمن كعابنة (21 عاماً) يرعى قطيعه في مرعىً يملكه أهالي قرية الطيّبة ويقع على بُعد نحو 300 متر من منازل تجمّع الكعابنة. بعد دقائق جاء إلى الموقع مستوطنان وأخذا يصرخان عليه ويأمرانه بمغادرة المكان زاعمين أنّه يتعدّى على أرض يهوديّة. اتّصل عبد الرّحمن بشقيقه أحمد (34 عاماً) ومصعب (32 عاماً) فهرع كلاهما إلى المرعى. لدى وصولهما اندلع جدال حادّ مع المستوطنين وفي مرحلة معيّنة أخذ هذان يرشقان القطيع بالحجارة بل إنّ أحدهما كان أيضاً يوثّق بالفيديو ما يجري. عبثاً حاول عبد الرّحمن وشقيقاه أن يصدّا المستوطنين بأيديهما ليُبعدوهما عن المكان. عندئذٍ اتّصل أبناء كعابنة بعدد من أفراد العائلة فجاء اثنان منها وشرعا بدورهما أيضاً يوثّقان بالفيديو وقائع الحادثة.
أدناه أقوال أحمد كعابنة عن الحادثة من إفادة أدلى بها في 3.6.20 أمام باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد:
عندما وصلنا إلى هناك شاهدنا مستوطنين يصرخان على أخي ويستفزّانه أثناء محاولتهما طرده هو وقطيعه. كان أحدهما طويل القامة نحيفاً وذقنه أصهب وكان يعتمر قبّعة متديّنين "كيباه" بيضاء. أصرّ هذا المستوطن طوال الوقت أن يطرد الأغنام ويطردنا زاعماً أنّ هذه "أرض إسرائيل" وأنّ هذه الأراضي لهُم. حتى أنّه طالبنا أن نُريه وثائق تثبت ملكيّتنا للأرض. من حين لآخر كان المستوطنان يرشقان الأغنام بحجر في محاولة لتشتيتها. في مرحلة معيّنة أخذ أحد المستوطنين يصوّرنا. أدركنا أنّهما يحاولان الإيقاع بنا لتجريمنا لكنّنا لم نلجأ إلى العُنف ضدّه كنّا فقط نحاول صدّهم بأيدينا لكي نبعدهم عن المكان.
بعد مضيّ دقائق جاء إلى الموقع أربعة جنود وفور وصولهم أطلق أحدهم طلقتين في الهواء. اقتاد الجنود الأشقّاء الثلاثة إلى الجيب الذي أتوا فيه. حاول الثلاثة أن يوضّحوا للجنود أنّهم لم يعتدوا على المستوطنين وأنّ المستوطنين هما من حاولا طردهم من أرضهم لكنّ الجنود رفضوا الإصغاء إليهم بل وأسكتوهم فيما هُم يشاهدون مقاطع الفيديو التي قدّمها لهم المستوطنان.
عن تصرّف الجنود قال أحمد كعابنة في إفادته:
اقتادونا إلى الجيب وهم ينهالون علينا صفعاً وركلاً وشتماً. حاولنا أن نشرح لهم أنّنا كنّا نرعى أغنامنا وأنّ المستوطنين هُما من جاءا واعتديا علينا لكنّهم ظلّوا يأمروننا أن نصمت. أراهُم المستوطنان مقاطع فيديو يظهر فيها أنّنا نهدّدهم ونحاول طردهم ولكن لم يكن هناك ضرب أبداً. حاول أحد أقاربنا أن يُريهم الفيديو الذي صوّره لكي يفهموا الوضع ولكنّهم حين أخذوا منه الهاتف قاموا بمحو المحتوى المصوّر.
أجلس الجنود الأشقّاء الثلاثة قرب الجيب وكبّلوا أيديهم. نحو السّاعة 11:00 جاء إلى الموقع سيّارة شرطة وجيب عسكريّ آخر واقتيد الثلاثة إلى محطّة شرطة "بنيامين".
أدناه أقوال أحمد كعابنة حول ما حدث في محطّة الشرطة:
حقّق معي أحد عناصر الشرطة دون أن يزيل الأصفاد عن يديّ ودون أن يقرأ عليّ حقوقي. قال لي إنّني مشتبه بي في الاعتداء على مزارع إسرائيليّ وعرض أمامي مقطع فيديو نظهر فيه ونحن نحاول طرد المستوطنين ونهدّدهما بعصا. ولكن لا يوجد أي توثيق يُظهر أننا نعتدي عليهم جسديّاً لأنّ هذا لم يحدث. تحدّث معي طيلة نصف السّاعة تقريباً وسألني عن شتّى تفاصيل حياتي. سألني أيضاً حول ملكيّة الأرض ولماذا ذهبنا لرعي أغنامنا هناك. عندما سأل لماذا كان معنا عصا شرحت له أنّنا نخرج دائماً إلى المرعى حاملين العصي نستخدمها في توجيه الأغنام وطرد الذباب وأنّنا لا نحمل العصا بنيّة الاعتداء على أحد. في نهاية التحقيق أمرني المحقّق أن أوقّع على أقوالي وكانت مسجّلة بالعبريّة. قلت له إنّني لا أقرأ العبريّة ولا أثق بالشرطة الإسرائيليّة. حقّقوا أيضاً مع شقيقيّ ثمّ حبسونا في زنزانة واحدة.
نحو السّاعة 13:00 اقتيد الأشقّاء الثلاثة إلى سجن "عوفر" واحتُجزوا هناك طوال خمسة أيّام. في صباح 19.4.20 جُلبوا أمام المحكمة العسكريّة وبعد انتهاء الجلسة تمّ إخلاء سبيلهم بكفالة قدرها 3,000 شيكل.

أحدث أقدم